العدد 3332 - الجمعة 21 أكتوبر 2011م الموافق 23 ذي القعدة 1432هـ

«الاقتصاد الأخضر» وتحدياته في التنمية المستدامة

ريما خلف comments [at] alwasatnews.com

وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للاسكوا

الاجتماع التحضيري الاقليمي العربي لمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو + 20) المنعقد في 16 أكتوبر / تشرين الأول 2011 (في القاهرة) هو محطةٌ مفصلية تتيح للمجتمع الدولي ولبلدان المنطقة تحديدَ مسار التنمية المستدامة ومتطلباتِها خلال العقد المقبل.

انعقد هذا الإجتماع في ظل ظروف عالمية وإقليمية دقيقة، إذ تلوحُ في الأفق نذرُ أزمةٍ ماليةٍ عالمية جديدة. أزمةٌ تعيد إلى الأذهان الأزمات العالمية التي باتت تتكرر بوتيرة متسارعة، وتتنوّع بين أزماتِ الطاقة والأمن الغذائي وكوارثَ طبيعية تتحول إلى أزمات اقتصادية اجتماعية ذات تداعيات سياسية واسعة النطاق.

غير أن نتيجةَ هذه الأزمات واحدة، فهي تقوّض ما تبذله بلدانُنا من جهودٍ لتحقيق التنمية المستدامة ولمكافحة الفقر وتحسين مستويات معيشة المواطنين، وإفساح المجال أمامَ حياة أفضل.

والمؤسف أن أسلوب التصدي لهذه الأزمات يعكس الخلل القائم في موازيين القوى في العلاقات الدولية. فالأطر المؤسسية التي يتم اللجوء إليها في الأزمات تفتقر إلى الديمقراطية والشفافية. وتُبحث الحلول في غرفٍ مغلقة تقتصرُ على بعض القوى، ثم يُصارُ إلى إملائها على سائر المجتمع الدولي. وهذا النهج لم يعد مقبولاً ولا يمكن الاستمرارُ في اتبّاعه بعد أن أثبت إخفاقه في معالجة الكثير من التحديات العالمية.

ويُعقد اجتماعُنا أيضاً في وقت تشهد فيه منطقتُنا تحوّلاتٍ جذرية لم تتضح بعد معالمُها ولا أبعادُها. غير أن المؤكد أن هذه التحولات رفعت مستوى الطموحات العربية وعزّزت الآمال في تحقيق التطلعات المشروعة التي تصبو إليها شعوبُ المنطقة منذ زمن، من حريةٍ وكرامة وعيشٍ كريم.

وهذا يدفعنا جميعاً إلى إعادة النظر في استراتجياتنا لتحقيق التنمية المستدامة، وإلى إجراء مراجعة للأسس الفكرية التي قام عليها النموذج الاقتصادي الذي اعتُبر طويلاً الحلَّ الأمثل للخروج من دوامة الفقر.

ولعل الحوادثَ الأخيرة التي عصفت بالمنطقة أثبتت عدمَ صحةِ هذا النموذج. فمعدلات النمو الاقتصادي المرتفعة التي شهدتها المنطقة العربية في الأعوام الماضية، لم تؤدِ إلى خلقِ فرصِ عمل كافية، ولا إلى توزيعٍ أكثرَ عدالة للدخل، ولا إلى تحسّنٍ في المعايير البيئية.

واليوم، لم يعد بالإمكان تجاهل أي ركيزة من ركائز التنمية المستدامة على حساب الأخرى. فقد آن الأوان لتحقيق التوازن المطلوب بين الركائز الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

لقد مثّلت أجندة 21 الصادرة عن قمة ريو في العام 1992 نقلةً نوعيةً حقيقية في فكر المجتمع الدولي بشأن ركائزِ التنمية وعنصرِ الاستدامة فيها. وبعد مرور عقدين على اعتماد هذه الوثيقة المهمة لابد لنا من أن نتساءلَ حول ما نُفّذ لصالح بلداننا من التزامات تعهد بها «شركاء التنمية» وخصوصاً مبدأ المسئولية المشتركة لكن المتباينة. لابد لنا من إجراء تقييمٍ موضوعي صادق لمدى استفادة المنطقة من تطبيق هذه الوثيقة الدولية، قبل أن نجدَ أنفسَنا أمام التزامات جديدة تُفرض علينا من غير أن تكون لنا يدٌ في إقرارِها وفي التأثير عليها. وكأننا ننتقل من محطة إلى أخرى من دون أن نعلم إلى أين نحن متجهون. إن التحديات التي تواجه منطقتَنا كبيرة ومتشابكة، وسيكون لِزاماً علينا جميعاً التصدي لهذه التحديات بإجراءات سريعة وحاسمة. وعلى رأس هذه التحديات إدارة مواردِنا الطبيعية بطريقة تضمنُ الاستدامة لهذه الموارد وتضمنُ لنا ممارسة حقوقِنا في ملكيّتها. علينا أن نُوقِفَ التدهور البيئي الذي تشهده منطقتُنا وأن نَحُدَّ من الضغوط المتزايدة والمتفاقمة على الموارد الطبيعية، وخاصة المائية منها، من جراء أنماط الإنتاج والاستهلاك المتبعة. علينا أن ننظرَ في أفضل السبل للتخفيف من آثار تغيّر المناخ الضارة بالموارد المائية الشحيحة في المنطقة، وما لهذا كله من آثار سلبية على ارتفاع معدلات التصحّر، وتدهور الأراضي الزراعية، وانخفاض معدلات الأمطار وإنتاجية المحاصيل الزراعية وتوفير المواد الغذائية. علينا أن نضمن للأجيال المقبلة موارد ومصادر يصنعون منها حياةً أفضل لهم ولأطفالهم.

هذه التحديات هي تحدياتٌ لا تقتصر على بلد دون الآخر. من هنا ضرورةُ العمل الجماعي والتعاون الإقليمي لوضع استراتيجيات واضحة وخططِ عملٍ قابلة للتنفيذ. فهذا التعاون لم يعد خياراً استراتيجياً بل أصبح ضرورة لتحديد المصير والبقاء.

سيكون محور الإطار المؤسسي للتنمية المستدامة من المحاور الرئيسية لمؤتمر ريو المقبل. ونجاحُنا في المشاركة في وضع إطار مؤسسي يجمع بين الركائز الثلاث للتنمية المستدامة هو رهنٌ بقدرتنا على تفعيل التعاون الإقليمي. فنحن كمنظمة إقليمية نعمل على توفير المنبر الحيادي الحر لمناقشة القضايا الملحة في التنمية المستدامة، وتوفير المنتدى الموضوعي لبناء التوافق والتعبير بمواقف موحدة عن شواغل بلدان المنطقة في المحافل الدولية. ولنتمكنَ من طرح بدائلَ واضحة لصانعي القرار، لا نستطيع العمل بمفردنا، ولكننا نستطيع أن نفعل الكثير بالتعاون مع شركائنا في التنمية في المنطقة، وخصوصاً جامعة الدول العربية، ومع منظمات المجتمع المدني.

من المحاور الرئيسية الأخرى ما يعرف اليوم «بالاقتصاد الأخضر» والذي بات توجهاً عالمياً. وأياً كان تعريف هذا المفهوم، فإن خيار التحوّلُ إليه هو يجب أن يرتبط بقدرة هذا الاقتصاد على خلق فرصِ عمل جديدة، وتخفيض البطالة، وتحقيق التوازن بين ركائز التنمية المستدامة الثلاث: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الاقتصادات العربية.

ويتعيّن علينا الاستفادة من هذا الاتجاه لخدمة مصالحِنا وأهدافِنا. فبقدر ما يحمله هذا المفهوم من فرص حقيقية، يحملُ أيضاً مجموعة من التحديات يتعيّنُ علينا مواجهتُها. فقد تستخدمه بعض الدول لإعاقة دخول صادراتنا إلى أسواقها، وعلينا أن نكون مستعدين لذلك والاتفاق على سبلِ مواجهةِ أية محاولة من هذا القبيل. وعلينا أيضاً أن نسعى إلى الحصول على ضمانات حقيقية من البلدان المتقدمة لنقل التكنولوجيا اللازمة لهذا التحوّل، والحصول على التمويل المناسب لتيسير هذه العملية.

كل هذا يتطلب تجديدَ الالتزام السياسي العربي بالتنمية المستدامة وتهيئةَ الظروفِ المناسبة لتحقيقها. كما يتطلبُ تجديدَ الثقة في قدرتنا على بناء مستقبل أفضل لأولادنا وأحفادنا، ليتمتعوا بالهواء النظيف والمياه العذبة والطاقة الآمنة، ويجدوا فرصَ عملٍ لائقة تضمن لهم العيش بحرية وكرامة. وهذه مسئوليةٌ كبيرة تقع على عاتقنا تجاه الأجيال المقبلة. فاتخاذُ القرارات الصائبة الآن يضمنُ لهم بيئةً سليمة فيها من الخيرات ما يسمح لهم في المضي بعملية التنمية وما يجنبنا اللومَ يوماً.

وفي الختام، لا يسعني إلا أن أتوجه بجزيل الشكر للأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، على دعمه المتواصل لنا وعلى استضافته هذا الاجتماع في مقر الجامعة، وإلى برنامج الأمم المتحدة للبيئة شريكنا الأساسي في التحضيرات الإقليمية لاجتماع ريو.

وإذ كان لابد لي من أمنية في الختام، فأتمنى أن يكون هذا الاجتماعُ فرصةً حقيقية للتوصل إلى موقفٍ موحد يصبُّ في المسودة الأولى لتقرير ريو +20. وستكون مداولاتكم أساساً لتمثيل منطقتِنا بصوتٍ واحد، وبموقفٍ يكون بمستوى ما تواجهه هذه المنطقة من تحديات، وما تستحقه الأجيالُ المقبلة من فرصٍ لعيش حياة أفضل. أتمنى أن نتفق على ما يمليه علينا واجبُنا في الوقوف وقفةَ نقدٍ موضوعي والمشاركة في اتخاذ القرار بدلاً من الاكتفاء في كل مرة بتحمّل مفاعيله

إقرأ أيضا لـ "ريما خلف"

العدد 3332 - الجمعة 21 أكتوبر 2011م الموافق 23 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً