العدد 355 - الثلثاء 26 أغسطس 2003م الموافق 27 جمادى الآخرة 1424هـ

الإسلاميون والخطاب الجماهيري... الشيخ كشك أنموذجا

سلمان عبدالحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب

لقد تميز الإسلاميون على امتداد العالم العربي والإسلامي عن غيرهم من أصحاب التيارات الأخرى المنافسة بنجاحهم الباهر على صعيد الاتصال الشعبي الجماهيري، ما أكسبهم ثقة الشارع العربي الإسلامي، وأصبحت بعض الحركات والشخصيات الإسلامية رمزا للجماهير في معركتها ضد قوى الاستعمار في الخارج والداخل، للدفاع عن مقدسات الأمة، وحفظ عقيدتها، وتحرير أراضيها من رجس الاحتلال الغربي والصهيوني.

إن إلقاء نظرة فاحصة على خريطة العمل الإسلامي تؤكد لنا أن التيارات الإسلامية التي اتبعت نهجا منغلقا في تعاملها الجماهيري، واختارت الجلوس في الأبراج العاجية لتخاطب الصفوة المثقفة فقط، هذه التيارات لاقت رواجا محدودا، ولم تحقق أي نوع من الاختراق الشعبي الجماهيري، ولعل تجربة «حزب التحرير الإسلامي» خير شاهد على ذلك. بينما التيارات الأخرى (موضوع حديثنا الآن) التي أولت الخطاب الجماهيري كل عناية واهتمام نجحت نجاحا باهرا في كسب ثقة الناس ومحبتهم، ومن الأمثلة على ذلك تجارب «الإخوان المسلمين» في مصر والجزائر والأردن واليمن وغيرها، وتجربة «حزب الله» في لبنان، وتجارب أحزاب «الرفاه، الفضيلة، والعدالة والتنمية» في تركيا. أما على صعيد الأشخاص، فقد برز في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصر الكثير من القادة والعلماء والمفكرين الذين نالوا ثقة الجماهير من خلال نوعية الخطاب الذي حرصوا على أن يكون الرابط بينهم وبين الجماهير المسلمة، وهو ذلك الخطاب الواقعي السهل، البعيد عن التعالي والتعقيد، والمرتبط بحياة الأمة ومشكلاتها وتطلعاتها، ومن الأمثلة على ذلك: حسن البنا ومحمد الغزالي وعبدالحميد كشك في مصر، وعبدالحميد بن باديس ومحفوظ نحناح في الجزائر، وعبدالمجيد الزنداني في اليمن، ومحمد محمود الصواف في العراق، ومصطفى السباعي في سورية، وسلمان العودة في السعودية، وحسن نصرالله في لبنان، وسعيد النورسي ونجم الدين أربكان في تركيا.

الشيخ عبدالحميد كشك: بطاقة حياة

أما الشيخ عبدالحميد كشك، فهو الخطيب المفوّه، والداعية الكبير الذي لقي ربه وهو ساجد يصلي، ويعتبر الأشهر بين من اعتلوا منبر الجمعة في السبعينات والثمانينات من القرن الميلادي الماضي.

ولد الشيخ كشك في قرية (شبراخيت) بمحافظة البحيرة في العاشر من مارس/آذار العام 1933، وحفظ القرآن الكريم وهو دون العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية. وفي السنة الثانية من المرحلة الثانوية حصل على تقدير 100 في المئة، وفي الشهادة الثانوية الأزهرية كان ترتيبه الأول على الجمهورية. التحق الشيخ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته، الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب، وخصوصا علوم النحو والصرف.

بعد تخرجه في كلية أصول الدين، حصل على إجازة التدريس بامتياز، ثم عمل إماما وخطيبا بمسجد الطحان في منطقة الشرابية في القاهرة، ثم انتقل إلى مسجد المنوفي بالشرابية أيضا، وفي العام 1962 تولى الإمامة والخطابة في مسجد عين الحياة... ذلك المسجد الذي ظل الشيخ يخطب فيه إلى أن اعتقل في العام 1981، ومنع نهائيا من الخطابة إلى أن لقي ربه.

ويذكر أن أول خطبة خطبها الشيخ وهو ابن 12 سنة، وذلك في مسجد قريته عندما غاب خطيب المسجد، فتكلم عن المساواة والتراحم بين الناس، وطالب بالدواء والكساء لأبناء القرية، الأمر الذي أثار انتباه الناس إليه، والتفافهم حوله.

وتعرض الشيخ للاعتقال للمرة الأولى في العام 1965، وظل في المعتقل لمدة عامين ونصف، تنقل خلالها بين ليمان طرة، وأبوزعبل، والقلعة، والسجن الحربي.

ويذكر أن الشيخ كشك كان مبصرا إلى أن صار عمره ثلاثة عشر عاما ففقد نور إحدى عينيه، وفي سن السابعة عشرة، فقد العين الأخرى، وكان كثيرا ما يقول عن نفسه، كما كان يقول عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما:

إن يأخــذ الله من عينـيّ نــورهما

ففــي فــؤادي وعـقلي عنهمـا نــور

كانت نهاية الشيخ بحق هي حسن الختان . ففي صباح يوم الجمعة ، الخامس والعشرين من شهر رجب للعام 1417، الموافق 6 ديسمبر/كانون الأول 1996، توضأ الشيخ في بيته لصلاة الجمعة، وكعادته، كان يتنفل بركعات قبل الذهاب إلى المسجد، فدخل في الصلاة، وصلى ركعة، وفي الركعة الثانية، سجد السجدة الأولى ورفع منها، ثم سجد السجدة الثانية وفيها أسلم الروح إلى بارئه.

الخطاب الجماهيري عند الشيخ كشك

ترك لنا الشيخ كنزا من الأشرطة تضم خطبه ودروسه، وكان لها الأثر الكبير في أوساط الجماهير المؤمنة، خصوصا الشباب، وكتب الله لهذه الأشرطة الذيوع والانتشار في شتى أنحاء الأرض. ووصل عدد خطبه إلى 425 خطبة. تسمع أشرطته عند أساتذة الجامعات كما تسمعها عند سائقي السيارات وبائعي الفاكهة والعصائر، وكان يحبه العلماء والمثقفون كما يحبه العامة والفلاحون والعمال. وكان الحبل المتين الذي يصل الشيخ بجماهيره ومحبيه هو ذلك الأسلوب السهل الواضح، البعيد عن التكلف والتعالي... الأسلوب الواقعي الذي لم يكن يضيره أن يلهب العواطف أحيانا، أو أن يعمق صلة الجمهور بدينه وتراثه، وبرع الشيخ في استعراض أمراض الأمة ومشكلاتها، ثم توضيح الحلول المناسبة، التي تتماشى ومقدسات الأمة وتطلعاتها.

وإذا أردنا أن نضع مفاتيح لشخصية الداعية الكبير عبدالحميد كشك، تلك المفاتيح التي كانت عونا له في النفاذ إلى قلوب الناس، وكسب ولائهم ومحبتهم، فإننا نجد أنها تتلخص في أربعة أمور هي:

أولا: الإخلاص العميق في كل علم وعمل.

ثانيا: الصدق والثبات والشجاعة إلى أقصى حد.

ثالثا: الذكاء الحاد وخفة الظل التي قرّبت مفاهيم الدعوة للناس.

رابعا: المواهب الشخصية التي حباه الله بها، كالذاكرة الذهبية، والفصاحة التي لا مثيل لها.

رحم الله الشيخ الجليل، والداعية الكبير عبدالحميد كشك، ورحم الله كل من ضحى بنفسه وماله ووقته في سبيل رفعة هذا الدين العظيم

إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"

العدد 355 - الثلثاء 26 أغسطس 2003م الموافق 27 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً