العدد 3319 - السبت 08 أكتوبر 2011م الموافق 10 ذي القعدة 1432هـ

تمويل صحافة القطاع الخاص... أزمة مفتوحة

بخلاف صحافة الحكومات والأحزاب والطوائف العربية

حمزة عليان comments [at] alwasatnews.com

.

الصحيفة لم تكن مشروعاً تجارياً بالأساس وغالباً ما يبقى التمويل مصدر قلق يطارد أصحابها... في العالم العربي هناك نماذج مختلفة، قد تجد صحافة حزبية تستطيع تأمين أموال تكفي لمواصلة الصدور، وصحافة حكومية تصرف من جيبها الخاص وتدفع التكاليف من حساب الموازنة العامة للدولة، فهذه «وسيلة دعاية»...

الموضوع المطروح، من أين يأتي التمويل وكيف السبيل إلى علاج الأزمات المالية التي تطال الصحف؟

بالأمس أقدم صاحب صحيفة «السفير» اللبنانية على تحويل الصحيفة من «مؤسسة فردية» إلى شركة مساهمة بعدما باع 20 في المئة من الأسهم إلى رجل الأعمال الأميركي - السوري - اللبناني، جمال دانيال أي بما يساوي 7 ملايين دولار... فاتحاً الباب أمام مستثمرين جدد.

الخطوة فسرت على أكثر من منحى، بخلاف كونها تحولت إلى «شركة مساهمة» يملكها أكثر من شخص، كان التركيز يتجه نحو الأبعاد السياسية والاقتصادية، وما إذا كان يطال والكوادر البشرية والرواتب والعملية المهنية.

ربما كان الهاجس المالي مدخلاً إلى «الاستقلالية» الاقتصادية التي تتيح لصاحب المطبوعة حرية أوسع بالنقد، بمعنى كلما زاد عدد المساهمين تناقصت مساحة الحريات وأصبحت رهينة عدة مصالح ارتبط المالكون بها وبالتالي يستوجب الدفاع عنها وحمايتها، في حين أن المالك الفرد تبقى مساحة الحرية عنده أوسع وأشمل، هكذا يجري الاعتقاد لهذا كان الحديث عن الدوافع الاقتصادية والسياسية التي يقف وراءها هذا المستثمر الجديد.

الحقيقة أن التجارب التي سبقت خطوة «السفير» تفيد بالنتائج التي قد تتحقق من ورائها، فصاحب «الحوادث» الأستاذ سليم اللوزي وجد في مرحلة ما، أن استمرارية المجلة لا تتوقف على شخصه منفرداً إذا ما تعرض لحادث أو انتقل إلى رحمة ربه، لذلك لجأ إلى تحويلها لشركة مساهمة ووزع حصصها على ممولين كبار من الكويت والسعودية والإمارات ورجل أعمال سوري، خلاصة التجربة كانت أنها لم تغير من طريقة إدارة المجلة وإن انتعشت اقتصادياً وارتفعت مبيعاتها، إلا أن تعرض صاحبها للاغتيال أفضى بها الحال للانتقال إلى ملكية ملحم كرم وبدوره وبعد سنوات من عمر المجلة توقفت عن الصدور بسبب خلافات بين الأبناء.

المسألة برمّتها تتعلق بالتمويل وليس بمستوى المهنة ولا بالتطور والتغيير الذي لحق بها.

وسواء كان الأمر يتعلق بالصحف اليومية والمجلات أو بالفضائيات التي تتوزع اليوم في كل زاوية من زوايا العالم العربي، من يدفع ومن يمول؟ هذا هو السؤال، صحيح أن الإعلان يبقى سيد الساحة في الكويت وما يشبهها على سبيل المثال، وإن ظهر المال السياسي الفائض عن الحاجة كأحد مصادر التمويل، لكنه بقي ضمن إطار «السيادة» بمعنى أن دورة المال تبقى بداخلها ولا تخرج منها، بعكس الوضع اللبناني الذي يعج بالمتموّلين من الخارج ولهذا كان الكلام المصاحب عن الاتجاه السياسي لأي وسيلة إعلامية مربوط بالمموّل ومن أي جهة أتى، هل هو تعبير عن مصالح دول أم أحزاب أم رجال مال وأعمال.

قبل أشهر سقطت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تحت وقع الديون فانقض عليها ملياردير روسي واشتراها بـ «باوند» واحد، بعد أن تكفل بسداد ديونها، وهي الصحيفة التي أنشئت بأموال ومساهمات صحافيين، تبع ذلك فضائح روبرت مردوخ ومملكته الإعلامية والخسائر الفادحة التي تكبدها.

الإعلام أصبح بحجم الإمبراطوريات، على مستوى الدول أو على مستوى أباطرة المال وفي معظم الحالات، هناك مصالح وأهداف سياسية، يبقى الجانب الأهم من الموضوع هو ما يتعلق بالساحة العربية.

صار من الصعب التعويل على الإعلان كمصدر دخل وحيد في لبنان، لذلك كانت المبادرات، بفتح باب المساهمات بالحصص من أطراف متعددة، كما حصل مع صحيفة «النهار»مثلاً أو أن تكون الصحيفة «حصرياً» مرهونة لتيار سياسي وتمويلها يتكفل به هذا الزعيم أو ذلك الذي يقيم علاقات خاصة مع إحدى الدول الخليجية أو غيرها ممن يجدون بيئة حاضنة ومناسبة «لعطاياهم».

ما يصح في الكويت قد لا يصح في البحرين أو الإمارات، لكن نتحدث عن صحافة القطاع الخاص التي باتت تحت مرمى النيران الاقتصادية ففي بلدان المغرب العربي كما هو الحال في لبنان أو الأردن على سبيل المثال، يظل سوق الصحافة والميديا بشكل عام رهن الإعلان أو بأصحاب المال والمصالح وهؤلاء يوظفون الصحيفة لمصالحهم وهذا حق مشروع وليس فيه شيء من المحرمات، فالصرف على هكذا مشاريع غالباً ما يأتي بمردودات لها صلة بمصالح وشركات المالكين، ونادراً ما كانت الصحفية، ورقية أم إلكترونية تشكل مصدر ربح إلا في الحالات القليلة جداً، المهم ألا تأتي بخسائر متتالية، من هنا كان البحث عند أصحابها، عن مصادر وأساليب جديدة مبتكرة لتحسين الوضع المالي وضمان الاستمرارية، وهذا قد يتم بأشكال مختلفة، تعثر عليها في الكثير من العواصم العربية، مجموعة رجال أعمال تربطهم مصالح مشتركة يقتحمون عالم الميديا، يمتلكون وسيلة إعلامية يطلون منها على الرأي العام وعلى أصحاب القرار والسلطة وبما يتناسب مع مشاريعهم وحصولهم على حصص من الثروة والنفوذ وغير ذلك من المنافع.

الأسواق المفتوحة ساهمت برفع مستوى المنافسات في شارع الصحافة والميديا، من حيث نوعية الخدمات ومستواها وجلب أكبر عدد من المعلنين والقراء وهذا ما يترتب عليه زيادة في الأعباء المالية وهو ما يعني أن البقاء سيكون للأقوى اقتصادياً والأقدر على دعم هذه الصحيفة أو تلك الفضائية طالما هي تخدم المصالح وتحقق الغرض.

صحافة تموت وأخرى تتجدد وهذا ما يمكن رصده خلال السنوات العشرين الأخيرة على ضوء ثورة الإنترنت والاتصالات وغالباً ما تحتاج إلى التفتيش عن المال وإن خرجت حالات عن هذا السياق فالأمر يذهب إلى أهل بيت هذه المطبوعة أو تلك الدار كما حصل مع ورثة نقيب المحررين اللبنانيين ملحم كرم بعد وفاته وتوقف المطبوعات التي كان يملكها ويشرف عليها ويؤمن لها المداخيل بأسلوبه الخاص وعلاقاته الخاصة.

مسار التغيير الذي أحدثته ثورة الاتصالات تدفع بعض الصحف والمجلات إما للتوقف أو اتخاذ قرار إستراتيجي بالتحول إلكترونياً لتخفيض التكاليف المالية أولاً والتوجه إلى نوعية جديدة من القراء أوجدها «الآي باد» والإنترنت و «الآي فون»

إقرأ أيضا لـ "حمزة عليان "

العدد 3319 - السبت 08 أكتوبر 2011م الموافق 10 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً