العدد 3472 - الجمعة 09 مارس 2012م الموافق 16 ربيع الثاني 1433هـ

خلل في العقلية البحرينية

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بداية لنعرض سريعاً بعض المقاطع من المشهد البحريني اليوم. فهذا تاجرٌ يتحدث ضمن نقاش في مجلس الشورى بخصوص تنشيط الوضع الاقتصادي ومعالجة الأزمة المالية التي تعرضت لها مملكة البحرين؛ فيدعو الحكومة والجمعيات السياسية المعارضة للجلوس وحل الوضع السياسي المتأزم الذي أثر على حياة المواطن فضلاً عن الاقتصاد البحريني. ويضيف بعداً ملفتاً للنظر في الوضع المتردي اقتصاديّاً حين يقول إن «العمالة السائبة» موجودة أمام كل محل تجاري وتبيع البضاعة نفسها، والجهات المسئولة خبر خير، وجاءت الأزمة وأتى هؤلاء المنافسون المخالفون ليزيدوا الطين بلة. مؤكداً أن على كل الفعاليات السياسية إخراج البلاد من هذه الأزمة.

من جهة أخرى، أكد رئيس لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى أنه لن يكون هناك استثمار من دون استقرار، ولا يوجد استقرار من دون أمن. كما يجب إعطاء أهمية أكبر للقطاع للخاص ويجب أن يكون المحرك الأساسي للاقتصاد. وتابع معتقداً أن المشكلة كبيرة، هناك قرارات سياسية تتعلق بالجانب الأمني تؤثر على الاقتصاد؛ فعلى سبيل المثال هناك مسار خاص في جسر الملك فهد للمقيمين في السعودية والبحرين للذهاب للتنقل بسهولة، ولكن هذا المسار الآن موقوف!

وفي جانب إعلامي بعيد عن الاقتصاد، أكدت هيئة شئون الإعلام تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، والمتضمنة العمل على إنشاء المجلس الأعلى للإعلام وتدشين المدينة الإعلامية وتقديم برامج إذاعية وتلفزيونية لتعزيز المصالحة الوطنية! وطرح آراء مختلف الجمعيات السياسية. وأن الهيئة وبخبرات شركة فرنسية متخصصة في التشريعات الإعلامية والبرامج الوطنية الخاصة بالمصالحة الوطنية، ولديها خبرات في التعامل مع إحدى عشرة دولة شرق أوروبية، ستضع معايير لتشريعاتهم الإعلامية تمهيداً لانضمامهم للاتحاد الأوروبي.

أما الجانب الأمني فعرض لمشهد عبر الصحافة المحلية بشأن قضية الادعاء بتعذيب ومقتل عبدالكريم فخراوي، من رجل أمن شهد في جهاز الأمن الوطني يوم الواقعة بأنه وحال تواجده على واجب العمل سمع أصوات شجار عالٍ بالقرب من دورة المياه وعند توجهه لموقع الصوت شاهد المتهمين من الجهاز والمجني عليه، فخراوي، يتبادلان الضرب! وقد أثبت تقرير الطبيب الشرعي وجود إصابات في جسد المجني عليه ووجود كدمات وأن تلك الإصابات كانت نتيجة الاصطدام بجسم صلب، وانه يتعذر معرفة سبب الوفاة لعدم تشريح الجثة!

حول هذه النوعية من التفكير والتدبير، باعتبار أن السياسة تأتي من فعل دبّر، فقد كتبت في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2007 مقالاً بإحدى الصحف المحلية، ارتكز على سؤال جوهري جدّاً وهو: «هل العقلية البحرينية عدوانية؟». وهو يناقش الوضع ذاته الذي مازلنا نراوح في ساحته اليوم في كيفية إدارة الأزمة وتحويلها إلى حلول لا إلى تأزيم التأزيم، وعن كيفية إدارة الحوار بين بعضنا بعضاً ومن هو المؤهل لمثل تلك الإدارة ولا يحمل مقدمات عدوانية سلفاً، هل هو رب البيت أم أهل البيت؟ وأشرت حينها، مع الانفراج الإعلامي المقبول آنذاك، إلى أن ظاهرة العنف الكلامي منذ عودة الحياة الديمقراطية في البلاد صارت تقترب من مرحلة المشكلة النفسية المرضية بكل المقاييس المتعارف عليها.

وهذا ما يتجسد واقعاً وبقوة اليوم ليس من إرهاصات ونتاجات السنة الماضية بكل قضها وقضيضها؛ بل هو ما قد ترسخ في الذاكرة الفردية، عند البعض، والذي تحول بمرور السنوات إلى أن أضحى جزءاً من الوعاء الجمعي لفئات كبيرة من المجتمع دون وعي لخطورته عليهم بعد أن غذته الآلة الإعلامية وأقلام التحريف التاريخي عبر عقود مضت ضد فئات أخرى.

وبذا تم إفراز عقلية وذاكرة فردية مشوشة في التفكير الصحيح، سواء أكان سياسيّاً أم أخلاقيّاً، ومرتهنة إلى ترنيمات مغناطيسية تبقي ترددها قبل الأكل وبعده دون حتى استشارة الطبيب، فأصبحت لا معنى لها إلا في عالم السحر والسحرة فقط! وبذا لم يعد أحد من أفراد تلك الفئة يفرق بين العقلية العدوانية المسبقة في التفكير التي تمت تغذيتها لسنوات، وبين التفكير الواعي الأخلاقي المنطلق من العقل الحر والملكية الإبداعية الفردية المواكبة لمتغيرات العصر بعيداً عن التفكير الجمعي العدواني القديم ضد الآخرين. ولذا ما أن وقعت الواقعة قبل عام، حتى تقيأ ذلك العقل العدواني، بتربيته غير السوية والموجهة أساساً ضد الآخر؛ كل تقرحات الزمن الذي عاش فيه على تلك المنهجية المبرمجة خطأ حتى عند بعض الأصوات المفكرة، كما تزعم، فسارت على هذا النهج العدواني في التفكير متخليةً عن المنهج الحيادي الحر، ما يؤكد حقيقة الاختراق المبكر لعقل وفكر تلك الفئات.

ومن هنا لم يعد أحدٌ ممن يتبع التفكير الجمعي المموه يؤمن ويعي معنى التفكير الحقيقي بصوت عقلاني مسموع بدلاً من الجعجعة اللفظية الطنانة بلا تأثير عملي ولا إنجاز ملموس على أرض الواقع سوى إطالة عمر الأزمة لصالح بث الروح في صوت الشارع وسد المنافذ أمام التفكير الواعي المنظم. ولم يعد أحد يشعر بأهمية المرونة في استخدام استراتيجيات التفكير وبما يؤدي بالتالي إلى زيادة كفاءة حل المشكلات التي تواجه الشعب، وليس اللعب على تحريف معنى الولاء الحقيقي وتزييف ذاكرة الوطن وتكريم رموز الفترات الحالكة السواد وتجريم رموز الوعي وشموعه.

ولأن مستوى المتعلم لا يقاس بالشهادات الورقية، ومستوى الوعي بظروف كل مرحلة لا يقاس بالمشاركة الغوغائية أمام أجهزة الصوت هنا وهناك؛ أعيدوا قراءة الأمثلة أعلاه، لنعرف إن كانت العقلية العدوانية في التفكير والإدارة قد تأثرت سلباً أم إيجاباً بما حدث في الأشهر الماضية من عمر هذا الوطن، أو أنها قد تخلت عن عدوانيتها على مدى عشر سنوات وأصلحت الخلل في عقليتها وتفكيرها في شتى المجالات والزوايا لتطبيق الإصلاح على أرض الواقع وليس في أحلام الكلمات أمام أجهزة الصوت والشاشات.

لنراجع الأمثلة ونكتشف لماذا لم تفكر وتبحث تلك الأصوات وغيرها عن من هو أُس الخلل لمحاسبته. ولِمَ لم تدلنا تلك العقلية الاقتصادية بمن هو المسئول، ويكاد يكون ظاهراً لهم، مثلاً عن «العمالة الأجنبية السائبة» وسبب انتشارها بكثرة في الأشهر الأخيرة وفي مناطق معينة فقط من البلاد؟ ومن الذي يزودها بالمال والدعم ويترك لها حرية خرق القانون بكل يسر وسهولة وبلا خوف وباطمئنان تام لعدم المحاسبة؟ أو ما علاقة فتح مسار خاص في الجسر لتسهيل مرور الحركة التجارية بالأزمة العالقة برمتها؟ فهذا لم يدخل في التفكير الجمعي والفردي لمن طرحوا مشكلة تدهور الاقتصاد بل تمت الإشارة بالأصبع فقط إلى أن الغيوم هي من حجبت ضوء القمر فلندعو الله ليقشعها عنا لنعيش بأمان ونتخلص من تلك المشكلة وكأن «السائبة»هي العمالة فقط! وقس على ذلك المنطق والتفكير، استيراد شركة أجنبية لتُعلمنا كيف نتصالح فضائيّاً مع إخواننا في الوطن، أو هل نحن الشعب المعروف بطيبته وسماحته قد تعود أن يتشاجر مع رجل أمن في أي موقع إن كان مخطئاً أو مصيباً؟.

هذه هي أم المشاكل في هذه الأزمة لأنها ليست وليدة الساعة. فهل يمكن إصلاح خلل العقلية البحرينية في كل شرايينها وسبُل تفكيرها، لنعي مباشرة، بعد فترة نقاهة إصلاح الخلل، أبسط دروس العلوم السياسية، كما يتعلمها طلبة الجامعات، بأن الحكومات ما هي إلا عضو وكائن متغير الوجود في الدول المعاصرة.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3472 - الجمعة 09 مارس 2012م الموافق 16 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 8:28 ص

      فالمصيبة اكبر مما تتصور انها انفصام عام في الهوية والشخصية سببها اصحاب المصالح والمراكز المصابين اصلأ بانفصام الشخصية الشديد والمتلون لدرجة اصبح مرض عضال انتشر بالعدوى منهم للجميع
      والعلاج صعب

    • زائر 6 | 3:48 ص

      لاتقحمو الحرين

      البحرين بلد الحضاره والتعايش السلمي ومن عصور قديمه واهلها متحابون ولكن وجود الفتاوى والتكفيريين سمح لدخول عادات واخلاق وتصرفات غريبه وبعيدة كل البعد عن الانسان البحريني المتنوع من جميع الشرائح والأطياف

    • زائر 5 | 1:25 ص

      و أنت الصادق ...

      خلل في "النفسية" البحرينية.

    • زائر 4 | 12:57 ص

      ملچاوي

      أسمعت لو ناديت حياً ...........

    • زائر 3 | 12:04 ص

      حمورابي

      الخلل ليس في العقلية البحرينية ،

      إنما هو خلل العقلية الإنتهازية أينما كانت

اقرأ ايضاً