سجلت المملكة العربية السعودية فائضاً في الموازنة بلغ 306 مليارات ريال سعودي (82 مليار دولار أميركي) مقارنة بالتوقعات السابقة بتسجيل عجز مقداره 40 مليار ريال، ويعتبر هذا الفائض ثاني أكبر فائض تسجله المملكة خلال العقد الجاري، وقد جاء مدفوعاً بارتفاع أسعار النفط، وزيادة إنتاجه. ونتيجة لذلك، اتسع فائض الميزان المالي بمعدل 2.5 ضعف بالمقارنة مع المستوى المسجل في العام 2010 ليشكل 14.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في مقابل 6.5 في المئة في العام 2010. وارتفع مستوى الإيرادات مجدداً لتصل إلى تريليون ريال، وسجلت 1,110 مليار ريال بالتحديد، بارتفاع سنوي بلغت نسبته 51 في المئة كما رفعت الحد الأقصى لأعلى الإيرادات التي سجلتها البلاد بدرجة طفيفة. ويتكون الجزء الأكبر من هذه الإيرادات والبالغ 1,032 مليار ريال، من الإيرادات النفطية، وقد أدى إلى زيادة الإيرادات عن المستوى المقدر في الموازنة بنسبة 104 في المئة.
علاوة على ذلك، بلغت المصروفات ارتفاعاً قياسياً خلال العام 2011، وسجلت 804 مليارات ريال وهو ما يترجم إلى نمو بنسبة سنوية تبلغ 28 في المئة. وسجلت المصروفات الفعلية اختلافاً عن المصروفات المقدرة في الموازنة بنسبة 39 في المئة أو ما يوازي 224 مليار ريا؛ ما «يشير إلى تنفيذ الأوامر الملكية التي شملت صرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة، بما فيهم طلاب الدراسات العليا، والمتقاعدون، والمستفيدون من الضمان الاجتماعي، ورفع الحد الأدنى للرواتب إلى 3,000 ريال، وإضافة بدل غلاء المعيشة إلى الراتب الأساسي، وزيادة رأس مال كل من صندوق التنمية العقارية والبنك السعودي للتسليف والادخار، وتغطية المصروفات الإضافية لمشاريع توسعة الحرمين الشريفين، وتكاليف قبول مزيد من الطلاب في المنح الدراسية بالخارج».
الاتجاه التوسعي للموازنة
حافظت المملكة العربية السعودية على الاتجاه التوسعي لموازنة الدولة للعام 2012، وأعلنت فيها مصروفات تقدر بقيمة 690 مليار ريال (187 مليار دولار) مقابل مصروفات بلغت 804 مليار ريال (214 مليار دولار) خلال العام 2011. وكانت الحكومة السعودية قد أعلنت موازنة العام 2011 بمصروفات بلغت 580 مليار ريال، ولكنها أنهت العام بزيادة في المصروفات بلغت 224 مليار ريال. لذا، أعلنت هذه الموازنة بوصفها أضخم موازنة في تاريخها، بزيادة تبلغ نحو 10 في المئة عن الموازنة المعلنة في العام السابق (2010). وقدرت الحكومة السعودية إيرادات موازنة العام 2010 بقيمة 702 مليار ريال بانخفاض سنوي يبلغ 37 في المئة عن إيرادات موازنة العام 2011، و 4 في المئة عن إيرادات موازنة العام 2010. ويتوقع أن يؤدي انخفاض الإيرادات بالاقتران مع ارتفاع المصروفات إلى خفض رصيد الموازنة الحالية من أكثر من 300 مليار ريال في العام 2011 إلى 12 مليار ريال فقط في العام 2012. وباستثناء العجز الذي واجهته موازنة المملكة خلال السنوات العشر الماضية حتى العام 2009، فإن الرصيد المقدر للعام 2012 كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي يعتبر الأدنى على الإطلاق.
265 مليار ريال للمشروعات
خصصت الموازنة 265 مليار ريال لتمويل المشروعات الجديدة والحالية (مصروفات رأس مالية) وهو ما يعني أن المصروفات المتبقية البالغة 425 مليار ريال تم تخصيصها للمصروفات الجارية التي تشكل نسبة هائلة تبلغ 62 في المئة من المصروفات في الموازنة. وارتفعت مخصصات المصروفات الجارية في موازنة العام 2012 بنسبة 15 في المئة أو ما يوازي 54.5 مليار ريال مقارنة بمستواها في موازنة العام السابق، وتعزى الزيادة في المصروفات الجارية إلى المبادرات المالية المتواصلة التي تم اتخاذها بمقتضى أوامر ملكية؛ ما أدى إلى ارتفاع في فاتورة الرواتب والأجور.
علاوة على ذلك، خصصت الحكومة مصروفات بلغت 169 مليار ريال (45 مليار دولار) لقطاع التعليم والتدريب خلال العام 2010 وهي تشكل 24 في المئة من المصروفات المقدرة في الموازنة، كما أعلنت زيادة مخصصات القطاع بنسبة سنوية بلغت 13 في المئة مقارنة بمستواها في موازنة العام 2011 وتشمل: مخصصات بقيمة 9 مليارات ريال لمواصلة تنفيذ مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام (تطوير) عن طريق شركة تطوير التعليم القابضة المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة. مخصصات مشاريع جديدة تشمل بناء 742 مدرسة جديدة (بالإضافة إلى 2.900 مدرسة جديدة قيد الإنشاء)، في حين تم الانتهاء من بناء أكثر من 900 مدرسة في العام 2011، وتجديد 2,000 مبنى مدرسي. ومن جهة التعليم العالي، شملت الموازنة الجديدة مخصصات لتأسيس جامعة إلكترونية، وافتتاح 40 كلية جديدة، والانتهاء من بناء الحرم الجامعي في الجامعات الجديدة بما في ذلك بناء المدن الجامعية. علاوة على ذلك، تم تمديد برنامج الابتعاث الخارجي بمرحلتيه الأولى والثانية إلى السنة المقبلة؛ إذ تجاوز إجمالي عدد الطلبة الذين يواصلون دراستهم بالخارج 12 ألف طالب.
وعلى رغم أن البيان الصادر عن وزارة المالية لا يشير إلى تقديرات أسعار النفط ومستويات إنتاجه، فإننا نتوقع أن يتراوح متوسط سعر البرميل ما بين 52 و 58 دولاراً، كما نفترض أن يكون معدل إنتاج النفط في حدود 8 إلى 9 ملايين برميل. واقتداء بما حدث في موازنات الأعوام السابقة (تقديرات الموازنة مقابل الأرقام الفعلية)، وبالظروف السائدة في سوق النفط، نتوقع أن تكون الإيرادات والمصروفات على حد سواء أعلى بكثير من تلك المقدرة في الموازنة. وعلى رغم أننا نتفق في الرأي على أن المملكة العربية السعودية ستشهد فائضاً في الموازنة في العام 2012، فإننا نتوقع أن تكون الأرقام أعلى بكثير من توقعات وزارة المالية.
استنادات التحليل
أجرينا تحليلاً لسيناريوهات الأداء المالي للحكومة السعودية في العام المالي 2012 استناداً إلى ثلاثة مواقف مختلفة. ويتراوح تحليلنا ما بين أسوأ الاحتمالات إلى أفضلها؛ إذ نتوقع أن يتغير مستوى الإنتاج النفطي من 8.5 ملايين برميل يومياً إلى 9.5 ملايين، وأن تتراوح أسعار الخام العربي الخفيف ما بين 80 و 100 دولار للبرميل في العام 2012. وبناء على هذا التحليل، من المرجَّح أن تسجل السعودية فائضاً في الموازنة يبلغ 439 مليار ريال (117 مليار دولار) خلال العام 2012 استناداً إلى السيناريو الأكثر احتمالاً، في حين يتوقع أن يتراوح الفائض في الموازنة ما بين 294 مليار ريال وفقاً لأسوأ الاحتمالات التي افترضها السيناريو، و 707 مليارات ريال في أفضل الاحتمالات.
ووفقاً للتقارير الإخبارية، تعتزم الحكومة السعودية دفع تعويضات بقيمة تتراوح ما بين 120 ملياراً و 130 مليار ريال (32 مليار دولار) لمالكي العقارات التي تمت مصادرتها في مكة المكرمة خلال العامين الماضيين في إطار تنفيذ مشاريع عملاقة لتوسعة الحرم والمنطقة المجاورة له. وتشمل هذه المشاريع تجهيز طرق، وبناء محطات قطار في محيط الحرم المكي الشريف من عدة نواح وبمسافات بعيدة عن الحرم تتراوح ما بين 350 إلى 500 متر. ووفقاً لما نقلته الصحف عن بلدية مكة المكرمة، بدأت البلدية في هدم 1,900 مبنى في إطار المرحلة الثالثة من مشروع التوسعة بهدف تطوير الساحة الشمالي للمسجد الحرام، وتشمل المرحلتان الأولى والثانية من أعمال الهدم، التي بدأت في العام 2099، هدم 2,350 مبنى. ويتوقع أن تسهم المشاريع التي تشهدها مكة المكرمة في تدفق نشاط اقتصادي قادر على خلق نوع جديد من المشاريع عملاقة القادرة على تحفيز الخطط الإنمائية.
الدَّيْن العام
أسهم الوضع المالي القوي في مساعدة الحكومة بشكل أكبر على خفض ديونها من 167 مليار ريال في العام 2010 إلى 135.5 مليار ريال في العام 2010 وهو ما يترجم إلى انخفاض في الدَّين العام بنسبة 19 في المئة. كما تحسن وضع الدَّين العام للبلاد بشكل ملحوظ؛ إذ انخفضت نسبة الدَّين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من المستويات المرتفعة البالغة 82 في المئة في العام 2003 إلى 6.3 في المئة فقط في العام 2011؛ إذ تولت الحكومة معالجة وضع المطالبات بشكل كاف خلال السنوات الماضية، وتمكنت من تسديد ديونها تدريجياً وفقاً لخطتها النقدية العامة
العدد 3472 - الجمعة 09 مارس 2012م الموافق 16 ربيع الثاني 1433هـ