العدد 3407 - الأربعاء 04 يناير 2012م الموافق 10 صفر 1433هـ

طقوس كي وحرق المبدل

حسين محمد حسين comments [at] alwasatnews.com

.

من خلال ما تم تناوله في الفصول السابقة نلاحظ الأسماء البديلة للمبدل، فأحياناً يصرح أن الطفل مبدل وأحياناً يقال مصاب بالضرورة، أو مصاب بعرة أو يوصف بأنه «متعسر»، وقد تناولنا في الفصول السابقة مجموعة من الطقوس التي تستخدم في علاج أو استرجاع الطفل المستبدل من قبل الجن، وفي هذا الفصل سنتناول مجموعة أخرى من الطقوس ولكنها الطقوس الأكثر قسوة على الطفل، إلا أننا لن نتناول كل تلك الطقوس التي يمكن الرجوع لها في عدد من المراجع. ومن أقدم الكتب التي تناولت طرق علاج أو استرجاع الطفل المستبدل هو كتاب Hartland المعنون «The Science of Fairy Tales» والذي صدرت طبعته الأولى العام 1891م (انظر الصفحات 120 - 134)، وقد اعتمدنا هنا النسخة الإلكترونية الموافقة في الترقيم لطبعة (Detroit 1986). ويلاحظ أن عدداً كبيراً من تلك الطقوس التي ذكرها Hartland هي طقوس بشعة وعنيفة، إنها طقوس شبَّهها البعض بطقوس التخلص من الأطفال أو تقديمهم كقربان (Evans Wentz، 1911، PP. 246).

ومن الدراسات الحديثة التي تناولت المبدل دراسة (Joyce Munro Munro 1997) والتي قامت بتحليل خمسة وعشرين قصة للمبدل من مختلف دول أوروبا، وقد قامت الكاتبة بتحديد طرق علاج المبدل، وكتبت معلقة عن عددٍ من تلك الطرق أنها «من بقايا طرق التعذيب التي كانت منتشرة في العصور الوسطى». وتتراوح شدة هذه الطقوس بين الضرب والتهديد بالكي إلى الكي والحرق بالنار وربما أدت بموت الطفل. وجوهر فكرة إيذاء المبدل هو اعتقاد الجماعات الشعبية أن الجان سيخافون على أبنهم ويسارعون في استعادته.


ضرب المبدل وإيذاؤه جسدياً

رصدت Munro عملية ضرب المبدل كطريقة لاستعادة الطفل المستبدل في عددٍ من القصص التي جمعتها (Munro 1997) وتختلف الأداة المستخدمة في عملية الضرب بحسب ثقافة الجماعة الشعبية (Hartland 1891، p. 119)، كذلك ذكر حسن الشامي في قصة المبدل في مصر أن الأب ضرب المبدل بالسياط (El-shami 1982، p. 180)، أما في العراق فيمارس طقس غريب في علاج الطفل المصاب بالجن حيث يتم عض الطفل، وقد أصبح العض مهنة امتهنها البعض وذلك بحسب علي الفتال في كتابه «التواصل في تراثنا الشعبي»: «إذا لم تنفع العقاقير مع الطفل في شفائه تحمل الأم وليدها إلى (العضاض) وهذا هو اسم الشخص الذي يكون هو الملجأ الأخير في شفاء المرضى والمخروعين من الحيوانات والجن. فيمسك العضاض هذا بيد المريض ويعضها من المكان المتوسط بين سبابته وإبهامه عضاً فظيعاً إلى أن يخرج الجن من أصابع المريض فيشفى من مرضه، بعد أن يتجرع آلام العض ... إن أمثال هذا العضاض اتخذوا من مهنتهم هذه مصدر رزق لهم ليس غير وقد لا يكونون على علم بما فكر الأولون» (الفتال 2005، ص 107 - 108).


التهديد بالكيِّ

يتم تهديد المبدل بكيه بالحديد المحمي على النار وذلك لإخافة والديه فيسترجعاه، فأحياناً يتم إحماء رفش (مجرفة) حتى يحمر من شدة الحرارة ويتم تقريبه من المبدل (Hartland 1891، p. 120)، وهذا شبيه بالطقس المتبع في فلسطين حيث يذكر صالح شبانة في مقاله عن المبدل من طرق علاج المبدل: «إحضار فأس ووضعها بالنار حتى تصبح بلون الجمر، ثم يصب عليها الماء، فيتصاعد البخار وهنا يتم تعريض الطفل للبخار الحار، حيث يضطر الجن لأخذ ابنهم وإعادة ابن الإنس» (شبانة 2009، نقلاً عن سرحان 1989).


الكيُّ بالنار

أحياناً لا ينفع التهديد فيتم الانتقال إلى درجة أشد فيتم كي الطفل بالحديد، وفي قضية موثقة نشرتها Daily Telegraph في شهر مايو/أيار العام 1884م، وفي تفاصيل القصة أن امرأتين شكتا في أن ابن جارتهما البالغ من العمر ثلاث سنوات كونه «مبدل» فقاما في غياب الأم بالدخول إلى المنزل وقاما بإحماء رفش ثم قامتا بخلع ملابس الطفل ومن ثم وضعه على الرفش، وقد تم القبض عليهما ووجهت لهما تهمة إساءة معاملة الطفل بصورة وحشية (Hartland 1891، p. 121).

لقد كان ولايزال راسخاً في عقول العديد من الجماعات الشعبية أن الكي يفيد كعلاج عن المصاب بالجن، ومن أوائل الكتب التي صورت بالرسوم الملونة عملية الكي هو كتاب الطبيب التركي Serefeddin Sabuncuoglu (1386-1470) والذي قام برسم الصور بنفسه، وهي توضح عملية الكي كعلاج عن بعض الأمراض النفسية (Sabuncuoglu 2006)، وفي الوقت الراهن مازال يستخدم الكي كعلاج عن الأمراض التي تزعم العامة أنها بسبب الجن، وعمليات الكي هذه تتباين في شدتها وقد تؤدي بأضرار شديدة على الشخص الذي يتم كيه وربما تؤدي للموت، والمتصفح للشبكة العنكبوتية يمكنه العثور على العديد من تلك الحالات، وعلى سبيل المثال ما نشرته صحيفة «عكاض» (العدد 3835، الصادر بتاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2011) في خبر بعنوان «الجن يقتل امرأه في المدينة»: «توفيت مواطنة في الأربعين من العمر أمس الأول في المدينة المنورة متأثرة بحروق شديدة وآثار ضرب مبرح، بعد نقلها إلى مستشفى الملك فهد بساعات. وأكدت مصادر قريبة من التحقيقات أن المرأة توفيت نتيجة ضرب وحرق تعرضت لهما، إلا أن مدير شرطة قباء في المدينة المنورة، العقيد عبدالله السراني قال: «المرأة هي من ضربت نفسها وحرقت جميع أجزاء جسمها بالنار بعد إصابتها بمس من الجن»، كما أوضحت التحقيقات أن جميع أفراد الأسرة مصابون بالمس، مشيراً إلى أن المرأة توفيت بعد نقلها للمستشفى نتيجة كيها لكامل جسدها بالنار وضرب نفسها نتيجة معاناتها من آلام مبرحة، مضيفاً أن الوفاة سجلت بأنها طبيعية وليست جنائية وتم تحويل أوراق القضية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام. وأوضح مصدر أمني لـ «عكاظ» أن الأسرة المكونة من عدد من النساء والرجال مصابون بالمس بحسب ما أوضحه أحد رقاة محافظة العلا، الذي نصحهم بتغيير مقر سكنهم والانتقال إلى المدينة المنورة».


التهديد بالحرق

ذُكر عدد من القصص عن المبدل من سكوتلندا (Gregor 1881، pp 8-9) والسويد (Hoftberg 1893، pp. 176-178) وأيسلندا (Arnason 1864، pp. 41-44) أن من طرق استعادة الطفل المستبدل هو تقريب الطفل من النار أو أن يوضع في سلة ويعلق فوق النار، وفي بعض تلك القصص أن الطفل يهرب من المدخنة وفي قصص أخرى أن أم الطفل أي الجنية ستظهر لتأخذ طفلها وهي تقول: «إنني عاملت طفلكم بكل عطف بينما أنتم تؤذون طفلي».


حرق الطفل حياً

من القصص النادرة هي قصص حرق الطفل المبدل حياً حيث يعتقد أنه بإحراق المبدل فإنه سيختفي ويظهر حينها الطفل الحقيقي، وهناك قصة ذكرت من الدنمارك تحتوي على طقس حرق المبدل (Keightley 1850، pp. 125-126). ربما حدث أن أحرق طفل ولكن ربما يكون ذلك في القرون الوسطى فهناك العديد من حالات قتل الأطفال حديثي الولادة في تلك الحقبة وهو ما سنتطرق له في الفصل المقبل، أما آخر حالة حرق موثقة توثيقاً جيداً فقد حدثت العام 1895م وهو حرق Bridget Cleary التي مرضت فشك زوجها وأهلها أنها ليست الزوجة بل تم تبديلها بأخرى من قبل الجن، وبدأ الزوج وأهلها في بادئ الأمر بتهديدها بالحرق وذلك بتقريبها من النار، وفي يوم بدأ الزوج لوحده يهددها بالحرق وتمادى بالتهديد حيث سكب عليها مادة شديدة الاشتعال وقربها من النار وفي لحظة أشتعل جسدها بالنار. وهناك عدد من الكتب والبحوث التي تناولت بالتفصيل محاكمة الزوج الذي أدين بالقتل غير المتعمد نظراً إلى أن الزوج يعتقد أنه أحرق «الجنية» وليست زوجته وأن زوجته ستعود في يوم ما. آخر ما عرض من برامج تناول هذه القضية هو ما عرضته قناة BBC القناة الرابعة في ديسمبر 2011 ضمن سلسلة برنامج Gods and Monsters حيث تناولت الحلقة الثانية من هذا البرنامج معتقد المبدل وذكرت قصة Bridget Cleary بالتفصيل

إقرأ أيضا لـ "حسين محمد حسين"

العدد 3407 - الأربعاء 04 يناير 2012م الموافق 10 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً