العدد 3322 - الثلثاء 11 أكتوبر 2011م الموافق 13 ذي القعدة 1432هـ

رياح التغيير والموانع الثلاثة

ناصر البردستاني comments [at] alwasatnews.com

حديثا تناقلت وكالات الأنباء العالمية والصحف الاقتصادية خبراً مفاده عزم الشركة الأميركية (إيستمان كوداك)العملاقة في إنتاج وتسويق أجهزة التصوير الإعلان عن إفلاسها في الفترة القادمة، والذي كان له وقع سلبي على سعر أسهم الشركة في بورصة نيويورك للأوراق المالية، حيث أقفل في تداولات الأسبوع الماضي على 1.39 دولار أميركي للسهم الواحد (524 فلساً بحرينياً)، وقد سارعت الشركة فوراً لنفي الخبر لوقف النزيف المتواصل على سعر أسهمها في وول ستريت، حيث خسرت الشركة نحو 97 في المئة من قيمتها السوقية في الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الاول 2007 وسبتمبر/أيلول2011م، لتصل إلى 374 مليون دولار أميركي فقط (141 مليون دينار بحريني)بعد أن كانت نحو 8 مليار دولار أميركي (3 مليار و 16 مليون دينار بحريني).

وتزامناً مع ذلك أعلنت الشركة الفنلندية نوكيا لصناعة الهواتف النقالة عن تسريح نحو 3500 موظفاً، وإغلاق مصنعها في رومانيا بعد أن فقدت الشركة ما يقارب من 88 في المئة من قيمتها السوقية في الأربع سنوات الأخيرة 2007-2011م، فبعد ما كان سهم الشركة يتداول في البورصة بسعر قريب من 29 يورو (14 دينار و 645 فلساً بحرينياً )وصل السعر إلى فوق 4 يورو بقليل للسهم الواحد (ديناران و 20 فلساً بحرينياً)حسب أسعار الإقفال في الأسبوع الماضي.

كلتا الشركتان تشتركان في جزئية مهمة جديرة بالدراسة والتحليل، حيث بدأ تراجعهما من مواقع الريادة الذي كانتا تتمتعان به وفقدان نصيبهما من السوق في العام 2007، لذا فإنهما تعدان نموذجين بارزين في الإخفاق باللحاق بالموجة التي اكتسحت سوق الاتصالات والتقنيات الحديثة آنذاك، حيث واجهت شركة إيستمان كوداك صعوبات كبيرة منذ انتشار التصوير الرقمي وبدأت تتراجع وتخسر مواقعها للشركات المنافسة، في حين أن شركة نوكيا فقدت الكثير من نصيبها في سوق الهواتف النقالة بعد ظهور الهواتف الذكية، والتي تتحكم فيه بشكل كبير شركتا ريسيرج إن موشين وأبل عبر هواتفهما البلاكبيري والآيفون.

يرجع سر تراجع إيستمان كوداك ونوكيا من مواقعهما المتقدمة كما يبدو وبكل بساطة إلى إخفاقهما أو جهلهما قراءة الواقع بشكل صحيح لاستكشاف المستقبل، وبالتالي تغيير أدائهما حسب المعطيات الجديدة في السوق أو في جملة واحدة فشلهما في التعاطي مع عنصر (التغيير)في المعادلة التجارية، نعم فإن التغيير كلمة بسيطة لكنها ذات معان وتداعيات شتى، إنها السيمفونية التي إن أتقنتها الشركة كان نصيبها النجاح والازدهار، وإن فشلت فيها كان مآلها التراجع والخسران.

يعتقد علماء الإدارة بأن التغيير هو الشيء الثابت الوحيد في الحياة، بينما كل الأمور الأخرى متغيرة، لذا بات من الضرورة على الساعين نحو النجاح دراسة هذا العنصر المهم والذي يشكل في عصرنا علماً قائماً بذاته يدرس في أرقى الجامعات والمعاهد، وقد توصل العلماء إلى أن التغيير يواجهه عدداً من المنعطفات والعوائق التي لا بد للشركة أن تجتازها لتضمن استمراريتها في السوق.

وبما أننا نعيش حالياً في فترة من الاضطرابات الجذرية بالمنطقة العربية بعد هبوب رياح التغيير التي بدأت من تونس وتوجهت باتجاه الشرق فيما بات يعرف في العالم بالربيع العربي أرى من الضرورة أن نسلط قليلاً من الضوء على عنصر (التغيير)لأن الموانع التي قد تقف أمام التغيير في عالم الاقتصاد تبدو متشابهة لما هو موجود في عالم السياسة ، وكما أن الشركات تهوى بعد سنوات مريرة من النجاح والنمو فإن الحكومات ليست بعيدة عن نفس المصير .

يأتي الجهل في مقدمة عوائق التغيير، وهنا أستحضر محاضرة سمعتها قبل نحو 18 عاماً ألقاها أحد كبار الرموز الوطنية، حيث ذكر بأن عدداً كبيراً من الأفارقة الأميركيين (الزنوج)رفضوا قانون تحرير العبيد الذي أصدره الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن على رغم واقعهم المزري الذي كانوا يعيشون فيه، وأن بعضهم رجع إلى سادته من البيض يتوسل إليهم استعباده من جديد بعد أن أصبحت تجارة الرقيق والنخاسة جرماً يحاسب عليه القانون، لا لشيء سوى الجهل الذي فرضه البيض عليهم عبر حرمانهم من فرص التعليم.

أما الخوف فهو عائق سعى الكثير من الجبابرة لفرضه على الرعية على مر التاريخ لضمان انصياعهم وعدم خروجهم عن طاعتهم، حتى نشأت أجيال تلو الأجيال، وهي تخشى التقرب من شيء تشم منه رائحة السياسة، وقد تفنن الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش ومعه فريقه من المحافظين الجدد في اللعب على هذا العائق، أي التهديد الخارجي أو ما نسميه في العالم العربي بنظرية المؤامرة عبر التضخيم في وسائل الإعلام من حجم التهديدات التي كانت تأتي من تنظيم «القاعدة» بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول2001 ليعيش الأميركان في رعب دائم يضمن به ولائهم حتى نجح في تمديد ولايته لفترة أخرى على رغم الإخفاقات والانتكاسات التي مر بها الاقتصاد الأميركي في عهده.

العائق الثالث أمام التغيير هو المصلحة فعادة ما يقف رجال الأعمال مع الوضع القائم حفاظاً على مصالحهم خاصة إن كان التغيير يؤثر سلباً عليها، لذا فأصحاب رؤوس الأموال في العادة يلعبون دوراً عائقاً أمام أي تغيير في المعادلة السياسية، ولعل من المصاديق التي تؤيد هذا الأمر هو الدور الذي تلعبه كبريات الشركات الأميركية في فترة الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأميركية، وقيمة تبرعاتهم السخية في دعم الحملات الانتخابية للحزب الجمهوري أو الديمقراطي بناء على مدى تطابق البرنامج السياسي والإقتصادي للرئيس القادم مع مصالحهم، وبناء عليه فقد حصلت الشركات التي دعمت الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش في حملته الانتخابية على نصيب الأسد من الصفقات التجارية والمناقصات بالعراق وأفغانستان بعد التحرير وبمبالغ خيالية كجزء من رد الجميل والمكافأة وأمور أخرى.

لذا فقد كان اختيار الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما موفقاً جداً في رفع شعار (التغيير)أثناء حملته الانتخابية في العام 2008م وقد أكسبه ذلك ملايين الأصوات من الناخبين الأميركيين وفتح له الطريق إلى البيت الأبيض كأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة .

كلما نظرت حولي وجدت أن أعداء التغيير هم لا يتغيرون (الجهل والخوف والمصلحة)، ولا أدري ما السر في أن تكون العقبات التي ترمز للشيطان في مناسك الحج ثلاثاً أيضاً؟، ربما كان على سيدنا إبراهيم (ع)أن يرمي تلك العقبات الثلاث ليتحرر أيضاً.

يقول أحد الأدباء «في البداية استهدفنا الظلم، ولكن لم تخرج سهامنا من قوس المعرفة، حبذا لو كنا قد استهدفنا الجهل من البداية»

إقرأ أيضا لـ "ناصر البردستاني"

العدد 3322 - الثلثاء 11 أكتوبر 2011م الموافق 13 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:02 م

      المحرمات الثلاث

      تقصد المحرمات الثلاث كما وصفها الاديب الراحل هاني الراهب

    • زائر 5 | 8:15 ص

      المثلث الخطر

      أحد الاضلاع الثلاثة التي يحتمي بهم كل حاكم مستبد هو تكوين نواة للجهل للحيلولة دون معرفة حقوق ووجبات الحاكم والمحكوم-وخير مثال ذلك الافارقة الاميركين قانون تحرير العبيد الذي أصدره الرئيس الاميركي أنذاك إبراهام لينكولن!!!!.

اقرأ ايضاً