العدد 3501 - السبت 07 أبريل 2012م الموافق 16 جمادى الأولى 1433هـ

جاذبية الأنموذج التركي تتأثر بأحداث المنطقة

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

استوقفني رأي مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في لبنان، بول سالم، أن هذا القرن قد يكون قرن تركيا لأنها البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يتّجه بالفعل إلى المستقبل. وقال خلال مقابلة مع صحيفة تركية «تودايز زمان»، أثناء وجوده في إسطنبول لمناقشة وجهات النظر العربية في تركيا في العام 2010: «لقد فهمت تركيا كيف تكون ديمقراطيةً فاعلةً في الشرق الأوسط، وكيف تجعل الإسلام السياسي معتدلاً وتُمكِّنه من أن يكون حزباً نظامياً. كما فهمت كيف تمارس النشاط الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين، وكيف تجمع بين الإسلام والعلمانية، والعلم، والفردية، والجماعات ذات المصالح المشتركة كلّها في المجتمع نفسه في الشرق الأوسط».

تذكرت كلام سالم الذي ذكره قبيل حلول الربيع العربي في العام 2011 في مقارنة لأوضاع البلدان العربية التي لم تستطع أن تنتج شيئاً خاصاً بها حتى الآن. انتفاضات وثورات الربيع العربي غيرت موازين بلداننا وحرّكت وعياً جديداً في بلدان أخرى بالمنطقة. وترجع أسباب ذلك إلى نوعية الأنظمة السياسية التي ظهرت من بعد حقبة الاستقلال فكانت أنظمة بوليسية قامعة أو أنظمة تتحكم في ثروة الشعب في مقابل خدمات توفرها من دون حقوق.

سالم نوه قائلاً: «العالم العربي في وضع بائس وحرج للغاية في حضارته وثقافته. لقد تراجعنا إلى الوراء. نحن لا ننتج ثقافةً حقيقيةً أو فكراً عميقاً. لدينا القليل من الشعر والأدب والسينما، وهو ما يعد ضئيلاً مقارنةً بحجم العالم العربي. وتخضع الثقافة العامة بشكل تام إلى الثقافة الشعبية المعولمة أو الثقافة الشعبية المعرّبة، وكلتاهما سطحيّتان، أو إلى ثقافة الدينية سلفية». وفي المنطقة شكل هذا الأمر تحدياً للتطور في شكل وعمل النظام السياسي، لأن ما ذكره سالم فيما يتعلق بالثقافتين الموجودتين لم يكن يوماً إبداعاً على المستوى الفكري وأيضاً لغياب مراكز للتفكير النقدي والفكري. فالانحدار مستمر بينما تركيا تجاوزت ذلك وأصبحت أكثر تطوراً وتقدماً لدور الدين والعلمانية في المجتمع بصورة أكثر ذكاء عنه في مجتمعاتنا العربية التي بقيت فترة طويلة لم تحرك ساكناً في مقارنة ما حدث في أوروبا الشرقية وبلدان أميركا اللاتينية.

وفي السنوات الثلاث الأخيرة، ارتفع الرصيد التركي في المنطقة العربية وأصبح الكثير مهتماً بأسلوب السياسة التركية بل والأخذ بها كنموذج قد يصلح داخل المجتمعات العربية، لاسيما تلك التي نجحت فيها ثورات الربيع العربي، آخذة بالعالم أن العمل بها ممكن، لأنها مدرسة جمعت الجميع وخلقت بيئة سليمة خالية من شوائب سياسات الإقصاء التي دون شك طورتها سياسياً واقتصادياً.

سالم قال «عامة الناس متحمّسون ومهتمّون بالسياسة الخارجية التركية تجاه إسرائيل وقطاع غزة. الحكومات ترحّب في الغالب بالدور التركي في موازنة الطرح الإيراني، فيما ترحّب حكومات أخرى بتركيا بسبب تعاونها الاقتصادي معها. الشيء المفقود هو أنه لا توجد شريحة كبيرة من المجتمع العربي تُقدِّر فعلاً إنجازات تركيا في السياسة والاقتصاد والثقافة. في السياسة، تتمتّع تركيا بنظام ديمقراطي فعّال، وحكومات خاضعة للمساءلة، ومستويات معقولة من الشفافية والمواطنة الحرة، وهلم جراً. هذه العوامل لا تحظى باهتمام كبير في العالم العربي. ثانياً، إنجازات تركيا الاقتصادية، أي هذا النمو الاقتصادي الكبير مقارنةً بالصين وماليزيا وتايوان، الذي حقّقته من دون أن تكون دولةً منتجةً للنفط، لم يتم تلمّسها في العالم العربي بشكل عام».

من هنا نجد أن تركيا اليوم أصبحت تشكل نموذجاً ناجحاً، لأنها جمعت أشياء وعناصر كثيرة في أسلوب نظامها السياسي، وفهمت تركيا اليوم كيف تكون ديمقراطية فاعلة في الشرق الأوسط، وكيف تجعل الإسلام السياسي معتدلاً وتمكينه من أن يكون حزباً عادياً، وكيف تمارس نشاطاً اقتصادياً يواكب تطورات القرن الحادي والعشرين، ولذا فمستقبلها قابل للنجاح على مستوى الدول التي تتنافس في المنطقة ليكون لها دور مؤثر، شريطة أن لا تتغير من قوة مناصرة للديمقراطية الى قوة مناصرة لطائفة معينة أو قومية محددة، مما يعني الرجوع الى النمط العثماني القديم.

ويرى مراقبون بأن تركيا تبدو هي الوحيدة التي تقترح نظاماً يبدو مقبولاً ومعقولاً من جميع جيرانها في المنطقة، بحيث إنها لا تريد شرق أوسط يحمل عقيدة واحدة أو فكراً ثورياً لأنه أمر ليس وارداً في عقلية النظام السياسي لأن تركيا حالياً لا تريد سوى مصالح اقتصادية وسياسة مشتركة تخدم مختلف الأطراف بعيدا عن حلم عودة العثمانيين ودولتهم العليّة... ولكن الأحداث المتتالية وتعقيداتها وتعرجاتها في المنطقة العربية قد تؤثر سلباً على الإنموذج التركي وتسلط عليه الأضواء بصورة ربما تفقده ما أنجزه من سمعة حسنة خلال الفترة الماضية.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 3501 - السبت 07 أبريل 2012م الموافق 16 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:24 ص

      تلبدت السماء بالغيوم وهاج البحر..

      هطول الامطار في بلاد تربتها خصبة لا شك في ان تكون بها من الاشجار والنباتات الخضراء والمزهرة
      وليس غريبا أن اعماق البحار بها اللؤلؤ والمرجان.
      فما الذي يطفو على سطح مياه البحر؟؟
      يحتاج الدين العلم والعلم يحتاج من يعمل به.
      هل يمكن ملاحظة عمق الاتي:

      ان الدين عند الله الاسلام

      الدين المعاملة

      لا اكراه في الدين

      ولا فرق بين عربي ولا عجمي الا بالتقوى

      نلا حظ ان بالتقوي نقترب للعدل وأن الدين في المعاملة فيحصل الانسان على سلام داخله وفي محيطه كذلك.
      فأيهما أفضل العمق أم السطح؟؟

    • زائر 3 | 1:07 ص

      مع الأسف

      يقال من شارك قوماً اربعون يوماً اخذ منهجهم و هذا فعلاً ما حدث لتركيا . الأن تركيا يؤدى الدور المتقلب و عدم التوازن لقد فقد البوصله عن العداله و كل الأعمال التى تؤديه فقط لتقبل الدخول فى المنظومه الأوربى .

    • زائر 2 | 12:30 ص

      وانا اخالفك واخالفه الراي يابنتي

      هذا هو قرن اما العرب والصحوه العربيه اما الاتراك فكل ما يحاولون فعله هو اعاده امجاد العثمانيه في المنقرضه انه قرن العرب وشباب العرب الربيع العربي وليد عام للان لم توضح للعالم شكل المستقبل العربي الجديد بعد سنين طويله من تهميش دور الشعوب العربيه في كل مجالات الحياه اسرائيل لعبت بحسبة العرب عسكريا والحندي ينتظر الامر ممن هو اعلى منه رتبه ومن هو اعلى منه رتبه ينتظر امر الدخول في الحرب من قائده المشغول عن العرب والعروبه بخماره او على زانيه وهذا مثال لنكبه 67 تاملي الخير في شباب العرب يبنتي.ديهي حر

    • زائر 1 | 10:53 م

      نموذج مصطنع

      روج الاغلام الغربي لنجاحات تركيا الاقتصادية في ظل حكومة اردغان العلماني ذو التكعة الاسلامبة ليجعله نموذج ولكن الاحداث الاخيرة اضطرت تركيا ان تعود للعب العراب الغربي

اقرأ ايضاً