العدد 3401 - الخميس 29 ديسمبر 2011م الموافق 04 صفر 1433هـ

ضحايا التعذيب في تقرير لجنة تقصى الحقائق (1)

حسن إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

.

وجدت القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في مملكة البحرين فيما اشتمل عليه تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق من واقعات وحقائق وبما خلص إليه من توصيات خطوة مهمة نحو المصالحة، وإعادة اللحمة الوطنية، غير أن المواطن المتفائل الحريص على تعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية والخروج مما تركته أحداث فبراير من نتائج سلبية على المجتمع، ما يلبث أن يتشاءم حين يشاهد أن مسيلات الدموع مازالت تستخدم، وحين يجد مخالفة تنفيذ توصيات تقرير تقصى الحقائق ومنها التوصية الأولى التي نصت على «تكوين لجنة وطنية مستقلة ومحايدة تضم شخصيات مرموقة من حكومة البحرين والجمعيات السياسية والمجتمع المدني لمتابعة وتنفيذ توصيات هذه اللجنة، على أن تعيد اللجنة المقترحة النظر في القوانين والإجراءات التي طبقت في أعقاب أحداث شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011 بهدف وضع توصيات للمُشرِع للقيام بالتعديلات الملائمة للقوانين القائمة ووضع تشريعات جديدة حسبما هو وارد في هذه التوصيات»، إذ تم تجاوزها حين نص تشكيلها على أن من بين اختصاصاتها دراسة توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق من دون النص على اختصاصها الأصيل الوارد في التوصية المذكورة وهو متابعة وتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق.

وإذا كانت النسخة الإنجليزية لتقرير تقصي الحقائق قد أشارت في هذه التوصية إلى أن هذه اللجنة تتكون فيما تتكون من ممثلين للجمعيات السياسية المعارضة، والمجتمع المدني، فإن غياب ممثلين عن هذه الجمعيات الفاعلة التي كانت طرفاً ولاعباً أساسياً في أحداث فبراير 2011 والتي أشار إليها التقرير عن تشكيل اللجنة، ينال مما قصدته وهدفت إليه لجنة تقصي الحقائق فيما جاء في التوصية الأولى، وبعيداً عن أي جدل في تفسير هذه التوصية كان الأجدر بالسلطة التنفيذية مخاطبة هذه الجمعيات المعارضة بصفتها الاعتبارية للمشاركة في اللجنة وهي تختار من يمثلها لا أن تخاطب أعضاء منها بصفتهم الشخصية، كما أن اشتمال الأمر الملكي على آلية اتخاذ القرارات المتعلقة بمخرجات عمل اللجنة يخشى منه في ظل هذا التكوين أن يتم اتخاذ قرارات تتجاوز وتخالف توصيات تقرير الحقائق، وكان من الأفضل لو نص الأمر الملكي على عرض قرارات واقتراحات هذه اللجنة على لجنة تقصي الحقائق لبيان مدى انسجامها وتوافقها مع ما جاء في التقرير، غير أنه يتعين الاستدراك أنه حسنٌ ما قررته هذه اللجنة بضرورة التوافق بين الحقائق للفصل فيها، لكن يتعين الإشارة هنا إلى أنه على رغم أن بعض النتائج وبعض التوصيات التي جاء بها تقرير بسيوني هي حمّالة أوجه وعرضة لتفسيرات مغايرة لما قصده التقرير فإن اللجنة المشكَّلة بموجب الأمر الملكي مهما كان نوع تكوينها ليس في مقدورها أن تتجاوز جوهر القضايا الرئيسية التي حدد التقرير وقائعها وبيّن نتائجها وأوصى بتوصيات مهمة وضرورية لمعالجتها، ومن أبرز هذه القضايا، انتهاكات حقوق الإنسان، ومنها تعذيب السجناء والمعتقلين.


التعذيب نهج قديم

لم يكن التعذيب في البحرين وليد أحداث فبراير ومارس 2011، بل تمتد جذوره لفترات ماضية قبل وبعد قانون أمن الدولة، وظلت الأجهزة الأمنية طوال هذه الفترة تنكر وجوده، ولعل أبزر مثال على هذا الإنكار ما جاء في تقرير مملكة البحرين الأول المقدم في 25 فبراير 2008 لمجلس حقوق الإنسان التابع إلى هيئة الأمم المتحدة بشأن المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان في البحرين، حين أشار هذا التقرير في التعهدات طوعية بشأن التعذيب إلى أنه «على رغم من عدم وجود حالات تعذيب في المملكة إلا أن رغبة المملكة المستمرة في تطوير أداء العاملين في مجال إنفاذ القانون يدفعها لـ الترحيب بزيارة المقرر الخاص بمكافحة التعذيب التابع للمجلس. وأن تطلب من المفوضية السامية للأمم المتحدة المعاونة فيما تسعى له البحرين من أجل تطوير وتدعيم المناهج التعليمية والدورات التدريبية ذات الصلة بحقوق الإنسان»... «وأنه منذ العام 2001 لا يوجد في المملكة احتجاز تعسفي. وقدم الفريق المعني بالاحتجاز التعسفي عدة توصيات، تمت الاستجابة لها بدرجات متفاوتة منها».

وقد قلنا حينها في ملاحظاتنا على تقرير حكومة البحرين أنه فضلاً عن تجاهل هذا التقرير ما أحدثه المرسوم بقانون 56 لسنة 2002 من مفهوم العفو الشامل فهو يتجاهل إعادة استخدام وسائل التعذيب، الذي كشفت عنه أحداث ديسمبر/ كانون الأول 2007، وقد سجل المتهمون في هذه الأحداث أمام القضاء كيف استخدمت مختلف وسائل التعذيب ضدهم.

كما لاحظنا أن التقرير الرسمي، على رغم أهمية مناقشة ظاهرة التعذيب باعتبارها ظاهرة تنال من السلامة البدنية والمعنوية للإنسان، فإنه يتجاهل وضع الحلول والوسائل اللازمة للخروج منها ويتجاهل ما كانت تطالب به القوى السياسية والحقوقية في البحرين والهيئات الدولية من ضرورة إنصاف الضحايا وإلغاء المرسوم بقانون رقم 56، مكتفياً فقط بالإشارة إلى ما قامت به بعض المنظمات الدولية من امتداح البحرين للإجراءات التي اتخذتها مثل إلغاء قانون أمن الدولة ومحكمة الدولة، كما امتدحت سحب تحفظ البحرين على المادة 20 من الاتفاقية، وهو امتداح في محله، غير أن ذلك لا يكفي، ولا يكفيه ما أشار إليه التقرير الرسمي من أن مملكة البحرين رحبت بزيارة المقرر الخاص بمكافحة التعذيب التابع للمجلس. وإنها تطلب من المفوضية السامية للأمم المتحدة المعاونة فيما تسعى له البحرين في تطوير وتدعيم المناهج التعليمية والدورات التدريبية ذات الصلة بحقوق الإنسان، بل على مملكة البحرين أن تستجيب لما تطلبه منها المفوضية السامية للأمم المتحدة.

ولا يشفع لمملكة البحرين ما جاء في تقريرها في بند وسائل الانتصاف الفعالة من قول (بأن النظام القانوني في البحرين على النحو السابق إليه يتضمن سبل الانتصاف القضائية والإدارية وغيرها)، ومع ذلك هناك حاجة لزيادة الوعي بوجود هذه السبل وآليات استخدامها (فهذا القول فضلاً عن عموميته ويهدف للهروب من معالجة المشكلة فإن النظام القانوني وسبل الانتصاف القضائية والإدارية لا تحتاج إلى تذكير ولا يحتاج لزيادة الوعي بها، بل تحتاج إلى احترامها وتفعيلها في الممارسة العملية

إقرأ أيضا لـ "حسن إسماعيل"

العدد 3401 - الخميس 29 ديسمبر 2011م الموافق 04 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:44 م

      شكرا على هذا التوصيف الدقيق و الرائع .... ولكن

      مع كل ماوصلت اليه من استنتاجات سؤال ارجو ان احصل على اجابة اين كان هذا من الآمين العام للمنبر الديمقرطي ام انه طنش الجميع وما هو المقابل

    • زائر 4 | 12:10 م

      دلمونيه

      كمواطنه بحرينيه برأيي تقرير بسيونى تحصيل حاصل لم يأتى بجديد . وان وحده قوى المعارضه بشتى توجهاتهاحول بحرين دوله مدنيه ديمقراطيه. هو الحل الوحيد لانتشال البلد مما فيه اما موضوع لجان هنا وهناك فهو مضيعه للوقت فلقد اساء البعض ضمن مشاركته لتلك اللجان النزهه ! لتاريخ مشرف لنضال احدى الجمعيات السياسيه كثرت الشكوك والاسئله عن غيابها عن ا لساحات والميادين.الا من متعظ يا جماعه.

    • زائر 3 | 4:50 ص

      حقائق التقرير وتقرير الحقائق

      أكثر ما توصل اليه التقرير يعتبر قاطع ونهائي . وهذا بديهى فمن كتب التقرير ليس مدعي عام ولكن نخبة لا يستهان بها بينهم قضاه يعلمون جيداً أن لكل كلمة معنى ثابت لايمكن أن يكون غير ذلك . فهذه التوصيات تقرأء بالسؤال عن تأويلها اي لماذا وكيف تم ذلك. ولاتحتاج الى من يفسرها أويسفرها بل ما تعني؟
      فالتوصيات ليست بمستحيلة التنفيذ، الا أنها في الوضع الراهن يلقى التنفيذ صعبوبات وعقبات تحتاج الى تذليل والايمان بأنه لا طريق الا هذا !!

    • زائر 2 | 2:07 ص

      لو اجتمعنا على حب الوطن

      لو اجتمعنا حقا وصدقا على حب الوطن ماحدث ما حدث ولو صدقت الافعال الاقوال لما احتجنا الى لجان وتحقيق

      مجتمع البحرين ولا أطيب منه شهادة الاخرين طيبة ورثها الاجداد للاحفاد حتى باتت صفة ملازمة
      قديمة قدم النخلة والبحر في البحرين

    • زائر 1 | 1:34 ص

      التعذيب حقيقة مطلقة لا يمكن إثبات عكسها

      استنادا إلى تقرير بسيوني أن التعذيب حقيقة مطلقة ولا يمكن إثبات عكسها ولا يحتاج تدريب قوات الأمن على عدم التعذيب ، بل نحتاج إلى إرادة سياسية تمقت التعذيب وتفعل قانون العقوبات وتقدم جميع وكل مرتكبي جرائم التعذيب من مقررين ومنفذين ومحرضين ومساهمين إلى القضاء العادل ...وليس تقدم ثلة قليلة من المشتبه بهم.

اقرأ ايضاً