العدد 3465 - الجمعة 02 مارس 2012م الموافق 09 ربيع الثاني 1433هـ

استغلال الدين لحرف الثورات

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

لا تقتصر محاولات الحراكات المضادة لأهداف ومسارات الثورات على الجانب السياسي، إذ ان وعي الناس وحماسهم الفطري إبان بدايات الثورات يجعلهم غير قابلين للاختراق أو الانحراف من قبل الخطاب السياسي المشكك في أو المناهض للثورات. عند ذاك يلجأ أعداء الثورة إلى أسلحة الجوانب الأخرى وعلى رأسها أسلحة الثقافة والدين، وهذا بعض ما تواجهه الثورات العربية حالياً.

فأعداء الثورات أدركوا مبكراً أنهم لا يستطيعون محاربة تلك الثورات من خلال نشر خطاب سياسي يتعاطف مع الأنظمة السياسية الأمنية الفاسدة الناهبة الاستبدادية السابقة في حالة الثورات الناجحة والأنظمة الحالية بالنسبة للثورات التي لاتزال تشق طريقها. لذلك عمدوا إلى استعمال سلاح الدين، كما يفهمونه، لشق صفوف قوى الثورات وإشغالها وإنهاكها وحرفها عن أهدافها وخصوصاً ذات الأولوية القصوى، وهي أهداف سياسية بحتة تتعلق بالانتقال إلى أنظمة حكم ديمقراطية تحكمها مبادئ الكرامة الإنسانية والحرية والتنمية وعدالة توزيع الثروة والقانون المنبثق عن إرادة الأمة.

الاستفادة من أجواء الحرية لعرض الدين، بانتهازية، من خلال دعاة متخلفين فكرياً وموتورين خطاباً ومتزمتين ممارسة وطائفيين اجتهاداً، ومن خلال هوس مريض بقضايا التكفير ومحاصرة المرأة المسلمة وقراءات متعصبة منغلقة لخطاب الإسلام المتسامح الوسطي العقلاني... عرض الدين بهذا الشكل البليد نجح في إدخال مؤسسات المجتمعات العربية وساكنيها في دوامة الصراعات والخلافات الفقهية والانشغال بالهوامش. وتم ذلك على حساب إنضاج الفكر السياسي الثوري وبناء استراتيجيات تغييرية مستقبلية ومعالجة لمشاكل المواطنين اليومية الذين ينتظرون الكثير من إنجازات الثورات.

وهنا يجب توجيه أصابع اللوم إلى عدة جهات. الجهة الأولى تتمثل في بعض الدول العربية التي تتبنى فقهاً متخلفاً متزمتاً وطائفياً يبشر به وينشره دعاة شبه أميين يتصفون بالانغلاق الفكري والتزمت العقيدي. هؤلاء الدعاة يحصلون على دعم مالي سخي وعلى منابر إعلامية، كثيرة العدد والتنوع، تمكنهم من احتلال ساحة الدعوة الدينية لا في بلدانهم فقط وإنما في كل أقطار الوطن العربي. والنتيجة أن هؤلاء الدعاة يحدثون الهرج والمرج المضحك المبكي أينما يتواجدون.

الجهة الثانية الملامة هي الأحزاب الإسلامية، التي وصل بعضها للحكم في بعض الأقطار العربية، والتي تنسى أن الثورات التي جاءت بهم إلى المجالس النيابية وكراسي الحكم تنتظر منهم أولاً المساهمة في حل مشاكل الناس الدنيوية الكبرى. إن الشعوب قد ثارت وضحت من أجل الاستقلال الوطني ومواجهة الخطر الصهيوني وإحداث التنمية الإنسانية المستدامة والانتقال إلى الديمقراطية السياسية – الاقتصادية العادلة، وتحسين الخدمات العامة من تعليم وصحة وسكن وعمل. إن هذه القضايا المجتمعية التي تمس الجميع هي التي فجرت الثورات وليس القضايا الفقهية الهامشية التي يشغل الدعاة الناس بها ليل نهار، والتي على رغم أهميتها الفقهية هي في الأساس قضايا تهم الأفراد ولا تحتل حتى أولوية دينية.

من هنا فان الأحزاب السياسية الإسلامية مطالبة بأن ترفض استغلال تواجدها السياسي من قبل بعض الدعاة وبعض الأنظمة وذلك من أجل إدخال مجتمعاتها في مماحكات فقهية ليس الآن أوانها. فالأمة الآن معنية بتركيز كل قواها لاستعادة عافيتها الحضارية وليس بدخولها في انقسامات على موضوع تكفير الآخرين الشائك المختلَف عليه، أو لباس المرأة وعملها أو قضايا الاختلاط في الجامعات ومحلات العمل وأماكن السياحة. وهي قضايا من جهة أولى ستبقى محل اجتهادات متباينة حتى قيام الساعة، ومن جهة ثانية ستبقى مرتبطة بمدى التزام الفرد بدينه أو بالمدرسة الفقهية التي ينتمي إليها.

عندما احتل العراق الكويت طرح البعض، بانتهازية سياسية، موضوع الاختيار بين الوقوف مع الجيوش «الكافرة» الغربية والوقوف مع الحكم العراقي حتى ولو كان يمارس الظلم في بلاده، على أساس أن شرّ الظلم أهون من شر الكفر. لقد نسي الناس آنذاك قول الإمام علي بن أبي طالب «بأن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام»، أي نسوا أن مأساة اجتياح الكويت كانت قضية دنيوية بحتة ولا دخل لها بقضية الإيمان أو الكفر. لكنها الانتهازية السياسية التي تستعمل وتستغل الدين.

اليوم نحن أمام استغلال من نوع آخر للدين. إنه يستعمل من قبل بعض الدول المعادية لأية تغييرات جذرية لإرساء الديمقراطية والعدالة الاجتماعية – الاقتصادية في بلاد العرب... يستعمل لشق صفوف الشعوب وإلهائها بمعارك جانبية كما نراها بشكل واضح في حالات الإلهاء والمماحكة في مصر وتونس وليبيا واليمن على سبيل المثال. إن بعض الأنظمة وبعض الدعاة يأملون أن تنتقل تلك الخلافات بعد ذلك إلى حقول السياسة والاقتصاد والثقافة والفكر فيتوقف زخم المد الثوري في الأقطار التي ثارت وتثور أملاً منهم بمنع انتقال عدوى الفكر والفعل الثوري إلى أقطارهم. لكن هؤلاء يتجاهلون أن الفكر الثوري هو فكر شمولي يطال كل الحقول، بما فيها حقل الدين الذي أراده الرسل والأنبياء كحقل ثورات مستدامة ربانية من أجل العدالة والحرية والمساواة والتراحم والأخوة الإنسانية وليس من أجل أقليات حكم مستبدة فاسدة

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3465 - الجمعة 02 مارس 2012م الموافق 09 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 12:57 م

      رجاء خاص للدكتور العزيز

      أولاً شكراً على كل كلمة صادقة خرجت من قلبك الصادق المحب لوطنه و مواطنيه، وخطها قلمك الشريف. و كمواطن بحريني محب لشخصك و توجهاتك الخيّرة، أتمنى عليك أن تخصص مقالك القادم للمنتدى الذي جمعك والخيّرين والشرفاء أمثالك للمساهمة في أزمة البحرين. أتمنى تحقيق هذه الرّغبة لأن الكثيرين ممن قلوبهم على وطنهم يترقبون ما تمخض عنه هذا المنتدى الخيّر مع خالص محبتي و تقديري/ محرقي أصيل

    • زائر 17 | 5:39 ص

      وطني

      شكرا يا دكتور

    • زائر 16 | 4:58 ص

      اضم صوتي الي تعليق رقم 1

      انا سالت نفس قبل جم يوم ما هي اخبار تجمعكم فنحن ايضا نعول التجمعات التي يقودها الاشراف مثلك يا دكتور علي فخرو فهل ننتظر شي ؟

    • زائر 14 | 3:40 ص

      شكرا

      مقال اكثر من رائع
      كم انت كبير

    • زائر 11 | 1:58 ص

      انت وهي !!!!!

      الدكتور المخضرم علي فخرو والاستاذة الفاضلة منيرة فخرو ..... رجال بمواقفهما الوطنية الشريفة

    • زائر 10 | 1:56 ص

      اثار الدولار والبترول

      عندما دخل الدولار والبترول في المعادلات السياسية والدينية أفسد كل صالح من حياة الناس واخرتهم

    • زائر 4 | 12:10 ص

      ديدن الحكومات المستبدة

      هذا الواقع الذي نراه عندما تفشل الأنظمة عن حل المشاكل السياسية تقول بتقريب التكفيريين وتسليمهم مفاصل الدولة واتخاذ القرار ضن من الحكومات على ان هذا هو الحل للهي الشعب عن المطالبة بحقوقة الوطنية والغرق بالصراعات المذهبية هذه معادلة صهيوعربية

    • زائر 3 | 11:51 م

      الظالم يستغل كل شي في سبيل مصالحة الشخصية

      الدين - الديمقراطية - الطوائف - الاقتصاد - الجغرافيا ززز
      مثلا امريكا تستغل الديمقراطية في سبيل مصالحها الخاصة و ليس الشعوب نراها تطالب بالديمقرطية في دولة و تحاربها في اخرى هذا هو الظلم

    • زائر 2 | 11:33 م

      مقال اشبعني

      مقال قرأته قبل الافطار وقد اشبع فكري وبطني.لاخوف على البحرين وفيها رجال مثل د علي الله يجزيه خير.

    • زائر 1 | 11:15 م

      سؤال استاذي اذا سمحت

      ماهي اخر اخبار التجمع الذي دعوتم له ، لم نسمع عنه اي شيء يذكر بعد اول لقاء
      تحياتي

اقرأ ايضاً