العدد 3407 - الأربعاء 04 يناير 2012م الموافق 10 صفر 1433هـ

جيل جديد

مريم أبو إدريس comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يقول الكاتب محمد الرطيان: «الأشياء التي لا تستطيع فتحها إلا بكسرها اعلم أنها هزمتك، استنفدت كل الحلول المتوافرة في عقلك وجعلتك تستخدم عضلاتك». لا شيء أصدق لقوله من واقع حالنا، وربيعنا العربي، الذي انتهى ومازال يثمر انتصارات للشعوب التي جبلت على الصمت لعقود، مرغمةً أن تضع رأسها في الطين وتقول نحن أفضل من غيرنا.

وليس أصدق لقوله من الجيوش التي بقيت في ثكناتها لا تعرف طريق فلسطين، ولا تسأل عن رجف العراق، لكنها انتفضت ضد شعوبها، وسيّرت الدبابات لتقتل شعبها، وتوقف انتفاضة كرامته. في كل الربيع العربي تحرّكت الجيوش لا لحماية شعوبها، بل لقتلهم، ولتذكيرهم بالصمت الذي يحفظ حياتهم، ويحقن دماءهم، ولا يبقي شيئاً من كرامتهم.

في ليبيا سخّر الجيش بالكامل لقتل الليبيين، وفي سورية سيّرت الدبابات لتقصف مناطق الاحتجاجات، وفي كل الربيع العربي كانت الدبابات تقف على مسافةٍ واحدةٍ بين الشعب والحاكم لتكون قريبةً بما يكفي من الشعب متى أمر الحاكم بالفتك به.

الشباب العربي الذي وُلد في زمن ضائع، بين انتصارات الخمسينيات، وحلم فلسطين الضائع، وجد نفسه يقاد من حكام باعوا كل قضاياه وأحلامه، وقضوا على كل معاركه وأمنياته. وُلد فاقداً للكرامة والإنسانية، مشتّتاً في كل بقاع الأرض، إما بفعل حاجةٍ وإما بفعل سياسة. هذا الجيل الذي وُلد وسط كل ذلك لم يعد يرتضي غير استرجاع تاريخ كرامته المسلوبة بفعل حكام الصدفة، ولا عاصم اليوم لأي بلد، فـ «تسونامي الحرية» حين يبدأ بمكان لا ينتهي إلا وقد أتى على كل شيء، ولا منقذ للحكام الآن من مصير مشابه للدكتاتوريات البائدة سوى البدء بإصلاح حقيقي، والارتقاء الى مستوى طموح شعوبهم وتطلعاتهم، وإعطاء الشعوب نصيبها من ثروات بلادها بعد سنوات من سرقة ماضيها ومستقبلها.

لا حلّ يولد من عمق الانفلات الأمني لقوة العسكر، فمن يواجه الأنظمة القمعية اليوم ليس لديهم ما يخسرونه، لم تبق لهم أنظمتهم شيئاً يخشونه أو يخافون خسرانه، وربما اتبعوا مقولة: «لا تخش من صوت الرصاص فالرصاصة التي ستقتلك لن تسمع صوتها»، ولهذا يشق هذا الجيل طريقه وسط الرصاص الذي يسمعه غير مكترثٍ لتلك الرصاصات التي لن يسمعها فغد ينتظره مستقبل واعد، حرية وكرامة، وشيء من الإنسان.

هذا الجيل لا يهمه إرهاب العسكر، ولا يتوقف كثيراً أمام فتاوى رجال الدين، لا يستمع لمخاوفه، ولا يتوقف لحساب خساراته، لقد فقد هذا الجيل ايمانه بكل شيء إلا بنفسه، في وقتٍ خرج فيه رجال الدين ليزينوا للسلاطين أمنياتهم، ليرفعوا الصوت عالياً بفتاوى عن حرمة الخروج على ولي الأمر، والفتوى بحسب الرغبة، فالخروج حرامٌ في بلدٍ وواجبٌ في آخر، في وقت يصبح فيه سدّ شارع حراماً شرعاً، ولا يكون فيه قتل الإنسان حراماً. والاضراب عن العمل حراما، واستهداف الانسان حلالا! ويكون قول كلمة حق حراماً، أما تفشي الظلم فغير حرام.

في أي عهدٍ نعيش، وأي من الحرمات بقيت لم تنتهك، ولم تبق فتوى شرعية شرقية ولا غربية إلا وخرجت تبيح فصول المظالم وتمنع قول الحق ودعوات إصلاح شئون العباد.

هذا الجيل فقد إيمانه بكل هؤلاء، ولم يعد يكترث لما يقولون، فلا يكلف وعاظ السلاطين أنفسهم بفتاوى اسفنجية بحسب الرغبة لأن هذا الجيل لا يستمع، ولن يتوقف عن إنقاذ كرامته

إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"

العدد 3407 - الأربعاء 04 يناير 2012م الموافق 10 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 7:34 ص

      تعظيم سلام لك يبنيتي على هلمقال المتوهج

      يبنيتي جيل اليوم الواعي لا يمكن كبح جماحه بفتوى هي اقرب الى ذمه مبيوعه في سوق العهر السياسي اين المفتيين الاشاوس من صرخات الثكالى والمظلومين في اقطار وطننا العربي على عاتق العالم الديني تقع مسوليه ما يحصل للناس في جميع دول المسلمين كون العالم صمام الامان ولهذا حساب العالم عند الله مضاعف وذلك لانه يعي ويعلم عواقب الامور ولديه المام ودرايه للتبعات التى ممكن ان تحدث للعامه بعد كل فتوى ولاكن يبنيتي هولاء ابواق السلاطين لا يسمعهم الا كل متمصلح من هذه الفتوى اوتلك بواصلهم اخطئت تحديد المسار الصحيح

    • زائر 10 | 4:34 ص

      نعم

      نعم

    • زائر 9 | 3:30 ص

      كلمة حق

      لا أؤيدك بما يخص الكلام عن سوريا فوضع سوريا معروف وبات واضح المعالم، جماعات إرهابية تتآمر مع المحتل والأجنبي لاسقاط سوريا الممانعة، جماعات سلفية وتكفيرية متعصبة تقتل الأبرياء وتفبرك وتقلب الحقائق، لا ولم ترد الإصلاح اتخذت القتل والمواجهة خياراً منذ الوهلة الأولى، في حين أراد الشعب وقال كلمته نعم للاصلاحات، وإلا فلم كل هذه الضحايا والجثث بين المدنيين والعسكريين!! وأين هي المسيرات الحاشدة المطالبة باسقاط النظام!! سيدتي شتان بين المشهد في ليبيا واليمن من جانب وبين المشهد في سوريا.

    • زائر 7 | 1:46 ص

      إلى الامام

      مقال رائع
      و كم انت رائعه و لقد أبهرتيني حين وقفتِ باتجاه الريح العاتيه و غيرتي مسار الدفه في حياتك رغم سوء الاحوال الجويه الرديئه جداً انت واحده من النساء التي نفخر بها ويفخر بها هذا الوطن

    • زائر 6 | 1:29 ص

      لن نرضى بغير الكرامة

      بداية , هذا الجيل الجديد لن يرضى بغير الكرامة , مهما عملت الانظمة واستخدمت عضلاتها ومجنزراتها واسلحتها الفتاكه , ومهما تفننت فى التعذيب والعقاب الجماعى ...فكل ما تقوم به مبنى على العضلات ..وهذا الجيل لا يعترف بالعضلات انما يعترف بالعقل والذكاء والابتكار ...فلن تستطيع الانظمة ان تواكب عقله وفكره و ستنهزم حتما .

    • زائر 4 | 12:46 ص

      مقال جميل جدا

      حبذا هذه المقالات الرائعة

    • زائر 3 | 12:46 ص

      جيفري

      أذكر يوم كان عمري 16 سنة قلت للوالد الله يطول عمره، يبه أبي أسجل في صالة ألعب حديد
      وعصب علي الوالد وقام يقول ليش وليش
      ويش بتستفيد؟ قلت ليه بعدل جسمي والناس كلها بتحترمني..
      قال لي : الناس بتحترمك بأخلاقك وشهاداتك مو بعضلاتك يا ولدي
      ياولدي كل ما تصير قوي في أقوى منك

    • زائر 1 | 10:46 م

      شكرا

      شكرا دائما تضعين النقاط على الحروف في مكانها الصحيح

اقرأ ايضاً