العدد 3349 - الإثنين 07 نوفمبر 2011م الموافق 11 ذي الحجة 1432هـ

حوار التوافق الوطني... هل يحقق الوضع الأمثل لمملكة البحرين؟ (2)

حسن إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

.

إن الدوائر الأربعين تجعل من عضو مجلس النواب ممثلاً لدائرته أكثر مما هو ممثل للشعب، ولعل قراءة دقيقة لأعمال الفصلين التشريعين الماضيين تكشف عن كيف سعى معظم النواب للاهتمام بمشاكل دائرته بطلبات رصف الشوارع وإنشاء المدارس والمستشفيات وغيرها من الطلبات الخدمية الخاصة بدائرته، كل ذلك كان على حساب القضايا العامة والوسائل الرقابية والتشريعية.

فضلاً عن ذلك فإن الدوائر الأربعين تجعل من حق المرشح في الترشح، حقاً ضيقاً في نطاق دائرته وتكون حظوظه في الفوز شبه مستحيلة على رغم ما يمتاز به هذا المرشح من وطنية وأخلاق وكفاءة والشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة، وبالمثل يكون حق الناخب في اختيار مرشحه ضيقاً ومحدوداً، إذ لو افترضنا أن دوائر المحرق وعددها 8 دوائر، هي دائرة واحدة، فإن خيارات المرشح والناخب ستكون أوسع، وسيكون وجود من يمثلون هذه الدائرة في مجلس النواب أقرب وأصدق تعبيراً عن إرادة أهالي المحرق، كل الأهالي. تكون المنافسة مؤكدة بين المرشحين وينحسر الفوز بالتزكية ولن يحتاج المرشح لتغيير عنوانه ولا يحتاج الجهاز المركزي للإحصاء لقيود وشرائط لتغيير العنوان في نطاق الدائرة.

أمام هذا الوضع للنظام الانتخابي، تقدم المنبر الديمقراطي التقدمي لحوار التوافق الوطني، باقتراح مهم لتعديل هذا النظام خلاصته تعديل المادة السابعة عشرة من المرسوم بقانون رقم 14 لسنة2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية ومضمونه (تقسم مملكة البحرين في تطبيق أحكام هذا القانون إلى خمس دوائر انتخابية لعضوية مجلس النواب على ألا يتجاوز الفرق في عدد الناخبين بين دائرة وغيرها من الدوائر نسبة 15 في المئة. طبقاً للجدول المرافق لهذا التعديل. وتنتخب كل دائرة ثمانية أعضاء للمجلس، على أن يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته لثلاثة من المرشحين في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلاً التصويت لأكثر من هذا العدد).

وفند التقدمي في رؤيته لتعديل النظام الانتخابي تلك الأصوات التي كانت ترى أن (التقليص في عدد الدوائر لا يأتي في صالح المملكة والمواطنين، معتبرين أن هذا التقسيم المطروح سيؤدي إلى محاصصة طائفية، مؤكدين أن التقسيمات الحالية هي تقسيمات معمول بها عالمياً، والتي لا يقوم على أساسها احتساب أعداد السكان في تلك المناطق)، ذلك أن هذه الأصوات تتجاهل كما أوضحنا أن عيوب الدوائر الأربعين تكشف بوضوح كالشمس الضاحية مدى المحاصصة الطائفية فيها، بل تكشف أن لا مثيل لهذه التقسيمات في النظم الانتخابية المعمول بها في العالم؟ إنها باختصار أصوات لا تصوت بلسان فصيح ولا ترى بعين فاحصة أن عضو البرلمان على عكس عضو المجلس البلدي يتعين أن يمثل البحرين كلها لا أن يمثل دائرته الضيقة.

وبهذا المعني فإن ما توصل إليه حوار التوافق الوطني من توافق على (إعادة النظر في الدوائر الانتخابية لتكون أكثر عدالة). على رغم إيجابيته النسبية المتمثلة في إعادة النظر فإنه يتجاهل أن الدوائر الأربعين لا عدالة فيها لا من حيث العدد ولا من حيث الكثافة السكانية حتى تكون أكثر عدالة، وأنه حتى تكون الانتخابات النيابية في مملكة البحرين نزيهة لابد من إعادة النظر في النظام الانتخابي برمته بحيث يتساوى جميع الناخبين في المشاركة في العملية الانتخابية، وأن يكون لكل مواطن التأثير نفسه في العملية الانتخابية وهذا يتطلب تقليص الدوائر الانتخابية وتوزيعها على أساس عدد السكان بشكل عادل، بما يعكس إرادة الناخبين بأكبر قدر ممكن من الدقة القريبة من الواقع، ومن دون ذلك تصبح الرؤية التي توافق عليها حوار التوافق بأن تنال الحكومة ثقة البرلمان لا قيمة لها. ويصبح المبدأ الوارد في مبادرة ولي العهد بوجود (دوائر انتخابية عادلة) لا وجود له في حوار التوافق الوطني.

تشريع أكثر فعالية

تعد الاختصاصات التي نص عليها دستور 2002 لمجلسي الشورى والنواب من أبرز مظاهر الأزمة السياسية في البحرين إن لم تكن هي أساس الأزمة، إذ ظلت القوى السياسية المعارضة طوال عشر سنوات من عمر المشروع الإصلاحي تطالب بإعادة النظر في هذه الاختصاصات على نحو يجعل من المجلس المنتحب وحده المختص بالعملية التشريعية من دون مجلس الشورى ومرجعيتها في ذلك ما نص عليه ميثاق العمل في استشرافات المستقبل بوضوح وصراحة لا محل فيه للتأويل أو التفسير على أن مهمة مجلس الشورى هي إبداء المشورة والرأي.

وفي هذا الإطار فإن توصل إليه حوار التوافق في المحور السياسي المتعلق بموضوع صلاحيات مجلسين الشورى والنواب من توافق على تطوير آلية تضمن الإسراع في إصدار التشريع، ونقل رئاسة المجلس الوطني لرئيس مجلس النواب، الحفاظ على نظام المجلسين. وضع معايير لاختيار أعضاء مجلس الشورى. وعدم ازدواجية جنسية النائب ومرور (5) سنوات على حصوله على الجنسية، وزيادة الصلاحيات التشريعية والرقابية لمجلس النواب. وصلاحية طرح المواضيع العامة في الجلسة، وإلزام الوزراء بحضور جلسات مجلس النواب لمناقشة مواضيع وزاراتهم. وعقد الاستجوابات في جلسة مجلس النواب وليس اللجان، على رغم إيجابيتها فإنها لا تؤدي إلى الخروج من الأزمة السياسية ولا تجعل من التمثيل التشريعي فعالاً، إذ لا ضير من المحافظة على نظام المجلسين تماماً كما نص عليه ميثاق العمل الوطني، لكن الضير هو عدم المحافظة على اختصاصاتهما التي نص عليها هذا الميثاق في أن التشريع هو من اختصاص المجلس المنتخب، فلم نجد فيما توافق عليه حوار التوافق فيما يتعلق بالتشريع سوى مرئيتين، تتصف بالعمومية هما تطوير آلية تضمن الإسراع في إصدار التشريع، وهي مرئية شكلية، وزيادة الصلاحيات التشريعية لمجلس النواب وهي عامة غير محددة، وباقي التوافقات تتعلق في معظمها بالصلاحيات الرقابية، وحسناً ما تم توافق عليه بشأنها إذ تحقق ما كنا قد طالبنا به مراراً وتكرار في أكثر من مناسبة بجعل الاستجوابات داخل المجلس، وبضرورة إلزام الوزراء بحضور جلسات المجلس، غير أن جوهر المشكلة هنا ليست في وسائل الرقابة التي يختص بها مجلس النواب، فهذه الوسائل بنص الدستور واللائحة الداخلية يختص بها مجلس النواب وحده فيما عدا وسيلة رقابية واحدة يشترك فيها مع مجلس الشورى مع مجلس النواب وهي السؤال، ولا ضير هناك في هذه الشراكة، غير أن مكمن المشكلة هو مشاركة مجلس الشورى لمجلس النواب بالمستوى ذاته في اقتراح القوانين وتعديل الدستور ومناقشتها وإقرارها خلافاً لما نص عليه الميثاق.

ولا ينال من رأينا هذا ذلك الرأي الذي ساد في حوار التوافق الوطني بأن (استمرار وجود الشورى صمام أمان في العملية التشريعية في مملكة البحرين، وأن استمراره يخلق توازناً بين عمل المجلس المنتخب والسلطة التنفيذية)، فهذا الرأي يتجاهل أن الأمان الذي ينشده، والتوازن الذي يقصده في العملية التشريعية هو في الأساس موجود في النظام البرلماني بنصوص في الدستور، فالتشريع ليس حقاً مطلقاً للمجلس المنتخب بل يشاركه فيه جلالة الملك، فالملك هو المختص بالتصديق على القوانين وإصدارها طبقاً لنص المادة 35 البند (أ)من الدستور، ووضعت المادة المذكورة في البند (ب) مدة زمنية للتصديق وإصدار القوانين هي 6 أشهر من تاريخ رفع المشروع بقانون على الملك، وللملك إما يصدق على القانون ويصدره خلال المدة المذكورة، وإما أن يرده في خلال المدة المذكورة، ويحتاج لإقراره أغلبية ثلثي الأعضاء ويصدق عليه الملك ويصدره في خلال شهر من إقراره للمرة الثانية. وهذا يعني أن السلطة التنفيذية حاضرة هنا ودورها مؤثر في العملية التشريعية من دون حاجة لإعطاء مجلس الشورى اختصاص تشريعي لتحقيق ما يطالب به أصحاب رأي الأمان والتوازن. وهذا يتطلب إلغاء ما نصت عليه المادة المشار إليها من أحكام متعلقة بمجلس الشورى.

وخلاصة القول إن التشريع لن يكون فعالاً وأن مملكة البحرين لن تخرج من أزمتها السياسية من دون معالجة اختصاص مجلس الشورى في التشريع، وأن ما تم التوافق عليه في حوار التوافق الوطني على تطوير آلية تضمن الإسراع في إصدار التشريع، لن يحل المشكلة إذ سيظل التشريع يأخذ دورته الطويلة حين يحال لمجلس الشورى. وحين يحال للحكومة لوضعه في صيغة مشروع قانون. ولا يصل هذا التوافق إلى مستوى المبدأ الأول من المبادئ السبع التي وردت في مبادرة ولي العهد وهو (مجلس نواب كامل الصلاحيات).

مؤسسات مجتمع مدني

حتى تكون مؤسسات المجتمع المدني بما فيها الجمعيات السياسية شريكاً فاعلاً في مسيرة الإصلاح وفي التنمية وتعمل في إطار الوحدة الوطنية، تحتاج إلى ترسيخ حقوق المواطنة بتعزيز حريتها منذ نشأتها وتكوينها وممارسة نشاطها وفي طريقة حلها بإعادة النظر في القوانين الناظمة لها وبالتطبيق الفعلي لهذه القوانين، كما تحتاج في الوقت ذاته إلى ترسيخ واجبات المواطنة بالالتزام بالقوانين المعمول بها من قبل مؤسسات المجتمع المدني وإن شاب هذه القوانين عيوب عدة، وقدمت مؤسسات المجتمع المدني بما فيها الجمعيات السياسية الفاعلة مرئياتها قبل وخلال حوار التوافق الوطني حول معظم القوانين المتعلقة بحقوق المواطنة، منها قانون الجمعيات السياسية، وقانون التجمعات، قانون الجمعيات الأهلية، وغيرها من القوانين الأخرى. (يتبع

إقرأ أيضا لـ "حسن إسماعيل"

العدد 3349 - الإثنين 07 نوفمبر 2011م الموافق 11 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 2:32 م

      الدلموني

      شكراً للأخ حسن إسماعيل دراسة قيمة وتحليل رائع...

    • زائر 6 | 10:10 ص

      Thank you

      Thank Mr. Hassan for clear and well balanced analysis,please writ more .

    • زائر 5 | 8:42 ص

      دلمونيه

      اعتقد حسب وجهة نظرى العمل البرلمانى والنواب بشكل عام يقومون بخدمة المواطن البحرينى من شمال الجزيرة الى جنوبها ومن شرقها الى غربها مع احترامى لتحليلات الاخ حسن نريد البحرين دائرة واحدة تنتفى فيها كل التقسيمات المشبوهة لان الغرض من البرلمان تحسين وانتزاع مطالب وحقوق المواطن البحرينى سواء كان فى شمال الجزيره او غربهااما الحوارات التى لا يكون صوت الشعب مساهما فيها فلا داعى لضياع الوقت فى تحليلها فهى واضحة لدينا. نريد برلمان كامل الصلاحيات ومجلش شورى منتخب ومواطنه محترمة حره

    • زائر 4 | 1:54 ص

      منتدى التوافق الوطني

      مخرجات الحوار لا تعنينا و لا نوافق عليها يا استاذ فلم يسأل احد الشعب من يريد ان يمثله في الحوار عندما تم توزيع الدعوات و كانه حفلة و لم يسأل احد الشعب عن رأيه عندما تم التوافق على بعض الامور التي لا تسمن و لا تغني من جوع .. اكبر فئة تم تهميشها في هذا الحوار هو الشعب! و كاننا رعاع .. و قولهم وان هذا الحوار من اجل المواطنين هي مهزلة

    • زائر 3 | 1:34 ص

      Excellent Article

      Thank for clear and well balanced analysis.

    • زائر 2 | 11:15 م

      كل الاخطاء تهون وتصلح

      لو كان التمثيل النيابي حقيقي ومتساوي فأن البرلمان سيكون واقعياً لا أعتباطياً كما هو الان حيث لايمثل أبناء الشعب تمثيلاً حقيقياً مما نتج عنه هدا الكم الهائل من التجاوزات التي جائت من البرلمان اكثر من الحكومة كما في فصل العمال وغيرها حيث جسد هدا المثل ما يمكن أن يحدثه من خلل الفئة التي صيرت أكثرية بقوة قانون الدوائر الغير عادل البرلمان هو نقل المعركة من الشارع الى هذه الصالة للوصول الى حل أما أن تجعلني أقلية في التمثيل رغم أني أكثرية في الشارع فلن يزيد ذلك الا بعداً عن الحل وتنكراً للحقوق

    • زائر 1 | 11:09 م

      الجواب سهل

      الوضع الامثل في الحوار الامثل يا استاذ حسن.

اقرأ ايضاً