العدد 3319 - السبت 08 أكتوبر 2011م الموافق 10 ذي القعدة 1432هـ

هل هكذا هو مستوى العاملين على التحقيق؟

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

التحقيق الذي يجريه صاحب العمل مع العمال أو الموظفين، سواء كان ذلك وفقاً لأحكام قانون العمل في القطاع الأهلي، أو وفقاً لأحكام قانون الخدمة المدنية، هو إحدى وسائل النظام التأديبي الإداري الذي يتصل بسلطة صاحب العمل التأديبية، ويُعدّ أكبر وأخطر إجراء إداري يفوق السلطة الإدارية والتنظيمية والرقابية لدى صاحب العمل لكونه يتصل بسلطة التأديب ويترتب عليه سلب لحقوق العمال وسحب امتيازاتهم وقطع أرزاقهم. وقد وصفه البعض بـ «عين الحقيقة ودليل العدالة» لأن الحقيقة تنبلج منه، والعدالة تستقي منه.

وبهذه الصفة يفترض أن تكون هوية القائمين أو العاملين على التحقيق، وبالأخص المحققين، هي ذات منزلة ومقدار مهمة التحقيق وخطورته إنْ لم تفوق ذلك... وعندما نقول بـ «الهوية» لا نقصد بها الهوية الشخصية (أو السيرة الذاتية) بمفهومها العام، إنما نقصد بها «القدرة الذاتية» لدى المحقق من جهة، «والمركز الوظيفي المتميز» لشخص المحقق من جهة أخرى.

فمعيار «القدرة الذاتية» لدى المحقق يقوم على ميزتين على الأقل هما: المعرفة العلمية للقواعد القانونية الأساسية المحيطة بالواقعة محل التحقيق، والخبرة الواسعة (أو معاصرة الواقع) في مجال الواقعة محل التحقيق أيضاً.

وأما معيار «المركز الوظيفي المتميز» فيقوم على وجوب أن يكون المحقق على درجة لا تقل مهنياً عن درجة الموظف المحال إلى التحقيق. وهذا ما أكدت عليه المادة رقم (217) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية حيث جاء فيها «تشكل لجنة التحقيق من رئيس لا تقل درجته عن مدير وعضوين من ذوي الخبرة لا تقل درجتهم عن درجة الموظف المُحال إلى التحقيق».

فإذا كانت تلك المعايير من المُفترض أن يقوم عليها نظام التحقيق، كما يُفترض أن تتصل بشخصية المحققين، فدعونا ننظر ونتأمل هل أن ما هو مُفترضٌ في هذا الجانب هو واقعٌ ومطبقٌ حقاً أم لا؟

فقد اتصل بنا أحد الموظفين ممن استدعوا للتحقيق وبيده ورقة الاستدعاء جاء فيها الآتي: إنك متهم بـ:

(1) الاستجابة إلى العصيان المدني، (2)الغياب عن العمل، (3) والإضراب عن العمل... وإنك لذلك مطلوب للحضور أمام لجنة التحقيق للتحقيق معك فيما نُسب إليك.

فمن خلال ما جاء في ورقة الاستدعاء تلك من اتهامات يدل على أن من أوصى بإحالة ذاك الموظف إلى التحقيق، أو من أمر بإصدار هذا الاستدعاء، أو من وقع عليه لا يملك المعرفة العلمية والخبرة المهنية، ويفتقر للأسف الشديد إلى المعايير السابقة، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: في شأن اتهام الموظف سابق الذكر من أنه استجاب إلى العصيان المدني: فهذا الاتهام أقل ما يُقال عنه أنه «سذاجة»، إنْ لم نَقُل أنه «أكذوبة ساذجة» لأننا لم نسمع قط أن حدث في مملكة البحرين «عصيان مدني»، ولم تُعلن الدولة رسمياً عن ذلك، بل لم نسمع أن حدث طيلة القرن الماضي عصيان مدني في الوطن العربي، عدا العصيان المدني الحاصل في فرنسا منذ قرنٍ تقريباً إبان الثورة الصناعية الثانية.

ونعتقد أن الذي أوصى بإصدار الاستدعاء سابق الذكر ووقعه وأمر بالتحقيق غير قادر على أن يُفرِّق بين «العصيان» بمفهومه العام وهو «عدم الامتثال للأوامر» وبين «العصيان المدني» الذي يتخذ طابعاً سياسياً يتمثل في التمرّد والمعاندة، وعدم الانقياد إلى القانون، والامتناع عن دفع المُستحق للدولة، والإعراض عن شراء السلع، والإتيان بما يُخالف السِّلْم والمُسالمة، والدعوة إلى السَّخَطِ وجِهاد الوالي، وسد المنافذ والأنفاق وقطع الطرق وشل أوتار الحياة التجارية والصناعية، وغير ذلك. وهو فعلٌ يتميز بغلبة الغيظ، وثورة الغضب، والميل إلى الانتقام، وانغلاق أفق السلم، ورفض الحوار لحظة العصيان.

بيد أن كلٍ من هذا وذاك لم يحدث في مملكة البحرين ولله الحمد حتى بأدنى صِوَره، ونتمنى ألا يحدث ذلك، وألا يدعو إليه داعٍ ولا يُلمِّح به مفتين. لأن لهذا السلوك تداعيات خطيرة لا تُحمد عقباها قد تصيب العاصي وغيره، وهو فعلٌ وسلوكٌ غير صالح البتة في دولةٍ عِمادُ اقتصادها وحياة أبنائها قائم على الهدوء والاستقرار كمملكة البحرين.

وحيث تحقق لنا أن «العصيان المدني» غير وارد ولم يحدث مطلقاً عندنا، فكيف يُعقل أن يوجَّه اتهام إلى شخص بمشاركته في جريمة لم تحدث؟ أليس هذا الاتهام إذاً غريب بحق، وينمّ عن جهل بالقانون وخواء في المعرفة؟!

علماً أن قانون العقوبات البحريني كان صريحاً وواضحاً في هذا الجانب حيث نص في المادة رقم (24) بعدم مساءلة شخص عن جريمة ما لم يرتكبها فعلاً وواقعاً.

وحتى إن افترضنا جدلاً أن هذا الموظف المُحال إلى التحقيق أو غيره قد شارك في عصيانٍ مدنيٍ كان قائماً بحق، وأن هذا العصيان يُعدّ جريمةً، فإن مساءلة هذا «العاصي» هي في موضع المساءلة الجنائية لا في موضع المساءلة التأديبية، وبالتالي فإن التحقيق معه في هذه الجريمة يجب أن يكون بمنأى عن سلطة صاحب العمل التأديبية.

فإذا كان الأمر كذلك، أليس من العيب بل من الإجحاف، أن يُساق هذا الموظف أو غيره إلى التحقيق الإداري، أو أن يُعاقب بجريمة لا أصل ولا محلّ لها. بل أليس من الظلم أن نُسلِّم مصائر العمال وأرزاقهم بيد من لا يملك الخبرة ويجهل أحكام القانون ويفتقر إلى أبسط المعارف القانونية والإدارية؟

ثانياً: في شأن اتهام الموظف سابق الذكر بغيابه عن العمل، وبإضرابه عن العمل: ففي هذا الشأن نعود مرة أخرى ونؤكد على أن من اتهم هذا الموظف بغيابه وبإضرابه عن العمل وأوصى بالتحقيق معه في شأن ذلك هو بحق يفتقر إلى المعرفة، لأنه بالتأكيد يجهل الفرق بين «الغياب عن العمل» وبين «الإضراب»، باعتبار أن لكل منهما مفهوم يختلف عن الآخر وإنْ اجتمعا معاً في معنى واحد هو «الانقطاع أو التوقف عن العمل».

فعندما يتخلَّف العامل عن الحضور إلى العمل دون إذن مسبق يُقال عنه «غائباً»، والغائب دائماً حجته معه. ولذا يستوجب التحقيق معه لمعرفة أسباب غيابه وفقاً للإجراءات التي رسمها القانون.

وحتى إنْ حصل هذا الغياب في مثل هذه الصورة بشكل جماعي فهو رغم ذلك يسمى «غياباً» وليس «إضراباً».

أما الإضراب فهو أمر آخر، وفيه يحضِر العامل (أو العمال) إلى المنشأة التي يعملون فيها لكنهم يعلنون إضرابهم عن مزاولة العمل ويبقون في مكان العمل دون شغل ما لم تتحقق لهم مطالب عمالية ذات اتصال بمصالحهم الاقتصادية أو الاجتماعية (دون المطالب السياسية)، حتى وإنْ غادر بعضهم أو جميعهم مكان العمل فهم يعتبرون بحكم المضربين عن العمل ولا يعتبرون غائبين عن العمل.

ولهذا وذاك عقابٌ وأحكامٌ وشروطٌ تختلف عن الآخر.

فإذا كان الأمر كذلك، نسأل ذاك المحقق أو من أوصى وأمر بالتحقيق، هل أن هذا الموظف المُحال إلى التحقيق كان غائباً عن العمل، أم أنه كان مضرباً عن العمل؟

وكيف يُعقل أن نُعطي انقطاعه عن العمل صفة «الغياب» وصفة «الإضراب» في آنٍ واحد؟ إلاّ إذا افترضنا جدلاً أنه غابَ عن العمل لأيام محددة ثم حضر وأضرب عن العمل في أيام أخرى.

فإن كان غائباً ومُضرباً افتراضاً كان يلزم أن تتضمن ورقة استدعائها للتحقيق تحديد أيام غيابه وأيام إضرابه تحديداً دقيقاً وعلى وجه من الوضوح وإلاّ يعتبر هذا الاستدعاء باطلاً ولا قيمة له، وذلك استناداً لأحكام الفقرة الأولى من المادة رقم (221) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية حيث تنص بوجوب «إخطار الموظف كتابة خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ إحالته للتحقيق للمثول أمام اللجنة في المخالفة أو المخالفات المنسوبة إليه، وبوجوب أن يتضمن الإخطار بياناً موجزاً بالوقائع التي تشكل المخالفة أو المخالفات وتاريخ وقوعها».

وعليه، وبعد كل ما تقدم، ومنعاً للإطالة، ليس لنا من كلام نضيفه سوى أن نسأل: «هل هكذا هو مستوى العاملين على التحقيق عندنا في البحرين؟

فإن كانت الإجابة بنعم، نقول «لا حول ولا قوة إلاّ بالله، هو حسبنا ونعم الوكيل»

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 3319 - السبت 08 أكتوبر 2011م الموافق 10 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 6:00 ص

      شكرا من كل قلبي

      أنا مفصولة، ولجنة التحقيق فصلتني ليس لغياب، فلا غياب لدي
      فصلتني فقط لأني أنتمي عرقيًا لطائفة البحارنة
      والمحققون كلهم من طائفة واحدة
      للأسف هكذا أصبحت حال وزارة "التربية" بل الأنسب لها وزارة تعميق الطائفية
      أرجو أن يوضع تعليقي
      لأنني محرومة من راتبي أكثر من أربعة شهور
      ولم أقدم لوطني والتربية إلا كل ما يشرف المواطن

    • زائر 11 | 5:19 ص

      منطق قانوني سليم

      نعم استاذنا الفاضل منطق قانوني سليم وهناك من يعرف هذا المنطنق من المحققين انفسهم ولكن لان المسألة بعيده جدا عن التحقيق الاداري مع العامل وكان هناك سباق مع الزمن لتخلص من اكبر عدد ممكن من العاملين بل كان هناك تشفي وافراغ ما في الصدور كان الذي كان .. واذيف ايضا استاذي الفاضل في فترة الانقطاع عن العمل كانوا دائما يصرحون يجب ابعاد السياسه عن العمل نعم منطق سليم ولكن لماذا لم يطبق في التحقيق فهل الذهاب لدوار له علاقة في العمل ، وهل تقليد المراجع الدينيه له علاقة بالعمل ... الي اخره

    • زائر 10 | 4:49 ص

      رجت الدوار هي اقشة التي قصمت ضهر البعير

      السؤال المشترك لكل المفصولين ( هل ذهبت الدوار ) والإجابة بنعم تؤدي الى الفصل او التوقيف .انا من ضمن اللجنة الرباعية 2 قالوا لي قبلها لمعرفتي بهم انهم تواجدوا بالدوار وعاقبوني بهذه التهمة ( شى مضحك مبكي ) لم يسالوا عن اوقات العمل او خارجها بإختصار هذه اللجان يجمعها الحقد الدفين والرغبة في الإستفادة من الوضع وهذا ما حصل

    • زائر 9 | 4:40 ص

      موضوع مميز

      شكرا لكم على طرح الموضوع المميز

    • زائر 8 | 2:02 ص

      نعم نعم هذا هو مالمستوى

      لا حول ولا قوة الأبلله العلى العظيم هو حسبنا ونعم الوكيل

      وا فى غير هذا

    • زائر 7 | 2:01 ص

      وأدنى من ذلك!

      أشخاص مستواهم في العمل دون المستوى المطلوب تعاونوا مع هؤلاء المحققين الذين تم تعيينهم من قبل مسئولين حاقدين حتى على أنفسهم فكانت النتيجة استبعاد المتميزين عن أعمالهم وخسارة القطاعين الخاص والعام لهم ليخسر الوطن.

      أبشرك كما بشرت أخي أحمد الصفار بأن كرة الأرض تدور فظلام ثم نور.

    • زائر 6 | 1:55 ص

      شكرا

      شكرا على الطرح
      لقد صدقت:وعليه، وبعد كل ما تقدم، ومنعاً للإطالة، ليس لنا من كلام نضيفه سوى أن نسأل: «هل هكذا هو مستوى العاملين على التحقيق عندنا في البحرين؟

      فإن كانت الإجابة بنعم، نقول «لا حول ولا قوة إلاّ بالله، هو حسبنا ونعم الوكيل»

    • زائر 5 | 1:51 ص

      المحاسبة

      يجب محاسبة من وضع أعضاء التحقيق ومن ثم التاكد من القدرة الذاتية لأعضاء التحقيق وبعدها عن الفرز الطائفي البغيض!!!.

    • زائر 2 | 11:57 م

      موظف مفصول

      السؤال الوحيد الذي سالتني عنه لجنة التحقيق المكونة من شباب صغار في السن وهم أصغر من أولادي : هل ذهبت للدوار؟ وتم فصلي بعد

اقرأ ايضاً