العدد 3558 - الأحد 03 يونيو 2012م الموافق 13 رجب 1433هـ

ملاحظات حول الصين وأحوال المسلمين من واقع زيارة جديدة (2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

الملاحظة الخامسة: إن الصين لاتزال محافظة على طابعها الشرقي بمعنى كرم الضيافة والاهتمام بالضيف والسعي لإظهار أحسن ما لديها مع احترام تقاليد الضيف، فمثلاً في كثير من الأحوال يحرص المرافقون على تناول الطعام بمفردهم وترك الضيوف بمفردهم لاختلاف عادات ونوعية الطعام، ماعدا في المآدب الرسمية التي يتشارك فيها الطرفان. ومن التقاليد الشرقية الحرص على تعريف الضيف بتراث الدولة وحضارتها ومظاهر تقدمها، ولكن تختلف الصين المعاصرة في إضافة بعض عناصر القصور أو الضعف لديها، وهذا من سمات التواضع الصيني المفتقدة في الشرق الأوسط، فكثير من الدول الصغرى ترى أنها أهم من غيرها من الدول الأكبر منها حجما، وتركز على مبادئ المساواة في السيادة والتمسك بها بشدة في عصر تتآكل فيه مفاهيم السيادة المطلقة لمصلحة مفاهيم التعاون والاندماج السياسي والاقتصادي والثقافي كما في الاتحاد الأوروبي. الصين من ناحيتها تركز على مبدأ الوحدة الحضارية وتماثلها مع الوحدة السياسية مع ترك المرونة في المجال الثقافي والسياحي وإلى حد ما في المجال الاقتصادي.

الملاحظة السادسة: اجتمع مع الوفد السفير ووسيكا Wu Seke المبعوث الخاص للصين للشرق الأوسط وهو من كبار المتخصصين في الشئون العربية، كما اجتمع مع نائب وزير الاتصالات الدولية للحزب (بمثابة نائب وزير خارجية الحزب) ومع بعض المسئولين في مكاتب الشئون الخارجية في إقليم ننشيا وشنغهاي، وكذلك مع بعض المسئولين عن الشئون الاقتصادية في المدن الثلاث وعقد ندوة عن العلاقات العربية الصينية شارك فيها أكاديميون صينيون من جامعة بكين ومن مركز دراسات العالم المعاصر، وهو يمثل مركز الفكر للحزب الشيوعي الصيني ) Think Tank أظهرت الندوة ثلاثة أمور: أولها اهتمام الصين بأحداث العالم العربي وثانيها الحاجة لمزيد من التفاعل وتبادل الآراء لتضييق المسافة بين رؤية كل من الصين أو العرب بالنسبة لبعض قضايا السياسة الدولية ذات الاهتمام المشترك. وثالثها حاجة العرب للاستفادة من النموذج الصيني في بناء كادر عربي وفي كل دولة يُعرف اللغة الصينية والثقافة الصينية. كما زار الوفد المركز الثقافي في ننشيا، وهو مركز حضاري ومسجد حديث للغاية وتحاور المشاركون مع بعض المسلمين في ذلك المركز وغيره كما تحاوروا مع المسئولين الحزبيين حول نفس القضايا، كذلك زار الوفد مناطق التهجير للسكان الفقراء إلى مناطق أكثر حداثة نسبياً، وإن كانت لاتزال تحتاج لمزيد من التطور، وأيضاً زار مركز التعاون الاقتصادي والتجاري العربي الصيني (تحت الإنشاء) في إقليم ننشيا ليكون أساساً للاجتماعات واللقاءات بين الطرفين في المستقبل خاصة أن الإقليم عقد مؤتمرين في الماضي تحت مسمى منتدى التعاون التجاري والاقتصادي العربي الصيني، وسيعقد المؤتمر الثالث له في سبتمبر/ أيلول المقبل، كما زار الوفد في بكين مقر الفضائية الصينية الناطقة باللغة العربية، وزار برج شنغهاي الذي يعد من أعلى الأبراج على المستوى العالمي وهو مزار سياحي وثقافي للمواطنين والأجانب.

الملاحظة السابعة: إن الإنشاءات الكبرى في الصين تخضع لمبدأ المناقصات الدولية، ويفوز ببعض هذه المناقصات شركات أميركية أو أوروبية أو يابانية وخاصة بالنسبة للتصميم أو توريد بعض الأجهزة التكنولوجية العالية التقدم ولكن التنفيذ يقوم به الصينيون وهذا دليل على المرونة والانفتاح والحرص على الاستفادة من الخبرات الأجنبية بدون تردد خاصة في ظل الطموحات الصينية العالية.

الملاحظة الثامنة والأخيرة: ذات طابع شخصي وهي التعبير عن الشكر لزملائي من الوفد العربي ومن الجانب الصيني على حسن ظنهم في قدراتي والإصرار على اختياري رئيساً للوفد وما أبداه الطرفان من تعاون وتناغم في كافة تحركات الوفد والتزامه بالبرنامج والمواعيد واللقاءات والتحاور الصريح تجاه مختلف القضايا العربية والصينية، وهو تحاور اتسم بالمودة والاحترام المتبادل من الطرفين خاصة أن الدعوة للمشاركين من الدول العربية، كانت دعوة بصفتهم الشخصية وكانت الحوارات تحمل اجتهادات ورؤى شخصية وليست رسمية، ولعل ذلك يظهر أهمية الدبلوماسية غير الرسمية التي يطلق عليها المسار الثاني Track II والتي يمكن أن تتكامل مع الدبلوماسية الرسمية.

ولعلني أشير إلى معلومة مهمة وذات دلالة ذكرها أحد المسئولين الصينيين بقوله «هناك أكثر من 53 آلية للتحاور الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة»، ومن ثم فإن العلاقات العربية الصينية تحتاج لمزيد من آليات الحوار.

وفي الختام أقول إنني كدارس للشئون الصينية أجد في كل زيارة للصين فائدة ومعرفة جديدة وخبرة جديدة تزيد من فهم الشخصية الصينية والثقافة الصينية، كما أجد في ذلك زاداً فكرياً لفهم سر تقدم الصين وسر المعجزة الصينية، وكذلك سر مرونتها ومنهجها البراغماتي، ومقدرتها على مواجهة العواصف العاتية في السياسة الدولية والمرور عبرها بسلام، ولذلك فمن الأمثال الصينية ذلك الخاص بالصبر والذي يقول «إن الصيني يجلس على النهر حتى يأتيه السمك فيصطاده» ولا يرغب في التهور أو الاندفاع، بعبارة أخرى إنه يقدر العواقب، حق التقدير ويحسن الاستفادة من تفاعل الحضارات، ولا يهتم كثيراً بتصادمها، رغم أنه يضع الاحتياطات لحدوث مثل هذا التصادم لكي يتجنبه، أو يعبر مرحلته بأقل الخسائر ولذلك فإن الصين المعاصرة تتقدم باستمرار وعينها على أخطاء الآخرين للاستفادة منها.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3558 - الأحد 03 يونيو 2012م الموافق 13 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً