العدد 3416 - الجمعة 13 يناير 2012م الموافق 19 صفر 1433هـ

ثورة القيم في زمن «وحشي»

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

موقفان متميزان جداً يمثل أحدهما قمة النُبل والسمو الإنساني الذي خلق الله تعالى البشر ليصلوا إليه، يقابله موقف آخر يشكل مثالاً لشهوة تعذيب النفس البشرية وخَلق الله تعالى. الموقف الأول صاحبه سبط الرسول الأعظم (ص) وفلذة كبده وسيد شباب أهل الجنة.

أما صاحب الموقف الآخر، فهي امرأة خلعت رداء الأنوثة والرقة والحنان وتلفعت بعباءة وحوش الرجال ومجرمي ذاك الزمان، إذ جلست تتأمل وجه زوجها وسؤال يقض مضجعها: ماذا حدث في مكة؟ أفحقّاً ستسقط أصنام الكعبة؟ ولأنها لا تعرف سوى الصنمية ديناً وعبادة سادة المال والسلطة المطلقة مذهباً، فقد اقترفت أبشع جرم في التاريخ البشري بل وكانت هي المفتتحة لحفل المُثلة بمناضلي المسلمين فيما بعد عند وصول بني أمية لسدة الحكم وبطشهم بالعباد المعارضين لهم.

صاحب الموقف الأول الإمام الحسين بن على (ع)، ابتلت لحيته الكريمة وهو يبكي على تلك الجحافل الشريرة التي تكالبت على أرض كربلاء لقتاله، لا جزعاً من كثرتها وهو البطل المشهود له في كل حروبه، ولكن كان يبكي لهذه الجموع التي يقودها العمى عن رؤية الحق والباطل وتقودها شهوة الدنيا لدخول النار وبئس المصير. يبكي لهؤلاء المحيطين به لأنه كان يسمو بخلقه ونبله وتعاليم دينه الحنيف فوق كل الجراحات التي يسببها له أولئك القتلة المأجورون وهو يقف شامخاً كالطود لا يهزه ريح يدعو لهم بالهداية ويسعى لأن يجنبهم دخول النار بسبب قتالهم له، يسعى لفتح بصيرتهم ولكن حب الدنيا أعمى بصيرتهم كما هم أهل الباطل في كل زمان. ولذا فهيهات من أهل العمى الهداية، فقد جبلوا على الغدر والنفاق ولعق أقدام السلطان، فلم يستمعوا لوعظ الإمام الناصح.

بينما نرى المرأة كما نعرف ترمز للرحمة وتجنح للموادعة، لكن تلك المرأة لم تكتفِ بأن يخرج زوجها وابناها لمعركة «أحد» بل أصرت على الخروج بنفسها وحملت نساء البطون على الخروج، لتشهد العنف والدم على الطبيعة! وهي تخطط مع العبد الحبشي وحشي وتمنيه بالهدايا وأمور أخرى يسيل لها لعابه، فتحرضه إما لقتل رسول الله (ص) أو علي أو حمزة بن عبد المطلب. فقال لها وحشي: أما محمد فلا حيلة لي فيه لأن أصحابه يطيفون به، وأما علي فإنه إذا قاتل كان أحذر من الذئب، وأما حمزة فإني أطمع فيه، لأنه إذا غضب لم يبصر بين يديه.

وكان حمزة يومئذ قد أُعلم بريشة نعامة في صدره، فكمن له وحشي في أصل شجرة، فرآه حمزة فبدر إليه بالسيف فضربه ضربة أخطأت رأسه، قال وحشي: وهززت حربتي حتى إذا تمكنت منه رميته فأصبته في أربيته (أسفل بطنه) فأنفذته، وتركته حتى إذا برد صرت إليه فأخذت حربتي، وشغل عني وعنه المسلمون بهزيمتهم.

وقارنوا هذا الموقف بين بكاء الحسين (ع) على أعدائه وهم الخاطئون في كل الأحوال، وبين هذه المرأة التي جاءت بعد أن قُتل حمزة فعمدت إلى قطع أذنيه وجعلتهما خرصين وشدتهما في عنقها، وقطعت يديه ورجليه، وشوهت أعضاءه الحساسة. ولم تكتفِ بذلك بل عمدت إلى سكين وبأعصاب باردة شقت بطن حمزة عم رسول الله واستخرجت كبده فمضغتها ثم استرطبتها لتأكلها، فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها. فمضى رسول الله (ص) يلتمس حمزة، فوجده وقد بقروا بطنه عن كبده! فقال حين رآه: أما إنه لولا أن تحزن صفية ويكون سنة بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير! ثم قال: والله ما وقفت موقفاً قط أغيظ لي من هذا الموقف! فهبط جبرئيل فقال: يا محمد، إنه مكتوب في أهل السماوات إن حمزة أسد الله وأسد رسوله. ثم أمر به فسجي ببردة ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى يوضعون إلى حمزة فيصلي عليه وعليهم حتى صلى اثنين وسبعين صلاة... ثم أمر به فدفن في مكان مصرعه، وأمر بالقتلى كذلك أن يدفنوا في مصارعهم وقال: أنا أشهد على هؤلاء أنه ما من أحد يجرح في الله إلا واللهُ عز وجل يبعثه يوم القيامة بدم جرحه، اللون لون الدم والريح ريح المسك. فهنيئاً للشهداء ممن يستشهدون في سبيل الحق الإلهي بهذا الدعاء.

وبذلك كانت هذه المرأة أول من سن في الإسلام هذه السنة الوحشية، أي أنها أول من مثل بأصحاب النبي (ص) وأمرت النساء بالمثلة وبجدع الأنوف والآذان، فقد كانت شديدة العداوة للرسول الكريم (ص) بمكة.

هذه هي البيئة التي أنتجت مأساة كربلاء، حيث ورث العنف والتنكيل بالخصوم كابراً عن كابر. وهذه هي المدرسة التي يراد لها أن تسود في زمن الربيع العربي

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3416 - الجمعة 13 يناير 2012م الموافق 19 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:18 م

      القيم..

      تق أيها الكاتب الكريم ان لا قيم أخلاقية ولا أسلامية لكل أمرء ينوي وأن لا يفعل الاساءة لأخيه ماديا أو معنويا
      لهم خزي في الدنيا وفي الاخرة جهنم وبئس المصير...

    • زائر 4 | 12:33 ص

      الحمد لله رأينا أمثلة في زماننا على تلك الخسة

      انتجت لنا الظروف نفس تلك الارواح الشريرة التي نزعت الرحمة من قلوبها بسبب سوء مكسبها فاصبحت لا يرق لها جفن لمناظر البؤس والالم
      فلا انسانية ولا مباديء دينية وكأن الادنيان السماوية نزلت بالقسوة والمعاملة الوحشية
      في الاسم مسلمين وفي الصورة صورة بشر ولكن على ارض الممارسات فلا اسلام ولا انسانية
      ولا خوف من الله ولا من عقابه

اقرأ ايضاً