العدد 3437 - الجمعة 03 فبراير 2012م الموافق 11 ربيع الاول 1433هـ

الهيئة من التأسيس في 1954 إلى إعلان الطوارئ في 1956

عبدالكريم العليوات يتذكر (7)...

عبدالكريم العليوات
عبدالكريم العليوات

الزمن لا يشيخ؛ وخصوصاً للذين هم شاهدون عليه. هم يمثلونه في أكثر من قلب وحس إضافي في اللحظات الفارقة والحاسمة. هم ثرمومتر الزمن. البعض يريد للزمن أن يشيخ ويهرم ضمن شروطه واصطفافه أو حتى مزاجه. ذلك لن يحدث؛ لأن الزمن ليس أجيراً عند أحد بالمساومة أو براتب مقتطع يحدده صاحب مزاج أو وهم.

عبدالكريم العليوات واحد من شهود مرحلة فاصلة امتدت منذ منتصف القرن العشرين وشهد أحداثاً وتحولات.

وحين يتذكر هنا لا ليذهب في السرد، بقدر ما يذهب في محصلات ذلك السرد. يواصل عبدالكريم العليوات حديث الذكريات.


حركة الهيئة بدأت من قصص نجاح

تصدت الهيئة لقيادة الشعب بمختلف فئاته، وتأسست بسبب نجاح النخبة السنية والشيعية بصورة موحدة في إخماد الفتنة الطائفية، التي نشبت في عاشوراء 1953، ومن ثم نجحت النخبة ذاتها في حل أزمة التأمين على السيارات وأنهت إضراب سائقي التاكسي. وعلى أساس هذا النجاح الباهر تأسست «الهيئة التنفيذية العليا» في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 1954 بعد اجتماع حاشد في مأتم بن خميس في السنابس وتشكلت القيادة من والدي عبدعلي العليوات، عبدالعزيز الشملان، عبدالرحمن الباكر، الحاج عبدالله أبوديب، سيدعلي كمال الدين، إبراهيم بن موسى، إبراهيم فخرو، ومحسن التاجر.

طرحت الهيئة المطالب الوطنية التي لازلنا نتحدث عنها إلى اليوم، وهي ذاتها لم تتغير. وقد أعلنت الهيئة الإضراب العام ما بين 4 و10 ديسمبر/ كانون الأول 1954 احتجاجاً على تجاهل الحكومة مطالب الشعب التي قدمتها الهيئة.

بعد ذلك ردت الحكومة عبر تعيين خبير انجليزي لكتابة قانون جنائي وإصلاح القضاء وتعيين هيئة مؤقتة للنظر في شئون المعارف والصحة والمحاكم والأمن، ولكن الهيئة رفضت ذلك لأنها قاصرة الصلاحيات وغير منتخبة.

كما استجابت الحكومة بالنسبة لإعادة الانتخابات البلدية على أسس عادلة، ولكن الحكومة أعلنت عن تنظيم انتخابات على النهج القديم نفسه في 9 فبراير/ شباط 1955، وكردة فعل على ذلك دعت الهيئة إلى مقاطعة الانتخابات لأن الحكومة رفضت الحوار.

وتطور الأمر لاحقاً إلى أن تعلن الهيئة عن إضراب للأسواق في 21 مايو/ أيار 1955 وهذا كان يصادف عيد الفطر، كما نظمت الهيئة لقاءات تآلف بين الشيعة والسنة في فترة الإضراب.

لكن الأحداث الخارجية، ولاسيما في مصر آنذاك كانت تضغط على الأوضاع الداخلية، وحدث أن قام بعض الناس الذين كانوا في استاد المحرق في 2 فبراير/ شباط 1956 وصادف مرور موكب وزير الخارجية البريطاني آنذاك سلوين لويد للبحرين، فخرج الناس من استاد المحرق الرياضي ورشقوا الوزير بالحجارة، وهذا أدى لإقحام الهيئة في قضايا لم تكن في حسبانها.

مع ذلك، كانت هناك تنازلات لصالح الهيئة، إذ استجابت الحكومة لأحد المطالب في 10 فبراير/ شباط 1956 وسمحت بإجراء انتخابات لمجلسي الصحة والمعارف (5 بالانتخاب، 3 بالتعيين)، وفاز مرشحو الهيئة بجميع المقاعد المنتخبة، ولكن الحكومة قامت بتعيين الذين خسروا في الانتخابات في المقاعد المعينة، ما أثار استياء الهيئة وقررت أن لا تحضر الاجتماعات.

تطورت الأمر أكثر مع حادث بالقرب من بلدية المنامة في 11 مارس/ آذار 1956 نتج عنه سقوط 9 من المواطنين قتلى بعد اعتقال أحد باعة الخضرة وحدوث احتجاجات.


الاعتراف بالهيئة في 1956 وتغيير الاسم

وفي وسط كل هذه الأحداث الجسيمة، حصلت الهيئة على إنجاز تاريخي على مستوى الخليج العربي كله، إذ اعترفت الحكومة بها كحزب سياسي في 16 مارس 1956، وذلك بعد أن وافق قادة الهيئة على تغيير اسمها من «الهيئة التنفيذية العليا» إلى «هيئة الاتحاد الوطني»، وهي بذلك أو حزب سياسي في الخليج العربي يحصل على اعتراف رسمي. وقد اشترطت الحكومة مغادرة الباكر البحرين قبل الاعتراف الرسمي، وتولى والدي وعبدالعزيز الشملان قيادة الهيئة.

الهيئة كانت أيضاً طرحت مطلباً صعباً جداً على الحكومة وهو إقالة المستشار تشارلز بلغريف، وقد كان هذا المطلب مقبولاً لأن المستشار حكم الشئون الداخلية حينها لمدة ثلاثين عاماً، كما شعر قادة المعارضة أن هذا المطلب أصبح مقبولاً حتى بالنسبة لبريطانيا، ولكن كانوا يريدون بلغريف أن يخرج من الساحة السياسية مع حفظ ماء الوجه.

وبالفعل، فقد نوهت الجهات الرسمية في يونيو/ حزيران 1956 إلى أن تشارلز بلغريف سيتقاعد، وأن مدير الجمارك آنذاك سميث سيتسلم منصباً جديداً باسم «سكرتير حكومة البحرين»، وهذا حدث لاحقاً في 1957، وذلك بعد أن تدهورت الأمور أكثر من ذي قبل. ومن المهم الإشارة إلى أن سميث تسلم منصبه الجديد في 23 يناير 1957 كسكرتير لحكومة البحرين، ورحل بلغريف عن البحرين في 18 أبريل 1957... ولكن قبل كل ذلك حدثت تطورات خطيرة جداً.


أثر الأحداث في مصر على البحرين

ولكن الأحداث في مصر وترت الأوضاع في المنطقة وانعكس ذلك على البحرين، واتخذت الحكومة ذلك حجة للإجهاز على الهيئة. ففي 26 يوليو/ تموز 1956 أعلن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، واشتعل الشارع العربي، ومعه الشارع البحريني تأييداً له، وقامت الهيئة بالدخول في هذه النشاطات، وهذا أخرجها عن نطاق عملها الأصلي المتخصص في الشأن الداخلي، إذ أعلنت الإضراب في 16 أغسطس/ آب 1956 احتجاجاً على بريطانيا وفرنسا. وفي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 1956 انفلت الوضع في البحرين بعد العدوان الثلاثي على مصر.


نزول الجيش البريطاني وحل الهيئة

حصل أعداء الهيئة على الفرصة التي كانوا ينتظرونها، ونزل الجيش البريطاني في شوارع البحرين في 6 نوفمبر 1956 وتم اعتقال قادة هيئة الاتحاد الوطني كما تم حل الهيئة، وأعلنت حالة الطوارئ في البحرين.

وهكذا، وبعد سنتين من قيادة هيئة الاتحاد الوطني للعمل، وفي فترة العدوان الثلاثي على مصر، نرى كيف أن تظاهرات صاخبة ضد العدوان ومؤيدة لجمال عبدالناصر بقيادة الهيئة انجرت إلى منحى لم تتصوره الهيئة، وقد اندست عناصر مغرضة وقامت بالتخريب وإضرام النار في أماكن عديدة، فنزل الجيش البريطاني.


اعتقال قادة الهيئة

تم اعتقال أربعة من قادة الهيئة وهم: عبدعلي العليوات، وعبدالرحمن الباكر، وإبراهيم بن موسى، وإبراهيم فخرو في 6 نوفمبر 1956.

أما عبدالله أبوديب فقد أرسل له المستشار واستدعاه وقال له: نحن نعلم أنك في الهيئة، ولا نرغب في اعتقالك وأنت رجل كبير في السن. فقال أبوديب: نعم أنا رجل كبير، لكنني أستطيع أن أعمل أكثر من الذين اعتقلتموهم. فقال له المستشار: إذا كان الأمر كذلك فسأعتقلك. فرد أبوديب: أنا لست بأحسن منهم (يقصد قيادات الهيئة المعتقلين) وبإمكانك أن تعتقلني، وأنا حاضر لكل شيء، إلا أن بلغريف لم يعتقله وخاصة أنه بالفعل كان كبيراً في السن.

وبعد القضاء على الهيئة والقبض على قياداتها دخلت البحرين في حالة هدوء سياسي ظاهري، لكنه يخفي أزمة سياسية عميقة جداً.

في هذه الفترة كان يتردَّد علينا شخص اسمه إبراهيم الصباح ويعرف بـ «أبوحمد الصباح» وهو في أبوظبي، وكان يؤكد أهمية بقاء الإضراب العام في البلاد. إلا أن الناس رجعوا إلى أعمالهم وفك الإضراب، وعلى رغم وجود قيادة أو صف ثانٍ للهيئة يحل محل القيادة في حال اعتقال الصف الأول، فإن هذا الصف لم يقم بقيادة الهيئة، وعاد الناس إلى أعمالهم، وانتهى الإضراب العام والعصيان المدني.


حيثيات اعتقال الوالد

اعتقل الوالد يوم الثلثاء (6 نوفمبر/ تشرين الثاني 1956)، في الفترة المسائية، وهو اليوم نفسه الذي اعتقل فيه الباكر والشملان. وعندما جاءوا لاعتقاله كان الوالد مستعداً لمثل هذه اللحظة؛ إذ كان بكامل لباسه ومرتدياً بشته، وكأنه يستعد للحظة الاعتقال، وكان متهيئاً لكل مكروه، حتى أنه عندما جاءوا إلى منزلنا بجلبتهم طلب منهم عدم إزعاج الجيران، وعدم الطرق على باب البيت.

دخلوا البيت لاعتقاله وكان كل أفراد الأسرة موجودين فيه، ثم توجهوا إلى غرفة النوم الخاصة بالوالد، فسألني أحد الشرطة: هل هذه غرفة الزعيم فعلاً؟ وكان السبب وراء السؤال هو ما وجده من بساطة في الغرفة لا تدل على ما يحظى به الوالد من مكانة قيادية. في هذه اللحظة سلم الوالد نفسه. فطلب مني أحد رجال الشرطة تفتيش الصندوق (الصندوق التجوري) الخاص بالوالد. فجاء المستشار وطلب مني إخراج الصندوق الحديد من النافذة وبعد محاولات من قبل الشرطة تبيَّن أنه لا يمكن إخراجه من النافذة. فعاد المستشار وطلب منهم إخراجه عن طريق تحطيم النافذة، وبالفعل قاموا بكسر النافذة وأخرجوه عنوة وأخذوه معهم.

بعد ذلك بمدة خاطبت الجهات المعنية لاسترجاع الصندوق واستعادة محتوياته فرفضت الحكومة إرجاعه أو إرجاع محتوياته حتى يومنا هذا. أما فيما يخص دوري في هذه اللحظة فلم يكن لي دور اللهم إلا مراقبة ما يجري. ولذلك بعد اعتقال الوالد قاموا باعتقال أخي فيصل لأنه الوحيد بين الإخوان الذي كان على علاقة بالهيئة ويعمل في مقرها.


ذكريات من تفتيش البيت

وهنا تحضرني حادثة عندما جاءوا لاعتقال الوالد؛ إذ أخذوا يفتشون غرف البيت غرفة غرفة، ثم جاء دور إحدى الغرف، فقال لهم أحد الضباط وكان بحسب ما عرفت لاحقاً انه من الشيوخ، لقد فتشنا الغرفة، وهو في الحقيقة لم يفتشها، وكان في ذلك قاصداً عدم تفتيشها. وفي الوقت نفسه كان معه ضباط إنجليز ورئيسهم أيضاً شخص إنجليزي، وأتذكر أن ذلك الإنجليزي عندما دخل إلى مجلس الوالد وجد صورة عبدالناصر معلقة على الجدار، فصرخ بصوت عالٍ: بورسعيد ستوب، بورسعيد ستوب، لا نريد مزيداً من المشكلات.

ومن الأشياء التي يجب ذكرها، أنه بعد اعتقال الوالد وبقية أعضاء الهيئة وكذلك أخي فيصل أصبح الناس يخشون الوقوف معنا أو الحديث إلينا، وذلك بسبب خوفهم من السلطة والنأي بأنفسهم عن أية تهمة، أو أية علاقة أو تعاطف مع الهيئة.

وهذه أمور مفهومة، وأعتقد أنها مازالت قائمة حتى الآن بالنسبة إلى المناضلين وأصحاب المواقف الوطنية.


الحكم على الوالد

أعلنت حالة الطوارئ وبدأت محاكمة قادة الهيئة في 22 ديسمبر 1956، وصدر الحكم على القادة الثلاثة في يوم واحد في مركز شرطة البديع في محكمة برئاسة الشيخ دعيج بن حمد وعضوية كل من الشيخ علي بن أحمد آل خليفة والشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، والمدعي العام رجل إنجليزي يدعى بني. لم نحضر المحكمة ولم نعرف ما هو الحكم الذي صدر بحق الوالد حينها، لكننا عرفنا فيما بعد أن حكم عليه مع زميليه الباكر والشملان بأربعة عشر عاماً. وكان ذلك يوم 23 ديسمبر/ كانون الأول 1956.

وبعد فترة تردَّدت شائعات أن الثلاثة سيتم تسفيرهم إلى سيشل والبعض يقول إلى جزيرة سانت هيلانه. ثم تأكدنا بعد ذلك عندما طلبوا منا تزويدهم بمستلزمات شخصية للوالد. أما التهم التي وجهت إلى الوالد وزميليه فهي:

- الاتصال ببلد أجنبي بهدف اغتيال الحاكم وأفراد أسرته ومحاولة قلب نظام الحكم.

- الإخلال بالأمن والقيام بالتظاهرات والاعتصامات.

- نشر معلومات مغلوطة في الصحف والتحريض.


نفي الوالد الى سانت هيلانة

على رغم طلب الشرطة منا مستلزمات شخصية للوالد، إلا أنهم لم يخبرونا أنهم سيقومون بنفيه مع زميليه الباكر والشملان، ومن خلال مقابلة قصيرة مع الوالد في مركز البديع بتاريخ 27 ديسمبر 1956، لم نكتشف أنهم سيسفرونه، ولم يخبروا الوالد، ولم يخبرونا هم أيضاً؛ إلا أننا اكتشفنا فيما بعد أنهم سفروه بالفعل إلى جزيرة سانت هيلانه بالمحيط الأطلسي. وفي الحقيقة أن الوالد برفقة زميليه وهم في السفينة التي أقلتهم إلى هذه الجزيرة النائية لم يعرفوا أنهم ذاهبون إلى سانت هيلانه إلا بعد مرور نحو 23 يوماً على مغادرتهم أرض الوطن وبالتحديد في 21 يناير/ كانون الثاني 1957.

وبالنسبة إلى بقية أعضاء قيادة الهيئة فقد تم سجنهم في القلعة، بينما تم تسفير السيدعلي كمال الدين إلى العراق، وبذلك يكون قد أسدل الستار على أهم حركة سياسية في تاريخ البحرين الحديث. بعد تسفير الوالد تحملت مسئولية العائلة الكبيرة وتتكون من أسرتي وعائلة الوالد الإخوان والأخوات، وهي مسئولية كبيرة، لكنني قمت بالواجب، وبما هو مطلوب في مثل هذه الحالات

العدد 3437 - الجمعة 03 فبراير 2012م الموافق 11 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:56 ص

      سبحان الله

      من الخمسينات لحين وهذي اوضاعنه مطالب وقمع

    • زائر 2 | 11:45 م

      الحقيقة

      من المهم أخذ وجهات نظر باقي الاحياء من الاعضاء وابناء الموتى الاعضاء حتى لا ينفرد احد ب بقصص تظهر تميز طرف ضد آخر او تظهر احجام لا تتناسب مع أدوارهم.... والله من وراء القصد

اقرأ ايضاً