العدد 3416 - الجمعة 13 يناير 2012م الموافق 19 صفر 1433هـ

في الذكرى الأولى لانتصار الثورة: طوبى لكِ يا تونس الخضراء

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

صحيح أنّ السياسيين والمؤرخين في تونس اختلفوا بخصوص التأريخ لثورة الكرامة: أهو تاريخ اندلاع شرارتها الأولى 17 ديسمبر / كاون الأول 2010 أم تاريخ تحقق مطالب الجماهير الحاشدة المعتصمة أمام مبنى وزارة الداخلية والمنادية برحيل (degage) الرئيس المخلوع الفارّ يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011؟

ولكن أيّاً كان التاريخ الذي ستعتمده تونس لتخليد ثورتها والتأريخ لها، فإن الصحيح والثابت أن يوم 14 يناير 2011 لن يُمحَى من ذاكرة كل تونسي بل كل عربي، ذلك أن هذا التاريخ كتبه الشعب التونسي، أما تواريخ العهد البائد فقد كتبها أشخاص آحاد لن يعتد التاريخ بذكراهم لأن التواريخ الثابتة والخالدة هي تلك التي تصنعها الشعوب.

وفي الذكرى الأولى للثورة التونسية ينقسم التونسيون، كغيرهم من إخوانهم العرب بعد نجاح الثورة في مصر وليبيا واستمرار الاحتجاج والاعتصام في سورية واليمن والتحركات الشعبية هنا وهناك، والإصلاحات الكثيرة التي أقرتها الأنظمة العربية، ينقسمون بين متفائل ومتشائم من هذه الثورة. ولن ينفع في مثل هذه التحركات الوقوف موقفاً وسطياً «متشائلاً»، وإنما من عاش أكثر من نصف قرن من الظلم السياسي والتفاوت الاجتماعي و... لن يكون إلا متفائلاً بهذه الثورة التونسية، خصوصاً وهو يرى مدى سلميّتها وسلاسة الانتقالات فيها ونضج الوعي السياسي فيها، ما يؤهلها لتكون نموذجاً يُحتذَى. فما هي أبرز الصور التي تركتها الثورة في ذاكرة كل عربي؟

- لاشك أن الشرارة الأولى بإقدام محمد البوعزيزي على إحراق نفسه في 17 ديسمبر2010 ذكرى مجّدها وسوف يمجّدها التونسيون على مرّ مستقبلهم، حيث أوقف هذا البائع المتجول حكم عهد التحول والتغوّل دون رجعة.

- لحظة إعلان قناة «الجزيرة» عن هروب ابن علي ثم خروج ذلك المواطن التونسي مخترقاً صمت حضر التجول صائحاً بأعلى صوته «بن علي هرب... الحرية للتوانسة... الشعب التونسي حر ...المجد للشهداء».

- التضامن الشعبي التلقائي لحماية العباد والمؤسسات بعد الانفلات الأمني الطبيعي عقب الثورة، لكن الثورة كانت في العقول والقلوب وانعكست في السلوك وأبان الشعب التونسي عن معدنه الطيب فكانت لجان الأحياء.

- اعتصام القصبة 1و2 وسحب البساط من حكومة محمد الغنوشي وأسماء من العهد البائد وتشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة الوزير الأسبق الباجي قايد السبسي الذي تعهد بالاستقالة وفريق حكومته فور انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي والتوافق على حكومة منتخبة.

- التعددية الحزبية حيث أخذت أغلب الأحزاب المحظورة تأشيرات عمل قانونية وشاركت في الحياة السياسية فكانت صائفة 2011 محمومة سياسياً، استعداداً لانتخابات ديمقراطية.

- الحرية الإعلامية التي ما انفكت تناضل من أجلها أجيال وأجيال من الإعلاميين، وميلاد عدد كبير من الصحف الجديدة تتسع لكل الرؤى مهما تباينت دون إقصاء أو تهميش.

- عودة رموز النضال السياسي والحقوقي وعلى رأسهم المنصف المرزوقي والمفكر الإسلامي الشيخ راشد الغنوشي بعد سنوات من المنفى والتهجير، وخروج أسماء عديدة لها وزنها من السجون التونسية.

- وقفة تونسية شعبية في عزّ الأزمة الاقتصادية مع الأشقاء اللاجئين من ليبيا حيث تقاسموا الدُورَ والمأكول، كما هبت منظمات عالمية ودول شقيقة وصديقة ترفد هذا التضامن الشعبي التونسي وتعززه بإمكانياتها الضخمة لاحتواء عشرات آلاف اللاجئين من الجبل الغربي وشمال ليبيا إلى جنوب تونس، ليبيا التي حوّلها الكتاب الأخضر في الصيف الماضي إلى كتاب أحمر مداده من دماء الشعب وصفحاته من جلودهم البريئة.

- ولاشك أن الحدث الأبرز هو تنظيم أول انتخابات تونسية حرة ونزيهة وبإشراف هيئة مستقلة يرأسها المناضل العائد كمال الجندوبي الذي اشتغل وفريقه بحرفية عز نظيرها، ثم كان يوم الامتحان يوم الانتخاب ولم تفز الأحزاب أو المستقلون وإنما فازت تونس قاطبة وبشهادة المراقبين الدوليين.

- توزيع الرئاسات الثلاثة بين الأحزاب الأكثر تمثيلاً في المجلس التأسيسي حيث انتخب مصطفى بن جعفر رئيساً للمجلس والمنصف المرزوقي رئيساً للجمهورية الذي كلف الأمين العام لحركة النهضة الحزب حمادي الجبالي الحائز على أكبر عدد من الأصوات في المجلس بتشكيل حكومة مؤقتة لإدارة البلاد ولمدة سنة إلى حين الانتهاء من صياغة الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

- ومن المشاهد التي عزّ نظيرها في الدول الديمقراطية موكب تسلّم وتسليم رئيس الجمهورية المؤقت السابق فؤاد المبزع لمهامه إلى خلفه الشرعي والقانوني المنصف المرزوقي، وكذلك حفل تكريم وتسليم المهام من حكومة الباجي قايد السبسي الوقتية إلى حكومة حمادي الجبالي الشرعية.

فطوبى لتونس بهذه الثورة المباركة، طوبى لك يا بلداً لم يكن يعرفك عامة العرب إلا بكلمة «بارشا بارشا»، وها أنت اليوم يا قرطاج يعرفونك بأسماء شتى: فأنت تونس الكرامة، وأنت تونس الحرية، وأنت مهد الثورات العربية، وأنت مهد الديمقراطية العربية، وأنت ثورة الياسمين. الكل يتطلع إليك يعلق الآمال عليك. فهنيئاً لشعبنا التونسي بهذه الثورة التي لا يجب أن تتوقف إنجازاتها إلا لتبدأ من جديد حتى تحقق ما من أجله ضحى الشباب بدمائهم فتنصف كل مظلوم، وترد الاعتبار لكل محروم، ويأخذ العدل مجراه ضد كل مسئول تلوّثت يداه بدماء الأبرياء

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3416 - الجمعة 13 يناير 2012م الموافق 19 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 3:18 م

      ما أجملها

      وقفة تونسية شعبية في عزّ الأزمة الاقتصادية مع الأشقاء اللاجئين من ليبيا حيث تقاسموا الدُورَ والمأكول، كما هبت منظمات عالمية ودول شقيقة وصديقة ترفد هذا التضامن الشعبي التونسي وتعززه بإمكانياتها الضخمة لاحتواء عشرات آلاف اللاجئين من الجبل الغربي وشمال ليبيا إلى جنوب تونس،

    • زائر 7 | 2:49 م

      نجحنا

      في المرحلة الانتقالية الأولى
      فهل سننجح في المرحلة الانتقالية 2 ؟؟؟؟؟؟؟؟
      صعوبات عدبدة

      كان الله في العون

    • زائر 6 | 6:51 ص

      ما فعلتموه عظيم

      حقا بالنظر لغيركم نجحتم

    • زائر 5 | 6:35 ص

      متفائلون

      نعم أنا متفائل لهذه الأسباب
      مدى سلميّتها وسلاسة الانتقالات فيها ونضج الوعي السياسي فيها، ما يؤهلها لتكون نموذجاً يُحتذَى. فما هي أبرز الصور التي تركتها الثورة في ذاكرة كل عربي

    • زائر 4 | 6:23 ص

      مبروك لكم استاد

      والله تستاهلون
      الله يحفظ تونس وشعب تونس العظيم

    • زائر 3 | 12:58 ص

      تونس الخضراء

      طوبى لتونس هذا البلد الجميل الأخضر ما وجدت فيه إلى الخير والبركة صحيح أن العرب لم يكونوا يعرفونك جيدا ولكن اليوم هم يفتخرن بك وبثورتك المجيد

    • زائر 1 | 11:48 م

      هنيئا

      فهنيئاً لشعبنا التونسي بهذه الثورة التي لا يجب أن تتوقف إنجازاتها إلا لتبدأ من جديد حتى تحقق ما من أجله ضحى الشباب بدمائهم فتنصف كل مظلوم، وترد الاعتبار لكل محروم، ويأخذ العدل مجراه ضد كل مسئول تلوّثت يداه بدماء الأبرياء

اقرأ ايضاً