لطالما ظن الإنسان أن بيده كتاب حياته، يرسم به ما يشاء، يلونه كيفما اتفق، وقد يقطع أوراقه، وربما كان سبب تعاستنا بالحياة، أننا نعتقد بقدرتنا على التحكم بكل شيء، وأن نخطط لكل حدث، صغيراً كان أم كبيرا، وأننا نمتلك من القوة ما يكفي لدفع أحلامنا كلها لتكون واقعاً، ولهذا نجتهد في معاندة الظروف، وتحديها. وفي استمرار محاولة الحصول على أمر خططنا له مسبقاً وتعثر، وننشغل باستحضار وبناء شكل الحياة التي لا تبعثر فصولها يد القدر، وفي ثورة إلحاحنا لإمساك كل الخيوط، تنفلت إلى غير رجعة، جميعها في مرةٍ واحدة، ما كنا نخطط له لا يحدث، وتكراره يزيدنا خيبةً ليس إلا، وعدم تقبلنا لأقدارنا يجعلنا في مرارة الحياة التي تستمر في معاندتنا وفرض قراراتها علينا.

نحن لا نملك أكثر من أن نعيش لحظتنا هذه، لا نعلم الغيب، ولا نملك إلغاء الماضي، ولسنا قادرين على تغيير خريطة أقدارنا، نعاندها بقوة، نملي على الله ما نريد، نصارع قوة القدر باستمرارنا في أمر لم يكن مقدراً لنا، ولا نفكر للحظةٍ أن الله ربما ادخر لنا خيراً منه، أو حرمنا منه لشرٍ فيه، يؤجل الله أمنياتنا ولا ينساها كما يقول محمد علوان في روايته سقف الكفاية، لهذا علينا أن نؤمن أن أمنياتنا هي أيضاً تأخذ كفايتها من الزمن كي تنضج، وأن الله يؤجلها لوقتٍ يكون كل ما بنا مستعداً لاستقبالها.

كونوا قدريين، بالقدر الذي يجعلنا نرتضي من القدر كل ما يأتي لنا به، ونسلم كل ما يأخذه منا، لأن الخير حيث لا نعلمه، فالله سبحانه يقول: «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون». فالقدرية تجعلنا لا نحزن حد توجع قلوبنا الصغيرة، ولا نفقد الأمل، فكل ما يحدث، يحدث لسبب، وما نراه اليوم شراً، قد يكون سبباً لخيرٍ كثيرٍ من حيث لا نعلم. ما يوجعنا اليوم، سيكون بالغد مدخلاً لفرح، وحرمان اليوم يأتي بغيث القدر غداً، فلا تبتئس مما كتب عليك، ولا توقف عجلة الحياة لحزنٍ أو غم، بل قل الحمد لله في الفرح والمصائب، واعلم أن الله لا يتجاهل أحلامنا، ولا دمعاتنا الحارة، وأنه سبحانه يسمع أصوات قلوبنا المرتجفة وهي تدعوه، ولا يكلفنا أكثر من طاقتنا، ولولا علمه باحتمالنا ما كتبه علينا، ولهذا فالقدر مفصلٌ على مقاسنا وقدرتنا، وأن أمنياتنا المؤجلة لابد وأن يكون لها فأل يوسف، وأن الحزن لا يقيم مهما عظم، وإنا لم نرَ من الله إلا جميلا، ولم يصِبنا إلا خير، تلك القدرية تجعلنا نتكيف مع تقلبات القدر التي لا ندركها، وتجعلنا أكثر قدرة على تقبلها والمضي للأمام، لهذا لا تكثروا التخطيط، فالله وحده يرسم لنا خارطة أقدارنا، ملونةً أحياناً، وقاتمةً أحياناً أخرى. احلموا فقط، تمنّوا، فأقدارنا تحمل لقاحات أحلامنا لتبذرها في المكان المناسب، والوقت المناسب.

لكل أحلامنا المؤجلة... كوني بخير.