العدد 355 - الثلثاء 26 أغسطس 2003م الموافق 27 جمادى الآخرة 1424هـ

من ينتشل سفينة الأوقاف الغارقة؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الحديث لم ينتهِ عن الاوقاف، فتح هذا الملف كان زلزالا، ونحن نعيش توابعه الآن. وما يزيد من حساسية الموضوع ارتباطه بالجانب الشرعي، الذي يأتي في مقدمة الاعتبارات لدى قطاع كبير من هذا الشعب الذي أوقف آباؤه وأجداده جزءا من أموالهم وعقارهم ومزارعهم لتصرف في موارد يرضاها الرب، فإذا بها تدخل في دهاليز معتمة، مع غياب الإشراف الشعبي، لينتهي الوضع إلى الحال الراهنة المحزنة.

وفي الوقت الذي يتجه فيه البلد ومؤسساته نحو الانتخابات، نرى هذا القطاع مستثنى، يُراد له ان يعيش خارج السرب. ومن الغريب أن يكون هناك إصرارٌ على تجاهل هذه الطريقة، فهي أفضل طريقة اختيار متاحة، أو على الأقل أقل الطرق سوءا، من حيث تجدّد الدماء لكيلا تركد المياه وتأسن، فأنت بإمكانك ان تغيّر القيادات بين فترة وأخرى، اعتمادا على ما يبذلونه. ثم ان الانتخابات من شأنها أن تبرز إلى السطح النوعين الجيد والرديء، وعليك أن تختار. فليس كل انتخاب سيء، وليس كل تعيين صائب، وهذه الدنيا المتحضرة تسير على هذا المنهاج. فلابد من إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، ولا ينبغي ان تبقى الأوقاف مؤسسة مهملة مستضعفة تدار بطرق إقطاعيات القرون الوسطى، وخصوصا ان المؤسسات التي تشملها من مساجد ومآتم بالخصوص لها تجربتها الحديثة الرائدة التي أخذت بالتأصل في كل المناطق والقرى تقريبا، بما فيها كثير من مؤسسات العاصمة.

في العقود السابقة كانت المآتم تتبع أفرادا وعوائل، ولكننا عشنا في العقدين الأخيرين تجربة من التغيير داخل هذه المؤسسات، بعضها كان عنيفا بمقياس ما، وبعضها سار باتجاه هادئ أكثر ديمقراطية. والانتخابات لم تعد غريبة على الممارسة على أرض الواقع، فهذه المؤسسات تشهد انتخابات منتظمة تأتي بإدارات وتذهب بإدارات أخرى. والناس تنتخب وتختار أفضل من يحقّق طموحاتها ويلامس مشكلاتها وهمومها، وإن كان على هذا النطاق الضيق. فإذا كانت هذه المؤسسات ارتقت كثيرا في طريقة اختيار اداراتها، فلماذا يراد الاستمرار في طريقة التعيين وفرض أشخاص على رغم أنوف الجميع، وبعضهم ليس له من الصدقية ولا يحظى بالثقة العامة التي تؤهّله للفوز في أية انتخابات حرة مباشرة؟

ثم ان الرفض لطريقة الانتخاب ليس له بديل غير استمرار هذا الوضع المرفوض. وهذه مسألة مطروحة أمام علماء الدين، الذين يفترض فيهم السعي أكثر من غيرهم من أبناء المجتمع، إلى المحافظة على هذا الصرح، فعند رفض الموجود لابد من اقتراح البديل، لكيلا يستمر ضياع الاوقاف المرصودة باسم الامام الحسين (ع). وإذا كانت هناك انتقادات لطريقة التعيين الرسمية فإن موقف علماء الدين لا يخلو من الانتقاد إذا ابتعدوا عن الساحة وأخلوها لمن هو غير مؤهل أو أمين. ولابد من الإشارة هنا إلى أن القضية ليست قضية أسماء أو معممين، بل قضية نزاهة ونظافة يد وإحساس عميق بالمسئولية تجاه الله قبل أن تكون قضية خوف من الفضيحة امام الناس.

أجراس التغيير قُرعت، والتغيير مقبلٌ لا محالة، هناك وجوه ستختفي قريبا، والمجتمع المصدوم لن يقبل بعد اليوم إلا بتصحيح الوضع بما يتوافق مع الأهداف العليا التي وُضع من أجلها الوقف. ولكن هناك خوفان: الأول ان يتم ذلك في ليلٍ، على طريقة إقالة إدارة واستبدالها بأخرى كما لمح بعض العارفين، وكما تم في حالات أخرى إذ أحيل فيها من حامت حولهم الشبهات إلى التقاعد فذهب الجمل بما حمل وضاعت الحقوق، وكأن المال العام نهبٌ لمن أراد. وهذا لن يكون مقبولا بالذات في الأوقاف، لأنه إذا ثبتت التهمة وقدمت الأدلة ونشرت الأرقام، فإن الشخص الذي تعرّض للسرقة ليس مجهولا، وانما هو ابن فاطمة الزهراء (ع)، الذي رُصِدت غالبية هذه الأوقاف حبا فيه وإحياء لذكراه. هناك تلميحات باقتراب هذا الحل، لفلفة للقضية وتسترا على الأخطاء. وهو أمرٌ لن يخلي الحكومة من المسئولية، كما لن يخلي علماء الدين من المسئولية الابتعاد عن الساحة واكتفاؤهم بالجلوس على الشاطيء وندب الزمن الفاسد ولعن الظالمين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 355 - الثلثاء 26 أغسطس 2003م الموافق 27 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً