العدد 3519 - الأربعاء 25 أبريل 2012م الموافق 04 جمادى الآخرة 1433هـ

الأزمة السياسية... إلى أين تتجه؟

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

لم يكن الوطن في زمن من الأزمان قد تعرض إلى نكسة كبيرة في عمق نسيجه الاجتماعي والإنساني، كما يحدث إليه في وقتنا الحاضر. فكنا جميعا نفخر في مختلف المحافل التي نتواجد فيها داخل الوطن وخارجه، بتآلف ومحبة ومودة وتسامح وتعايش مكوناته الاجتماعية والإنسانية رغم تنوعاته الطائفية والمذهبية والعرقية. ولم يخطر ببال أحد من أبنائه الأوفياء أن يتمكن أحد من إحداث شرخ صغير كان أو كبيراً في تلاحمه الوطني والإنساني. ولم يطرأ على فكر أحد أن هناك أحداً قد يتعمد تمزيق وحدته وتلاحمه الوطني والإنساني بالأفكار والأعمال الطائفية البغيضة.

إن ما حدث من تباعد نفسي بين مكونات البلد فاق كل التصورات الوطنية والإنسانية، وأذهل كل المخلصين لهذا الوطن. والاستهداف الطائفي الصريح والواضح للكفاءات الوطنية المتخصصة من تجار ورجال أعمال وأطباء وطبيبات وممرضين وممرضات ومسعفين ومعلمين وطلبة من مختلف المراحل الدراسية، ومهندسين وفنيين وموظفين وإداريين وفنانين ورياضيين وإعلاميين وكتاب وشعراء ومحامين وحقوقيين ونقابيين وبلديين وحراس مدارس وعسكريين وعمال في القطاعين العام والخاص. وكان قرار الفصل والتوقيف عن العمل والاستقطاع من الرواتب محل إدانة واستنكار من جميع المنظمات الحقوقية الدولية، لمخالفتها لميثاق العمل الوطني والدستور والعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إن مما لاشك فيه أن ما حدث لتلك الكوادر الوطنية من انتهاكات حقوقية صارخة كان طائفياً بامتياز، وأقصد أن جميع من عوقبوا وفصلوا أو أوقفوا عن أعمالهم واستقطعت رواتبهم هم من مكوّن واحد. وكان لهذه الخطوة التي أضرت بآلاف الأسر اقتصادياً ونفسياً الأثر الأبرز في تعقيد الأزمة وتوسيعها.

وأما القرار العنيف الذي أصاب المشاعر العقائدية في العمق هو هدم عشرات المساجد والعبث بمحتوياتها الدينية بشكل أثار حفيظة الإنسانية الرافضة لكل أنواع الطائفية والمذهبية المتحاملة. فكان يقال إن من عايش فترة هدم المساجد لم يفكر في هويتها بقدر ما كان يفكر في هوية من قرّر ومارس هذا الفعل المستنكر من جميع المسلمين. فهذه الخطوة الخاطئة التي دونت في تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق بوضوح، لم يكن أحد من أبناء هذا الوطن يتخيلها في مرحلة من المراحل. فالأيدي التي كانت تعبث بمكونات هذا البلد لتمزيقه وجعله شِيَعاَ قد أفشلها وعي شيعة وسنة هذا الوطن، وكأن عدم تجاوبهم لكل المحاولات الطائفية كانت رسالة واضحة وجلية لأولئك الذين يسعون بجد لتخريب العلاقات الاجتماعية والإنسانية التي جبل عليها ابن هذا البلد الطيب، الذي كان همه الوحيد ترسيخ تلك العلاقات بين جميع المكونات الوطنية، لتصل إلى أعلى المستويات الإنسانية. فلهذا كان يعلن في مختلف المحافل الدينية والاجتماعية نبذ الطائفية البغيضة التي لا تجرم التمييز بين أبنائه. فالفكر الوطني لا يقبل إلا أن يتعامل مع جميع مكونات الوطن بالعدل والمساواة والإنصاف في مختلف الاتجاهات السياسية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية والحقوقية، لعلمه الأكيد أن التمييز بين مكوناته يوجد غبناً وتذمراً في أوساط المجتمع، ويؤدي إلى أوضاع غير مستقرة اجتماعياً ونفسياً ومعنوياً ومادياً. فلا أحد من أبناء الوطن يرغب في إطالة عمر الأزمة السياسية الوطنية، والكل يتطلع إلى حل واقعي تتوافق عليه الأطراف المعنية، والكل مقتنع أن العنف يزيد الأزمة تعقيدا، وأن المعالجة السطحية لا تنهيها ولا تحدها.

المسألة تحتاج إلى خطوات كبيرة تتقدم على الحل السياسي، وكل المؤشرات تشير إلى تعميق الأزمة وتشعبها بسبب تأخر الحل. فقد بدأت أزمة سياسية وبعد اتخاذ الإجراءات المخالفة للقانون المحلي والدولي ضد من أبدوا بآرائهم، أخذت الأزمة أبعاداً أخرى، نفسية ومعنوية واجتماعية واقتصادية ومذهبية وإنسانية وحقوقية واسعة، فكانت السبب المهم في إحراج الوطن أمام المنظمات الحقوقية وفي المحافل الدولية. فهذا الذي حدث لم يكن أحد من العقلاء يرغب الوصول إليه، فالوطن في الأدبيات الوطنية والإنسانية أكبر من جميع الاختلافات والخلافات، وتعريضه للحرج ليس هدفاً لأي من الأطراف التي صدعت برأيها، بل هدفها رفعته من خلال تنميته ديمقراطياً ووطنياً وإنسانياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.

إننا وسط كل هذه المزايدات والتجاذبات السياسية والطائفية والإنسانية والتدخلات الخارجية، الكل يسأل: إلى أين تتجه الأزمة السياسية بالوطن؟ سؤالٌ يحتاج إلى إجابة صريحة وواضحة، ترسم من خلالها خارطة طريق جادة لحاضر ومستقبل الوطن.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 3519 - الأربعاء 25 أبريل 2012م الموافق 04 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:04 م

      الحال والمُحال الى السياسة!

      من المعلوم أن الديناصورات اختفت من على وجه الارض ليس لأن الانسان لم يطعمها فماتت. وانما اندثرت لأسباب أخرى منها الزلازل.
      فليس هناك صفر مطلق يعرفه الناس الا في حالة تجمد الماء. وحتى هذا التجمد خاضع للحرارة، فمتى ما تغيرت درجة الحرارة بطل الصفر وعاد يخضع للقانون وهو تغيير الحالة.
      فدوام الحال من المحال. ليس الى التحقيق طبعا!
      و الصخور الكبيرة لا تفتتها الامواج العالية، وانما القطرات الصغيرة!!
      فمن يستطيع ان يوقف التغيير؟

    • زائر 1 | 8:10 ص

      اخي

      لقد صدقت تباعدت القلوب بعد ان كانت متالفة محبة لاتشوبها شائبة فنطلب من الله سبحانه وتعالى ان ترجع القلوب الى محبتها السابقة وتترك عنها الحقد والتامر

اقرأ ايضاً