العدد 3394 - الخميس 22 ديسمبر 2011م الموافق 27 محرم 1433هـ

الربيع المصري بين التطلعات الثورية والواقعية الشعبية (1)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لقد انطلقت الانتفاضات الشعبية العربية التي عرفت تحت تأثير المصطلحات الغربية باسم الربيع العربي على رغم حدوثها في فصل الشتاء، وهذا أثار عدة تساؤلات منها كيف يحدث الربيع في فصل الشتاء؟ ومنها كيف يطلق مصطلح الربيع على حالة من التوتر الشديد والصراع الدموي في الدول العربية التي اندلعت فيها هذه الثورات وهي بوجه خاص دول النظم الجمهورية وخصوصاً في ليبيا واليمن وسورية؟ وبدرجات أقل في كل من تونس ومصر، ومنها أن هذا الربيع شمل دولاً عربية قليلة وعلى رغم أهميتها فهي تمثل ربما أقل من ثلث الدول العربية؟ ومنها أين دور الدول المحورية العربية مثل مصر والسعودية والعراق والجزائر وسورية؟.

لقد انطلقت التحركات في تونس ومنها انتقلت التجربة بصورة مختلفة إلى مصر، ولاتزال التجربة المصرية تعاني من كثير من التشوهات في مسيرتها، أما سورية فهي تشهد صيفاً حارّاً للغاية، وأما العراق فهو يعيش حالة طائفية بامتياز، وأما السعودية فهي تقود بتؤدة مجلس التعاون لدول الخليج العربية نحو الاتحاد من خلال الإصلاح والاعتدال كما تجلى ذلك في القمة الثانية والثلاثين للمجلس، في حين أن الذي يضطلع بدور رئيس على المستوى العربي هو قطر التي تعد من أصغر الدول العربية وأغناها، وتتسم سياستها بدينامية خاصة تجمع بين الطابع المحلي والإقليمي والدولي.

ثم إن ما يوصف بالربيع العربي غابت عنه أهم قضية اعتبرها العرب على مدى عقود، قضيةً محوريةً، وهي قضية فلسطين بل غاب أصحابها عن قضيتهم. ولهذا كله فإنني أفضل في هذا المقال التركيز على ما يسمى بالربيع المصري لاعتبارات موضوعية تتمثل في الآتي:

إن مصر أكبر الدول العربية سكاناً وأكثرها غنى في الثروة البشرية والثروة الاقتصادية لولا ما ساد البلاد في عهد النظام السابق من نهب للثروات المادية وإفساد للحياة السياسية وإضعاف للثروة البشرية بوسائل عديدة أدت إلى ما يمكن أن نسميه إضعاف النخبة بوجه خاص والطبقة الوسطى بوجه عام، من خلال عملية الإفساد للنخبة المثقفة والأكاديمية لتبرير فلسفة النظام وتبييض وجهه السيئ، وبث اليأس في صفوف ذوي الصدقية والنزاهة من أبنائه، وإهدار ما تبقى من الكفاءات والموارد العلمية والبشرية بهجرتها أو تشتيت صفوفها.

إنه ترتب على ما سبق ضيق أفق وعجز الفكر القانوني المصري والفكر السياسي المصري وخصوصاً في ظل ثورة 25 يناير/ كانون الثاني عن بلورة رؤية صحيحة وواضحة، أو عدم التصدي لتصحيح المفاهيم المغلوطة والمشوهة عن العمل السياسي والقانوني والاقتصادي بل والثوري الصحيح، وتحوّل كثير من المثقفين وقادة الرأي إلى منهج التملق والنفاق الذي دأب عليه البعض منذ ثورة 23 يوليو/ تموز. بل زاد ذلك في ظل نظام مبارك وتكرر مع شباب ثورة يناير.

إن ظاهرة النفاق هي ظاهرة بشرية خاصة في النظم السلطوية وهي أكثر التصاقاً بالثقافة العربية، ولعلنا نتذكر بكل أسف شعر الهجاء والفخر والمديح الذي يمثل أبواباً مهمة وعديدة عبر التاريخ العربي، كما نتذكر نفاق بعض الشعراء للحكام، ومن المشاهد المتكررة في التاريخ العربي منح الحكام الأموال بل إغداقها على الشعراء كأحد الأساليب لاسترضائهم ولكسب المزيد من المديح منهم، ولا أدري ما هي الجذور العميقة لهذه الظاهرة السيئة التي عرفت حتى في صدر الإسلام وإبان حياة الرسول الكريم، فالقرآن الكريم تحدث عن المنافقين وعلاقتهم بالعطايا والمغانم بقوله تعالى: «ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون» (التوبة: 58).

إن النفاق ارتبط أيضاً بالتراث الزراعي، فالأرض يزرعها الفلاحون المجتهدون الذين يستيقظون مبكراً وينامون مبكراً، ويحرصون على العناية بأرضهم وثرواتهم في حين بعض المثقفين عرف عنهم ما سمي بظاهرة الصعلكة التي ارتبطت بالعطايا والسهر وعدم الالتزام بالقيم التقليدية وقدر من التحرر، كما حدث في العصر العباسي والدولة الأموية في الأندلس وغيرها. وما يهمنا هنا هو إن هذه الظاهرة انتشرت في مصر منذ ما قبل ثورة يوليو 1952 ولذلك كتب الأديب المشهور يوسف السباعي روايته «أرض نفاقستان»، كما أشار إلى الظاهرة الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ في عدد من رواياته وخصوصاً تلك التي صدرت في الستينات مثل «ثرثرة فوق النيل» وغيرها.

إن ما نهدف إليه هو القول إن ظاهرة النفاق من بعض المثقفين ليست جديدة، وإنما هي ظاهرة قديمة في مصر وفي الثقافة العربية، بل ربما في العالم بأسره. لكن الأخطر أنه بعد ثورة 25 يناير أصبح قول الرأي المختلف ولو صحيحاً أو التحليل العلمي الموضوعي مثل العملات النادرة، ولذا طرد النفاق بصوره المتعددة، العملة الجيدة، أي الصدق والنصيحة المخلصة، من التداول وأصبح أي نقد للثورة أو لشبابها أو لمن يعلن حتى ولو كذباً أنه ثوري بمثابة جريمة اجتماعية وسياسية كبرى، ومن ثم اختلطت الأمور وأصبح التخريب اعتصاماً، والكسل إضراباً وتظاهراً، وأصبحت أيام الجمع التي تحدث عنها القرآن بعظمة بقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون» (الجمعة:9 -10).

نقول أصبحت الجمع المتكررة وما يسودها من فوضى وتعطيل العمل وإغلاق الشوارع وتدمير المنشآت الحيوية التي هي تراث وملك الشعب ظاهرة يتسابق كل فصيل إلى الدعوة إليها، وكأنها هدف في حد ذاته ولم نجد فصيلاً يدعو إلى جمعة من أجل العمل أو جمعة الحي على النظام أو جمعة الحي على الانضباط واحترام القانون، وإنّما هي جمع متلاحقة معظمها يصب مضمونها في خانة الثأر والانتقام، ويدعو إلى رفض الخضوع للقانون والنظام وتشويه صورة الخصوم حتى ولو كانوا في مرحلة سابقة من الأعوان والأنصار.

إن المفهوم الإسلامي الصحيح غاب حتى عن أصحاب الشعارات الإسلامية؛ فقد بدأوا في ممارسات من الفساد والرشا، المقنَّعة وغير المنظورة وأحياناً المنظورة للجماهير الفقيرة أو المعدمة والتي عانت من التهميش ومن نقص الوعي الثقافي والديني نتيجة ما تعرضت له هذه المفاهيم الجميلة من ممارسات النظام السابق وأعوانه.

إن اتجاه بعض الثوار لجعل الثورة هدفاً في حد ذاته وليس وسيلة لتطوير المجتمع وتصحيح مسارات النظام السياسي أو الاقتصادي آو الاجتماعي أو الثقافي، لا يعبّر عن البوصلة الصحيحة للعمل الثوري، وحقاً قال الشيخ محمد متولي الشعراوي عن هذه الظاهرة قولاً بليغاً: «إن الثائر يثور كالبركان ليهدم البنيان ثم يهدأ ليبني الأوطان». إن مفهوم البناء أكثر صعوبة من مفهوم الهدم، كما إن الشرعية الدستورية أكثر صعوبة من الشرعية الثورية. الأولى تضع القانون واحترام الإنسان كأولوية والثانية تتجاهل ذلك بدعوى الثورة والتغيير ومحاربة أعداء الثورة وأعداء النظام وتعطي القانون إجازةً في الوقت الذي يكون المجتمع أشد حاجةً إليه. والأكثر سوءًا هو ما يسمى بالشرعية الدينية التي لا تمت إلى الدين الصحيح بشيء وتحوّل الدين إلى سلطة سياسية وكهنوت وثيوقراطية كما عبر عن ذلك علماء السياسة عبر العصور، وخصوصاً عندما ساد حكم الكنيسة الكاثوليكية وأصبح البابا هو المرجعية في إضفاء الشرعية على ملوك أوروبا، وأدى ذلك للثورة عليه واستقلال الدول الأوروبية الحديث وظهور ما سمي بالفكر العلماني، أي الذي يفصل بين الدين والدولة ولا يجعل لرجل الدين أية ولاية سياسية ويجعل مفهوم المواطنة والحكم المدني هو المرجعية الوحيدة مع احترام القواعد الدينية الأخلاقية والشعائرية في الوقت نفسه

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3394 - الخميس 22 ديسمبر 2011م الموافق 27 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:59 ص

      الربيع العربي

      أنا شخص عشق الربيع العربي ومصر أخدت دورن كبيرن وايضن البحرين أخدت دورن كبيرن وتحياتي حمري الحر مجهول

اقرأ ايضاً