العدد 3311 - الجمعة 30 سبتمبر 2011م الموافق 02 ذي القعدة 1432هـ

يوم ثار الخليج ضد البرتغاليين

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تحكي لنا الوثائق البرتغالية المتوافرة في أرشيف البرتغال الوطني في العاصمة لشبونة، حكايات ومواقف كثيرة عن انتفاضات شعب الخليج ضد السيطرة والهيمنة البرتغالية المطلقة والوحشية تجاه هذا الشعب، سواء في مسقط، البحرين، هُرمز، قلهات، صحار، وغيرها. فقد شارك البحرينيون في أول ثورة خليجية جماعية العام 1521 ضد الغول البرتغالي الذي لم يشبع يوماً قط من امتصاص دمائهم ونهب خيراتهم وسرقة أراضيهم وجزرهم.

وكان لأهل البحرين الغيورين دور بطولي فيها وفي القضاء على الوجود العسكري البرتغالي في جزرهم. وعلى رغم استخدام البطش والتنكيل بمدفعية الأسطول البرتغالي واستعادة السيطرة على الخليج بعد تلك الثورة بعد نحو خمسة أشهر من اندلاعها؛ إلا الخليجيون لم يهدأوا وبالذات في قلهات ومسقط على الساحل العُماني وفي البحرين بحوض الخليج بين أعوام 1526-1529. وكما حدث في ثورة 1521 في هُرمز فإن تركز الثورة في قلهات جاء للسبب نفسه، أي لأهميتها الاقتصادية باعتبارها أهم موانئ مملكة هُرمز على الساحل العُماني خلال القرن السادس عشر للميلاد.

وليس بيت القصيد هنا هو سرد تفاصيل تلك الثورات، بل تحليل كيفية التغلب عليها من باب آخر هذه المرة، خلافاً للعنف والبطش والتنكيل الذي مارسته الإدارة البرتغالية طوال تاريخها منذ وطأت مياه وسواحل الخليج وعُمان العام 1507.ففي ثورة قلهات المذكورة أعلاه، مارس حاكم عام الهند البرتغالي آنذاك ويدعي (Lopo Vaz de Sampaio - لوبو فاز دي سامبايو) دوراً حكيماً قلما نجده لدى أمثال هؤلاء القادة والحكام البرتغاليين في تلك الفترة، ولكن أحياناً يأتي الدواء من أخس الشجر، كما يقال في المثل.

أولاً، لم يسارع بإرسال القوة العسكرية، لقمع الثوار في مدينة قلهات رغم أهميتها الاقتصادية للبرتغاليين حينها. بل ترك الثوار يعبرون عما يريدون وأهمل الموضوع بعض الوقت لعله يهدّئ من نفسه. وبعد نحو أربعة أشهر بدأ (سامبايو) في إرسال قوة عسكرية بحرية إلى قلهات ولكن ليس للقمع أيضاً. فعندما نزلت تلك القوة لم يستخدم الحاكم البرتغالي العنف مباشرة في التعامل مع الثوار، بل طلب الاجتماع مع زعماء الثورة. وبعد محادثات بسيطة بباسطة المطالب الثورية للناس الفقراء والمظلومين دون إسالة دمائهم؛ وعد القائد بالاستجابة إلى شكوى الثائرين وإجراء إصلاحات إدارية فورية في قلهات ومحاسبة المسئولين البرتغاليين الذين سببوا نشوب هذه الثورة بفسادهم وأعمالهم القمعية ونهب الخيرات العربية دون حسيب. ولهذا قرر معاقبة (Diogo de Mello - دييجو دي ميلو) القائد الرابع لقلعة هُرمز بين الأعوام (1524-1528), بسبب فساده، مع أنه هو، كعادة التعيين في المناصب البرتغالية، شقيق (سامبايو). وبتلك الطريقة استعاد البرتغاليون ثقة السكان في قلهات دون الحاجة لاستخدام القوة.

أما في مسقط، فبسبب النزاع المزمن بين القبائل العربية في عُمان وبين حكام مملكة هُرمز؛ فقد حاول (سامبايو) تهدئة الأوضاع هناك بعقد صفقة مع زعيم الحركة المطلبية في المدينة. وكان يُدعى راشد المسقطي وهو أحد شيوخ القبائل القاطنة في مسقط. وكان يعلم أن حركة راشد ومن معه هي في الأساس ضد تحكم الهرامزة في ساحل عُمان لأكثر من قرنين أكثر من كونها ضد البرتغاليين. فقرر تعيين راشد المسقطي في منصب حاكم المدينة بدلاً من الوالي الهرمزي الذي تعودت مسقط أن يكون حاكمها منذ سيطرة مملكة هرمز على ساحل عُمان في القرن الرابع عشر للميلاد. وبذلك استطاع هذا القائد البرتغالي كسب القبائل العربية إلى جانبه وتوفير شيء من السلام بدلاً من العداء وعدم الأمان لو ركب رأسه ووقف ضد مطالب الثورة. وبقي راشد حاكماً لمسقط حتى العام 1529 عندما عُين (نون ودا كونها) نائباً لملك البرتغال في الهند وكانت له حكاية مع الشيخ راشد في قضية تداول منصب رئيس وزراء هرمز بين العرب والهرامزة لأول مرة منذ مئتي سنة ليس لها مجال هنا.

ولم يكن هذا الحل بتلك البساطة التي نتصورها آنذاك، فلم يكن من السهل على الحكام البرتغاليين أن ينصّبوا زعيماً عربياً مسلماً، مهم كان موالياً لهم، في موقع قيادي متقدم كما حدث للشيخ راشد؛ إلا أن كل تصرفات وحلول البرتغاليين في المشرق تجاه الحوادث كان ممكناً نجاحها في حالة واحدة فقط، وهي أن يكون هناك رجل رشيد وذو حكمة وحنكة وتدبير من البرتغاليين أكثر من كونه قائداً عسكرياً ولو كان متمرساً في القتال والبطش والتنكيل بأعدائه في ساحات المعارك، فمواجهة مطالب ثوار المدن المسالمين من سكان الخليج ليس ساحة معركة لاستعراض البطولات. ولذا تعلم بعض القادة البرتغاليين، كما يبدو، من ثوار الخليج المسالمين كيفية حسن إدارتهم للملفات السياسية الشائكة في المناطق العربية والإسلامية وغيرها.

ولو واصل البرتغاليون إدارتهم السلمية بهذا الشكل على اختلاف حكامهم لما سقطوا من الضربة الأولى التي وجهت لهم في البحرين العام 1602 ومن الضربة الثانية بعدها في هرمز نفسها العام 1622 فتبخرت أحلامهم كلها في الخليج.

وعلى رغم عدم قبولنا بسيطرة البرتغاليين أساساً على المنطقة، لكن الحديث هنا يأتي من باب كيف استطاع حاكم عام الهند (لوبو فاز دي سامبايو) بوعيه وطريقة تعاطيه مع ثورة الخليج من أن يجنب إمبراطورية بلاده ويلات ما كان يدري عقباها لو عاند واستفزّ ثوار الخليج المسالمين في مسقط وقلهات، وغيرها واستخدم مباشرة كافة أساليب البطش والتنكيل معهم دون رحمة. وهنا مازلت أتذكر مقولة وزير الدفاع الاسرائيلي عشية نكسة يونيو/ حزيران حين قال: «العرب لا يقرأون التاريخ جيداً». فهل صدق عدوّنا في تشخيص حالنا؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3311 - الجمعة 30 سبتمبر 2011م الموافق 02 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:01 م

      اليهود حادق الرؤية والبصيرة

      علينا ان لا نشك في فطانة اليهود وحداقة رؤاهم ولا كيف اصبحوا يوجهوا مسار اكبر دولة عظمى في العالم حيث ما هي مصالحهم

    • زائر 3 | 6:34 ص

      أشمر عن قبعتي لشخصك

      لك كل التحايا فزدنا من غذائك ترانا عطشي هلا أرويتنا بكأس من معين

    • زائر 2 | 4:15 ص

      الذكرى

      تحية الى الكاتب المبدع في إختياره للقصص الي تلامس الواقع القديم الجديد وإتخاذ المخرج الى المحنة بدون تكابر وكأنما التاريخ يعيد نفسه!!!!.

    • زائر 1 | 3:33 ص

      قلعة البرتقالين

      اشكرك يا استاذ علي هذه المعلومات وياريت تطرقة ولو نبده واعطيتنا معلومة عن قلعة البرتقال التي تسمي حاليا قلعة البحرين ومن شيدها ومادورها في التعامل مع الثورة وهل ما جاء في تقرير المنقبين عن وجود اثار تعود الي 5000 سنه صحيح لانه يتعارض مع ماذكرة من تاريخ 1521

اقرأ ايضاً