العدد 3571 - السبت 16 يونيو 2012م الموافق 26 رجب 1433هـ

تعلّم السلام

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

تشكِّل قضية السلام مكانة بارزة في عالمنا اليوم، إذ ان كثيراً من المنظمات الدولية والهيئات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني منشغلة بالسلام، وقليلاً ما تم ربطها بقطاع التربية والتعليم.

مساء الأحد الماضي تمَّ تدشين النسختين العربية والإنجليزية من كتاب «تعلّم السلام learn peace كيف يستطيع الطلبة تخليص العالم من الأسلحة النووية»، وذلك في مركز كانو الثقافي تزامناً مع الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على الأسلحة النووية بحضور عدد من مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالسلام وجمع من المهتمين بالشأن التعليمي والثقافي.

الكتاب من تأليف وتصميم الأسترالي تيم رايت، وترجمة الطالبة المتدربة بكلية البحرين للمعلمين فاطمة البقالي وإشراف ناصر بردستاني.

في الكلمة الافتتاحية تحدثت الطالبة البقالي عن تجربتها الذاتية في مجال الترجمة وأبرز التحديات التي واجهتها في هذا المجال، وخصوصاً أن هذه التجربة تعدُّ الأولى من نوعها بالنسبة إليها، كما لم تخفِ شغفها بالأنشطة التطبيقية الموجودة في الكتاب والتي شجعتها أكثر على قبول فكرة التجربة، بوصفها طالبة متدربة، فالأنشطة مقسمة على أربعة أقسام (اللغة والفنون والإنسانيات والمجتمع) وفي كل قسم يوجد عدد من الأنشطة المقترحة التي تناسب مختلف الأعمار وتوضح الدور الذي يمكن أن يلعبه الطلبة لتخليص العالم من الأسلحة النووية.

أما المشرف على الكتاب ناصر بردستاني فقد أشار في كلمته إلى جهود الأمم المتحدة في العام 2002م عندما قامت بإجراء دراسة مفصلية مهمة عن موضوع تدريس طلبة المدارس القضايا المرتبطة بمناهضة التسلح ومنع انتشار الأسلحة، حيث توصلت تلك الدراسة إلى أن تعليم الطلبة وتثقيفهم بالأضرار المترتبة على استخدام الأسلحة في الحروب يجب أن يكون جزءاً أساسياً من المناهج التعليمية في كل البلدان، وأن هذا التعليم يجب أن يشكل اللبنة الأساسية لإيجاد عالم خال من الأسلحة النووية، ومن دون فهم صحيح للخطر النووي فلن يكون لدى الطلبة أدنى قدرة على اتخاذ خطوات سليمة من أجل تحقيق حلم القضاء على تلك الأسلحة، فالجيل الذي ترعرع بعد الحرب الباردة يمتلك القليل من المعلومات عن الأسلحة النووية؛ نظراً لعدم تغطية وسائل الاعلام لهذا الملف بالشكل الكافي، فكانت النتيجة أن الغالبية تجهل حقيقة وجود إرث ثقيل من تلك الحقبة التاريخية تتمثل بأكثر من 20 ألف رأس نووي، وبالتالي يتحتم علينا تغيير هذا الواقع فوراً.

جاء الكتاب كمحاولة لتنمية ثقافة السلام عبر بوابة التعليم، وهو ما ينسجم مع أهداف ومجالات عمل شبكة المدارس المنتسبة لليونسكو في المحاور الأربعة: السلام العالمي وحقوق الإنسان والحوار الثقافي والتنمية المستدامة.

والسؤال المطروح: لِمَ التركيز على التعليم؟

يمثِّل التعليم أحد أبرز القطاعات التي تساهم في تنشئة الأجيال على مبادئ السلام، وهو الأساس الذي انطلق منه المؤلف، حيث قام بتوظيف أفضل الممارسات والاستراتيجيات التربوية الحديثة لتعزيز هذه المبادئ، فلم ينطلق من ذهنية تقليدية في السرد والتفصيل، بقدر ما سعى للتأكيد على مفهوم «التعلُّم» بدلاً من «التعليم»، وقد بدا ذلك جلياً في استخدامه لفعل الأمر بالعنوان «تعلّم السلام»، فالمحور هو الطالب في تلقِّيه للأنشطة والتطبيقات التي اشتملت على 18 نشاطاً من مختلف الأعمار، فبعضها يختبر مهاراتهم الحوارية والبعض الآخر مهاراتهم الكتابية والفنية، وجميعها تساعدهم في فهم وإدراك التهديد الذي تشكله الأسلحة النووية على البشرية، بحيث يقوم الطلبة أنفسهم بتمثُّلها وأدائها في الفضاء التعليمي.

يعتقد الكثيرون ـ ونحن نعيش نشوة الفرح بتفوق وتخرُّج أبنائنا وبناتنا الطلبة من المدارس ـ أن الغاية من التعليم هو زيادة مستوى التحصيل الدراسي أو المعدلات التراكمية، ولكن الأهم من ذلك كله هو ربط التعليم بالمهارات الحياتية من أجل الوقاية من العنف وبناء السلام وتنمية المعارف والمهارات والتوجّهات والقيم المطلوبة لإحداث التغيير السلوكي لدى الأطفال والشباب والراشدين كما ورد في أدبيات اليونسكو.

إن التربية من أجل السلام لابد أن تشمل المجالات الثلاثة التالية:

الأول ـ المجال المعرفي: ويشمل الحقائق والأرقام التي يجب على الطلبة معرفتها عن خطورة انتشار السلاح النووي مثلاً، ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى تجربة اليابان وما تعرضت له نتيجة إلقاء القنبلة النووية على مدينتي هيروشيما وناكازاكي، هذا الدمار الذي أثر على حقوق الإنسان والبيئة وعملية التنمية، وتوجيه أنظار الطلبة في المدارس إلى ضرورة تبنِّي الخيارات السلمية في معالجة الأزمات بدلاً من المواجهات العسكرية التي تأكل الأخضر واليابس.

الثاني ـ مجال الاتجاهات والمواقف: وهنا يقف المعلم عند مواقف الطلبة واتجاهاتهم وتصوراتهم عن مفاهيم السلام والعنف وكيفية إدارة الأزمات وتشجيعهم على الحوار ودعم الحلول الديمقراطية التي تكرس مبدأ العدالة والمساواة والحرية.

الثالث ـ مجال المهارات: ويشمل مهارات إدارة النزاعات ومهارات تحليل الأزمات ومهارات الاتصال، والمهارات الشفهية والكتابية في إعداد التقارير، ومهارات العمل ضمن فريق واحد وغير ذلك.

ويكون دور المعلم في هذا المجال تدريب الطلبة على اكتساب هذه المهارات من خلال إدارة خلافاتهم ومشاكلهم في البيئة المدرسية بالطرق العلمية والموضوعية كالمناظرة والحوار والتمثيل وتقمُّص الأدوار كما في جلسات الأمم المتحدة بعيداً عن التشنجات أو الصراعات.

لكي يكتب النجاح لمثل هذه التجربة، فإن من الأهمية بمكان السعي لتحقيق هدفين رئيسيين وهما، الأول: لفت أنظار المسئولين وصنَّاع القرار من أجل تقديم الدعم السياسي الكافي؛ لتضمين مفهوم «السلام» في جميع مجالات ومراحل التعليم، والآخر: تشجيع المعلمين وتدريبهم على التدريس من أجل السلام. هذا التوجُّه نحو إدماج ثقافة السلام في المؤسسات التربوية والتعليمية مطلب أممي ومحلي في الوقت ذاته، إذ «يهدف التعليم إلى تنمية مفاهيم التربية من أجل السلام، والمستقبل الإنساني الأفضل والتعاون والتضامن الدوليين على أساس من العدل والمساواة والتفاعل والاحترام المتبادل بين جميع الدول والشعوب» (قانون رقم 27 لسنة 2005 بشأن التعليم في مملكة البحرين، المادة الثالثة، بند 5).

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3571 - السبت 16 يونيو 2012م الموافق 26 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً