العدد 3507 - الجمعة 13 أبريل 2012م الموافق 22 جمادى الأولى 1433هـ

«أليس» في جزر العجائب - 2

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

توقفنا مع أليس في رحلتها لجزر العجائب عند شجرة البلبل الصداح وهو يغرد: أنا البلبل الصداح عشت هنا زمناً طويلاً في رحاب جزر العجائب وأعرف عم تبحثين، وأشار بمنقاره وجناحيه إلى صاحب سر الرمز الذي تبحث عنه أليس كما يعتقد، فنصحها بالإسراع في زيارته قبل أن يتوفي.

وبعد الزيارة وعلى بُعد خطوات وجدت أليس خنزيراً برياً أبقع يشرب الشاي مع جمل قبيح وهو ينصحه بأن يأخذ حذره من أرانب الجزيرة الكثيرة؛ فاستغربت للمنظر. ثم وجدت فأراً في ساحة عامة يحاول أن يثبت للمتجمهرين حوله من الصراصير أنه هو الوحيد الذي يعرف سر الحياة في المجاري وكيفية إنقاذها من المبيدات الحشرية. ثم قام بتحريض الدود الأسود على مهاجمة مساكن الأرانب المحتجة على هدم بيت زعيمها لأنه انتقد تدخل الفأر في شئون الأرانب، جماعة الإخاء، وهنا انقض نسر من سماء البستان وأمسك بالفأر ورفع غطاء ابريق الشاي ورمى الفأر فيه فهرب الخنزير والجمل.

تركت تلك البقعة الكئيبة، وتابعت طريقها بين النخيل وتعرفت هناك على مجموعة كبيرة تُعرف بسكان النخيل، وهناك وجدت نخلة عملاقة جداً، في نهاية جذعها باب كتب عليه: هنا موقع الحقائق المنسية لأولاد رقية. وغير بعيد عنها شجرة متواضعة كتب على باب جذعها: أكذب تربح... استثارها هذا العنوان أكثر فدخلت الباب، وإذا بها أمام مجموعة كائنات أشكالهم غريبة وألسنتهم تطل من شاشات عملاقة وهم يتسابقون في كيل الأباطيل والغمز واللمز ضد سكان النخيل الذين صادفتهم قبل قليل. تركت تلك البوابة وصادفت خارجها دجاجة أرشدتها إلى السلحفاة الحزينة... حاولت أليس معرفة سر حزن السلحفاة ولكنها لم تستطع لأن السلحفاة قد قُطع لسانها حتى لا تبوح بسر حزنها للآخرين!

لكن الدجاجة، قالت لأليس: اتبعيني لتري كل شيء بنفسك. فسمعت أليس صوت ضحك... يا للعجب قط يضحك! لم تصدق ذلك، ولكن القط عاد إلى الضحك مرة أخرى وصاح أهلاً... أهلاً... أنا القط الضاحك أنجيك من المهالك... شعاري منذ مدة «شر البلية من حولك ما يُضحك»، واختفى القط في لحظة واحدة، فقالت أليس: أريد أن أعرف كيف يختفي هذا القط اللعين؟ فظهر أمامها مرة ثانية؟ فسألت: كيف اختفيت فجأة؟ فقال ضاحكاً: هذه لعبتي في هذا الزمان وكل مكان، فتجديني في كل المصائب والأزمات أعمل وأضحك، وفي السلم والهدوء أختفي حتى أسلم.

وعندها سمعت أليس من خلفها صرخة مدوية ورأت ريشاً أخضر يتطاير في الهواء، فالتفتت وإذا بها تشاهد منظر إعدام ببغاء خضراء متهمة بكثرة التغريد والكلام المباح على الأغصان، وما زاد حزنها أكثر أن أفراخ تلك الببغاء لم ينبت الريش على لحومها بعد! بكت أليس على هذا المنظر وقالت: لماذا لا تعيشون في وفاق؟ فظهر القط ثانية وضحك عندما رأى دموع أليس وقال: إنهم مجرد حيوانات... وغداً نستورد غيرهم، فلا تحزني. فصرخت أليس في وجهه: وأنت؟ ألست من الحيوانات؟ أم لك وجوه وجلود متعددة؟

اختفى القط مرة أخرى لأن الأرنب الأبيض عاد وهو يحمل قالباً من الحلوى، وأحست أليس بالجوع الشديد ولكنها لم تأكل لمشاركتها المضربين عن الطعام من سكان النخيل تعاطفاً مع حكيم النخيل الذي أودع القفص لأنه رفض تخريب الغربان المهاجرة لتربة سكان النخيل... ولكن صانع قبعات السيرك وصل مسرعاً وقدم لها قطعة من الحلوى أيضاً وفنجاناً من الشاي وقال: تفضلي فأنا ذاهب لقد دعوني إلى المحكمة لأنني شاهد الإثبات على طبيب الغابة الذي اتهم بمداواة جروح بعض البلابل التي كانت تغرد كل صباح بما لذ وطاب من حلو الحكايات. فقالت أليس: إذاً لماذا يعاقب هذا الطبيب بدل شكره على مداواة البلابل المغردة؟ فلم تسمع جواباً سوى: نادوا على شاهد الإثبات الثاني.

فقالت أليس: ولكن كيف سجنتم الطبيب وتحاكمونه بدل تكريمه؟ كيف يحدث ذلك عندكم؟ فاحمر وجه حامل الختم ووضع غطاء يصم به أذنيه وصاح بالجنود: اقبضوا عليها... فضحكت أليس. وسمعت صوتاً ضعيفاً من طفلة تبكي أمام صورة عملاقة لأبيها: لقد تأخرتِ كثيراً يا أليس...تأخرتِ...عن رؤية بلاد العجائب؟ فقالت أليس: أنا أقصد جزر العجائب... فردت الطفلة: لا فرق يا أليس... لا فرق... أرجوك ابحثي عن أرنبك الذي أوصلك لنا واخرجي من هنا... فالأذان صماء والقلوب حجارة صماء والوعي يتم كيه... والغاز قاتل... والألم قاتل... والجرح قاتل... والحرف قاتل... والدم وحده... مقتول... فبكت أليس مع الطفلة حتى ابتلت مخدتها...

وهنا سمعت صوت أختها لميس يناديها: أليس... استيقظي يا أليس... استيقظي يا أليس انتهى الحلم.

استيقظت أليس منزعجة جداً من هذا الحلم الغريب حقاً، وتساءلت: ماذا حدث؟ أين تلك الجزر التي سمعت من جدتي عنها وعن جمالها وطيبة أهلها؟ أين كنت؟ ولماذا أنا؟ وفجأة سمعت دوي انفجار من الخارج سقطت على إثره صورة معلقة على جدار الغرفة وتهشمت لشخص كانت تعتز بقراءة ما يكتب ذات يوم من أيام الزمن الجميل، فتدثرت باللحاف وقررت أن تبقي عينيها مفتوحتين كي لا تحلم مرة أخرى بما رأت.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3507 - الجمعة 13 أبريل 2012م الموافق 22 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:20 ص

      نعم نعم سكان النخيل

      سكان النخيل والبحر
      ولم تكن ابدا لسكان الصخر والبر
      لذلك تراها غير راضية ولعنتها سارية المفعول لحين تقويم الأمور
      قلبه يوجعه هذا ما قال لي البلبل الصداح عن البلأ بيل فقد سقط السعف فلا سماء ومكان للتغريد وهم في غضب
      --
      وتسلموا وتسلم اناملكم الروعة استاذنا

    • زائر 2 | 1:06 ص

      حسرة

      حسرة عليك ياشعبي يامن جذرورك ضاربة قدم نخيل بلادي تنهشك الحوانات المفترسة والغربان الجارحة والمهاجرة الضالة أليس كذلك؟

    • زائر 1 | 11:40 م

      روعة

      احسنت و بارك الله في قلمك الحر المبدع. لعل الناس تفهم قصصك و تتفهم ما يدور حولها

اقرأ ايضاً