العدد 3354 - السبت 12 نوفمبر 2011م الموافق 16 ذي الحجة 1432هـ

ثقافة احترام الآخر... عندما يتخاصم رجالات المعارضة مع أهل الحكم

حمزة عليان comments [at] alwasatnews.com

.

الرواية الرسمية تقول إنه في يوم الثلثاء الموافق 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 وبعد تلاوة الخطاب الأميري بافتتاح دور الانعقاد الرابع لمجلس الأمة الكويتي رفع رئيس المجلس جاسم الخرافي الجلسة وطلب من السادة النواب التوجه إلى قاعة الاستراحة للسلام على أمير البلاد وولي العهد ورئيس مجلس الوزراء... ما كان مستغرباً أن يدير أربعة نواب ظهورهم لرئيس مجلس الوزراء رافضين المصافحة... وهم: أحمد السعدون، مسلم البراك، فيصل المسلم، وليد الطبطبائي!

الحادثة الثانية، أنقلها كما نشرتها الصحف المحلية الصادرة يوم 26 أكتوبر 2011 أن النائب مسلم البراك تعمد عدم مصافحة رئيس مجلس الوزراء في السفارة السعودية عندما التقيا وجهاً لوجه لتقديم واجب العزاء في المرحوم الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود...!

وعندما سئل البراك عن السبب أجاب «قطعت عهداً على نفسي أمام المواطنين في ساحة الإرادة بعدم التعاون مع الرئيس وألا نضع أيدنا بيده»!

هذا التصرف كان مدار استياء واستهجان شامل، وإجماع على أن هذا السلوك ليس من عادات أهل الكويت ولم يعرف عنهم أبداً أنهم وضعوا حداً بينهم وبين أهل الحكم وغيرهم بعدم المصافحة في حال الخصومة السياسية.

البعض استذكر مواقف رئيس مجلس الوزراء عندما عاد رئيس مجلس الأمة الأسبق النائب أحمد السعدون في المستشفى أثناء مرضه العام 2008 وعندما هنأ النائب السلفي وليد الطبطبائي بعودته سالماً من قطاع غزة المحاصر على إثر احتجازه بسفينة الحرية العام 2007.

يشهد الجميع في الكويت على أن رئيس مجلس الوزراء من أكثر الزائرين للدواوين سواء في شهر رمضان أم في غيره وهو من النوع الذي لا ينقطع عن التواصل مع جميع الطبقات والأفراد وهذا ليس من باب المجاملة ولا المزايدة، بل هو من باب وضع الأمور في نصابها وعدم الوقوع في مطبات المعارضة الشخصانية... فتراه كأي مواطن عادي يحمل «البشت» في يده قاصداً مجلس عزاء أو زيارة خاصة أو مناسبة أفراح.

عدم المصافحة في العرف السياسي لمن لا تتفق معه في الرأي سواء كان في السلطة أم خارجها له تفسير واحد، سلوك شخصاني، ينم عن ضيق في الأفق وانعدام بالرؤية... فالسلام بين الخصوم السياسيين لا يعني التنازل عن المواقف أو التراجع عنها، بل يزيد من قيمة هذا الرجل أو ذاك وسط الحضور وأمام الرأي العام فالمرحوم أحمد الربعي «وزير ونائب سابق» على سبيل المثال كان من أشد الخصوم «للإسلاميين « وخاصة «الإخوان» كان يطلق تصريحات ملتهبة وحادة قبل الظهر ضد من يمثلهم في مجلس الأمة أو ينشر في «القبس» أو «الشرق الأوسط» مقالته اليومية وبعد الظهر يذهب لدواوينهم مشاركاً بأفراحهم أو تقديم العزاء لأحد متوفيهم، مصافحاً ومداعباً لمن يلتقي بهم أو يجلس بالقرب منهم... فالخصومة السياسية عنده لا تعني القطيعة بين الناس وهو ما كان يرفع من رصيده الإنساني والشخصي عند عموم أبناء الوطن والمراقبين.

أحد الذين شاهدوا مقاطع من النقل التلفزيوني علق بعفوية، لماذا تضخمون المسألة فالجماعة ألقوا السلام ولم يصافحوا وهناك فرق كبير بن الحالتين وهذا قد يحصل مع أي واحد فينا عندما يتحاشى مصافحة من لا يرتاح إليه «وشايل في قلبه عليه».

لكن المصافحة عند «الأعداء» تعتبر واجباً عسكرياً، أذكر التحية العسكرية التي أداها المشير في القوات المسلحة المصرية عبدالغني الجمصي لقائد عسكري إسرائيلي التقيا في الخيمة (الكيلو 101) بعد حرب أكتوبر 1973 والذي بادله إياها وبالمثل... ثم جلسا كل على كرسيه للتباحث والتفاوض في موضوع إطلاق سراح الأسرى من الطرفين ومسألة الانسحاب من بعض المناطق المتداخلة مع بعضها البعض.

مشهد آخر، حصل بعد حرب تحرير الكويت العام 1991 عندما نصبت خيمة في صفوان، على الحدود بين الكويت والعراق دخل إليها قادة عسكريون عراقيون وآخرون أميركيون وبحضور قادة سعوديين أذكر منهم القائد الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، يومها وقف الجنرال الأميركي يؤدي التحية العسكرية، للقائد العراقي المهزوم في الحرب والذي تعارك معه في ساحات القتال وفي حرب ضروس إلى أن تم طرده من الأراضي الكويتية التي احتلها بالقوة العسكرية.

في حالة الحروب والمفاوضات التي تنتج عنها يلتزم العسكر بأداء التحية «للأعداء»، فكيف في العلاقة بين رجالات السياسة وأصحاب الحكم وليس بين أفراد عاديين، وخاصة إذا كانت المناسبة منقولة مباشرة على الهواء وعبر الفضائيات والتي تتحول فيها الخصومة عند البعض إلى مناكفات شخصانية تماماً؟

نحتاج إلى ثقافة احترام الآخر أيا كان موقعه، معارضاً أم خصماً، فهل نمتلك الشجاعة لفعل ذلك؟

إقرأ أيضا لـ "حمزة عليان "

العدد 3354 - السبت 12 نوفمبر 2011م الموافق 16 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً