العدد 3375 - السبت 03 ديسمبر 2011م الموافق 08 محرم 1433هـ

«أطروحات»... أبعد من برنامج إذاعي!

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

قليلةٌ هي تلك البرامج الإذاعية المتخصصة التي يُكتب لها القبول والنجاح، بحيث تجبر المستمع على التفاعل والانتظار لحظة العرض أو البث.

«أطروحات»، برنامج أسبوعي علمي وثقافي وحواري مميز من نوعه، يبث على الهواء مباشرة عبر أثير إذاعة البحرين، ويناقش كل أسبوع أطروحة واحدة فقط.

انطلق هذا البرنامج في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2010. وتتلخص فكرته في دعم ومساعدة عموم الباحثين في تناول ومناقشة رسائلهم وأطروحاتهم العلمية (ماجستير أو دكتوراه) من جميع المجالات والتخصصات، وهو من إعداد وتقديم الإعلامية البحرينية سهير المهندي وإخراج لطيفة بومطيع.

يستضيف «أطروحات» باحث الأطروحة ومسئول القطاع الذي له علاقة بموضوع الدراسة وعمل الباحث، ويستهدف جميع الباحثين البحرينيين الحاصلين على درجات علمية، إذ لم توضع في الاعتبار ـ كما ذكر القائمون عليه ـ أية معايير خاصة لاختيار الرسائل أو الأشخاص الذين يتم تقديم بحوثهم في البرنامج، وإنما لكل باحث فرصة تقديم بحثه من خلال الاتصال المباشر بمعدّة ومقدمة البرنامج.

فكرة البرنامج في الأساس كانت تلفزيونية، ولكن لأسباب إدارية لم يكتب له أن يعرض على شاشة تلفزيون البحرين، ومن المؤمل أن يشجع البرنامج الطاقات الشبابية للانطلاق نحو التحصيل العلمي والتميُّز، وتدريبهم على كيفية إلقاء أبحاثهم في المؤتمرات العلمية، ونشرها في المجلات العلمية المحكمة، وهذا بحد ذاته يجعلنا نتساءل عن أسباب توقف كثير من الباحثين وأساتذة الجامعات لدينا عن دعم مسيرة الحركة الفكرية والثقافية في مجال التأليف والكتابة والمشاركة في المؤتمرات العلمية وما إلى ذلك.

برنامج «أطروحات» معني بمناقشة الرسائل والبحوث الجامعية والتي تمثل عصارة ما توصل إليه طالب العلم أو الأكاديمي أو الباحث، لينال بموجبها على درجة علمية (ماجستير أو دكتوراه)، ومن ثم يُمنح الترقية العلمية. وإلا فما قيمة البحث الجامعي إذا قدّر له أن يوضع على أرفف الخزانات في المكتبات؟ وما تأثيره العملي إن لم تستفد الدولة منه فعلاً في حل مشكلاتها؟

«أطروحات» برنامج يلامس جوهر المشكلة لدى الباحثين؛ لأن البعض بمجرد حصوله على الدرجة العلمية فإنه ينشغل بالأمور الإجرائية كمعادلة الشهادة والتكريم السنوي في حفل عيد العلم، والبعض الآخر يقوم بإهداء وتقديم نسخة من الدراسة إلى بعض الشخصيات أو المسئولين في القطاع الذي يعمل به للتسويق لها وغير ذلك.

كل هذه الأمور لا نختلف عليها، ولكن الأهم من ذلك كله هو تحويل هذه الدراسة إلى مشروع استثماري يُستفاد منه في الحقل الذي يعمل به، ولنشر ثقافة البحث العلمي ودوره في تطوير واقع المجتمعات، فإن ثمة وسيلتين لتحويل هذه الأبحاث الجامعية إلى مشاريع استثمارية، أولهما: إمكانية إدماجها وتضمينها في المناهج التعليمية، وخصوصاً إذا ما كان البحث يتماشى مع السياسات التعليمية والمشاريع التطويرية التي تسير عليها المؤسسات التعليمية، والأخرى: احتضان المؤسسات الإعلامية للجهود المبذولة على مستوى البحث العلمي، وتثقيف المجتمع بلغة الأرقام والحقائق.

الوسيلة الأولى من اختصاص المسئولين بإدارة المناهج في وزارة التربية والتعليم، أما الوسيلة الأخرى (الإعلامية) فهي من اختصاص هيئة الإذاعة والتلفزيون، وتتمثل في الدور الذي يضطلع به برنامج «أطروحات».

في العام 1975 صدر مرسوم أميري بتحويل مكتبة المنامة العامة إلى مكتبة إيداع، وإلزام المؤلف والباحث البحريني بأن يودع نسخة من رسالة الماجستير أو الدكتوراه، وفي الوقت الحاضر فإن أي شهادة جامعية لا تعادل قبل إيداع الباحث نسخة من البحث في المكتبة العامة، وحديثا انتقلت هذه الوظيفة إلى المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي.

لم يعد مقبولاً أن يقتصر دور المكتبة الوطنية على جمع وحفظ الرسائل الجامعية فقط، ولكن المطلوب منها القيام بإصدار كتاب سنوي يحتوي على ملخص لجميع الرسائل والأبحاث الجامعية، وعرضها على شكل ملف (PDF) على الموقع الإلكتروني للمكتبة، لتيسير مهمة الباحثين داخل البحرين وخارجها.

قبل سنوات وبينما كنا نتجول أنا وصديقي في مكتبة الجامعة الأردنية عثرت على رسالة ماجستير مطبوعة لباحث بحريني، سألتُ صديقي الذي يزور المكتبة للمرة الثانية: ما الذي جاء بهذه الرسالة الجامعية إلى هنا؟! فأجاب: هناك اتفاقية تعاون على مستوى الجامعات في الوطن العربي تقضي بإيداع نسخة من رسائل الماجستير والدكتوراه في مركز إيداع الرسائل الجامعية بمكتبة الجامعة الأردنية، ولكن المشكلة أن الدول العربية لا تلتزم بهذه الاتفاقية!

حديثا، رسم البعض علامة استفهام بشأن الكمِّ الهائل من الحاصلين على تقدير «امتياز مع مرتبة الشرف الأولى»، في حين أن كثيراً من هذه الدراسات تكاد تكون نظرية وركيكة من حيث المحتوى والمضمون، وبعيدة عن مشكلات المجتمع وبالتالي تفقد قيمتها التطبيقية؛ لأنها غير مرتبطة أصلاً بخطط وسياسة الترقيات العلمية، لتبقى جهوداً فردية هنا وهناك، بينما التوجه الحديث في الدول المتقدمة هو اشتراك أكثر من باحث (أي فريق بحثي) في عمل واحد ذي فائدة على العملية التعليمية والتنموية بشكل عام.

سنوياً، هناك العشرات في البحرين ممن ينالون الدرجات العلمية، ولكن هل تمت الاستفادة منها والترويج لها وتحويلها إلى مشاريع استثمارية؟

نقول هذا الكلام إن كان البحث الجامعي من إعداد الطالب أصلاً، ولكن أن نقرأ في بعض الصحف الخليجية أو على بعض المواقع الإلكترونية عن أشخاص أو جهات بحرينية، تقوم بإعداد رسائل جامعية جاهزة مقابل مبلغ من المال، فهذا ما لا يقبله أي أحد منا، ولا ينبغي السكوت عنه.

ما يميِّز برنامج «أطروحات» أنه خرج عن الصورة النمطية والتقليدية للبرامج الإذاعية، فهو برنامج جاد يضع المسئولين وصناع القرار أمام مسئولية إتاحة الفرصة للشباب البحريني للمشاركة بالحضور إلى أستديو الإذاعة والتعريف بالأطروحة ومناقشتها مع المعنيين

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3375 - السبت 03 ديسمبر 2011م الموافق 08 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً