العدد 3353 - الجمعة 11 نوفمبر 2011م الموافق 15 ذي الحجة 1432هـ

دروس من نزاع «مالوكو» بإندونيسيا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

أدى النزاع بين المسيحيين والمسلمين في جزر مالوكو الإندونيسية بما فيها المنطقة التي أسكنها، جزيرة هالماهيرا شمال مالوكو، ما بين العامين 1999 و2002، إلى مقتل آلاف الناس ونزوح آلاف آخرين، وتم في نهاية المطاف التغلب على النزاع. وقد توفِّر الحلول التي تم تطبيقها في ذلك الوقت نظرة معمقة عن كيف يمكن احتواء العنف بين الأديان ومنعه من التحول إلى أمر أوسع وأكثر خطورة.

تشمل العوامل التي تعزز من نزاع الأديان بشكل عام الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها مجموعة أو مجموعات معينة، والعلاقات المتدهورة بين أفراد المجتمع المحلي والحكومة غير المستقرة أو الضعيفة والسياسة الطائفية.

كان اقتصاد إندونيسيا العام 1998 يعاني من أزمات صعبة. فقد أثّرت الأزمة الاقتصادية في شرق آسيا على الناس من فئات الدخل المنخفض والمتوسط، واستمرت لمدة كافية لتخلق تململاً بين الإندونيسيين.وتصاعدت أحداث بدت صغيرة ومحدودة بسرعة لتصبح مشاكل أكثر اتساعاً.على سبيل المثال وفي مالوكو، أشعل خلاف بين سائق حافلة مسيحي وشاب مسلم نزاعاً انتشر في منطقة واسعة.

قبل ذلك كان مجتمع مالوكو وثقافته واقتصاده في حال تغير، جزئيّاً كنتيجة لبرامج الهجرة المتبادلة وتحديث التعليم والاقتصاد المتكامل على المستوى الوطني. وكان هناك تركيز أقل على العادات التقليدية التي كانت توحد في العادة المجموعات المحلية عبر خطوط دينية وجغرافية وسياسية، مثل البيوت المشتركة، حيث تجمع المسيحيين والمسلمين بشكل روتيني، والروابط بين المجتمعات المحلية التي أرست تحالفات بين القرى التي تسامت على الفروقات الدينية. وعندما انفجر النزاع العام 1999 كانت تلك الروابط قد سقطت جانباً، وخاصة بين الشباب والمهاجرين.

تفاقم نزاع مالوكو، الذي بدأ كحدث محلي، نتيجة تدخلات خارجية، أثارت تقارير بأن المسلمين في مالوكو يقتلون في مجازر واسعة أشخاصاً من جاوة، تموّلهم وتسلّحهم جماعات مختلفة أرادت تقوية تأثيرها السياسي وإضعاف الحكومة، للحضور إلى مالوكو للدفاع عن مواطنيهم المسلمين. تصاعد العنف نتيجة لذلك.

لم تظهر جهود الوساطة بين المسيحيين والمسلمين في مالوكو بشكل فوري، كما كان من المفترض أن يحدث. كانت إندونيسيا تمر في العام 1998 بإصلاحات سياسية رئيسية بينما كان نظام الرئيس سوهارتو يتداعى. وقد منع ذلك الحكومة من الرد بشكل فوري على الأزمة.

تأمّل معظم الناس في ذلك الوقت أن يتراجع النزاع دون تدخل، ولذلك، وبدلاً من اتخاذ إجراء مباشر، قررت السلطات تبنّي توجه الانظار لرؤية ما سيحصل.

ساهمت جميع هذه العوامل، وهي الاقتصاد وانهيار مؤسسات بناء الجسور المحلية والتدخل الخارجي وانعدام التجاوب الفوري الحكومي، في استفحال نزاع استمر سنتين في مالوكو.

تحسّنت الأوضاع الاقتصادية في إندونيسيا تدريجيّاً. وعلى رغم أن النزاع سيطر على مالوكو، تمكن النازحون في الداخل من استئناف حياتهم. ركز رؤساء الطوائف على إعادة بناء الروابط التقليدية بين الجماعات المتنوعة وتم تعزيز البيوت المشتركة التقليدية والروابط بين الطوائف والمجتمعات المحلية على مستوى الجذور. أقسم أفراد النخب السياسية على تجنب إشعال الوضع الهش وتمت إعادة الجماعات المسلّحة إلى جاوة من قبل قوات الأمن الإندونيسية.

انتهت جهود السلام رسميّاً في مالوكو بقيام الجماعات المتناحرة بتوقيع معاهدة مالينو الثانية في مطلع العام 2002. إلا أن تطبيق المعاهدة على مستوى الجذور احتاج إلى مزيد من الوقت. وحتى الآن ما زالت شبكات الناشطين في مجال السلام عبر مالوكو تعمل بجد للقيام بتقييم روتيني في المجتمعات المحلية وتتدخل بسرعة في النزاعات التي تملك احتمالات الانتشار. يبدو أن هذه الجهود قد نجحت.

في أواخر سبتمبر/ أيلول 2011، عادت النزاعات عبر الديانات إلى الظهور في مالوكو، وقد أثارها مرة أخرى حدث تافه معزول. أشعل مقتل سائق دراجة نارية في أمبون عنفاً بين الطوائف الدينية أدى إلى مقتل سبعة أشخاص وتدمير عشرات المنازل. إلا أنه في هذه المرة، وبعد أن تعلموا من العنف الماضي، عمل زعماء الطوائف المختلفة، لتجنب تكرار نزاع الأعوام 1998 - 2002، وبشكل فوري على كبح انتشار الشائعات وتصرفوا كوسطاء على مستوى الجذور، حتى الإعلام كان حريصاً في اللغة التي استخدمها في تغطية النزاع على أمل تجنُّب المزيد من التوترات التي تشعل العنف، ويبدو حتى الآن أنه قد تم احتواء النزاع.

اضطرّت المجتمعات المحلية في مالوكو أن تدفع ثمناً باهظاً لتتعلم أن الحفاظ على السلام يتطلب جهود وقاية شمولية وردوداً سريعة على حوادث صغيرة تحمل في طياتها احتمالات التصعيد، وزعامة حاسمة في الرد على النزاعات.

ويقدس دستور إندونيسيا عبارة يضمها، مفادها أنه لا يمكن تحقيق السلام في غياب العدالة الاجتماعية. وكما تعلم مالوكو، فإن المهمات الأكثر صعوبة، مثل بناء المجتمعات المحلية على المدى الطويل وتقوية الموارد البشرية والاقتصاد، لا تأتي إلا بعد انتهاء النزاع

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 3353 - الجمعة 11 نوفمبر 2011م الموافق 15 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً