العدد 3580 - الإثنين 25 يونيو 2012م الموافق 05 شعبان 1433هـ

أي نسيج اجتماعي هدمتم؟

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بين طفلين تغيرت البحرين، الطفل الأول اسمه بدر، والطفل الثاني اسمه أحمد، ولست أدري لماذا كبرى القضايا دائماً اسمها «أحمد»؟

الطفلان كلاهما في العمر نفسها تقريباً، الأول هو بدر جواد حسن (3 أعوام)، والطفل الثاني هو أحمد ناصر النهام (4 أعوام). كلاهما من أسرة معوزة، لكنها مستورة، وهما من قريتين متقاربتين في جزيرة المحرق، وحدثت مأساتهما في شهرين متقاربين وفي يومين من أيام الأسبوع أيضاً متقاربين وبين الظهيرة والمساء؛ لكن ما يفصل بينهما هو خمس سنوات فقط.

الأول بدأت أخبار اختفائه ظهر الثلثاء 10 يوليو/ تموز 2007، ثم تلاشت حتى اليوم، والثاني طفحت أخباره مساء الأربعاء 13 يونيو/ حزيران 2012 وتوارت كما طفحت على السطح فجأةً بعدما تم تسفيره خارجاً لدرء القصة والخطر الفادح.

أتذكرون، بل كل المجتمع يذكر، أنه قبل نحو خمسة أعوام فقط وفي مثل هذا الوقت من العام 2007 اختفى طفل عمره 3 أعوام من قرية سماهيج لمدة طويلة، وصار حديث مجتمع البحرين بكل أطيافه وطوائفه، واكتسب تعاطفاً كبيراً أقضّ مضجع المجتمع البحريني الذي كنا نعرفه في تلك المرحلة من عمق الوحدة وكينونة المصير الواحد قبل أن تحوم غربان البين والطائفية في سماء البحرين وهي غريبة عن بحره وتربته.

فمنذ اختفاء الطفل السماهيجي (بدر جواد المبارك) ذي الابتسامة الجميلة، من أمام منزله في قرية سماهيج، ملأت صوره الصحافة والمنتديات والقرى والفرجان، وشُغل المجتمع فعلاً بذاك الطفل البريء. حتى أنه لم يأتِ اليوم الثالث من اختفائه إلا وقد استنفرت وزارة الداخلية طاقاتها في البحث عنه. وأعلنت رئاسة الأمن العام أن جهود البحث للعثور على الطفل بدر وصلت لأن تكون هناك دوريات أمنية مكثفة تابعة للشرطة وقوات خفر السواحل وطيران الشرطة وشرطة المجتمع توالي البحث في مختلف مناطق المحرق وحتى امتداد الساحل نحو جزر أمواج. كما استجوب الفريق الأمني المكلف بالبحث عن الطفل مجموعة من العمّال الآسيويين الذين يقطنون في مواقع بقرية سماهيج ضمن جهود البحث لليوم السادس منذ اختفاء الطفل. بل إن الحكومة بأعلى مستوياتها أمرت بتكثيف عمليات البحث عن الطفل المفقود بدر، وأصدرت توجيهات إلى المسئولين بوزارة الداخلية لتوفير كل ما تتطلبه عملية البحث. وأكدت لأسرة الطفل أن المفقود هو ابن كل أسرة بحرينية وأن فقده أحزن الجميع. وقامت مجموعات من الشباب المتطوعين، من مختلف الأطياف والطوائف، في توزيع ملصق خاص بالبحث عن الطفل بدر في المحافظات الخمس.

وتصوّروا أن نادي سماهيج أطلق بالتعاون مع وزارة الداخلية ومؤسسات المجتمع المدني، حملة البحث عن الطفل المفقود، وبالتعاون مع عدد من المواطنين في مختلف المناطق والقرى. كما تم توزيع عدد من الملصقات الخاصة بالحملة على المجمعات التجارية والأماكن العامة، والمصلين قبل وبعد صلاة الجمعة في عدد من الجوامع والمساجد للطائفتين الكريمتين. كما قررت الحكومة توفير سكن سريع وملائم من بيوت الإسكان المنشأة حديثاً لتلك العائلة التي كانت تقطن في بيت آيل للسقوط.

وجندّت المنتديات البحرينية جهودها لتشجيع الناس للمشاركة في البحث وجمع المعلومات، بل إن إحداهن قالت في موقع المنتديات بالحرف: «أنا أقول إن الجيش يعني لو يقسمون البحرين عدة مناطق بحيث محد يدش ويطلع ويدورون عليه، هلون بيحصلونه إن شاء الله، الله يحفظه ويرده حق هله». وجاءت مشاركة من نادي المحرق تقول عن حكاية الطفل المفقود: «إن شاء الله يرجع سالم غانم لهله».

بل إن جمعية مراقبة حقوق الإنسان وإحدى شركات القطاع الخاص خصصت مكافأة مالية قدرها ألف دينار بحريني لمن يدلي بأية معلومات عن مكان وجود الطفل.

ويوم 16 ديسمبر/ كانون الأول العام 2007، اختفى طفل آخر في الرفاع، وهو الطفل أصيل نبيل وعمره 10 سنوات، وشهدت الأيام التي اختفى فيها تحركاً في مراكز الشرطة والمستشفيات، وكان سيصل الأمر إلى مرحلة تشكيل حملات وطنية للبحث عنه كما حدث للطفل بدر، لو لم يتم العثور عليه بعد أيام في المحرق.

هذا هو مجتمع البحرين الحقيقي ونسيجه الاجتماعي الذي جُبل عليه وليس جُلب له.

أما طفل العام 2012، وهو (أحمد ناصر النهام) من قرية الدير، شقيقة سماهيج، فلم يحصل والده على عمل يستره ويكفي حاجته في مجتمع العدالة والديمقراطية، فقام بكل عزة نفس بشراء السمك من صيادي بحر الدير وبيعه على الناس. وكان طفله ذو الأربع سنين يجلس ببراءته مع أبيه وهو في عمله على ناصية أحد شوارع القرية مساء الأربعاء (13 يونيو 2012) عندما اندلعت مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين في المنطقة، وفجأةً انطلقت نحو ولده طلقة (الشوزن) الانشطاري، فصرخ الأب ناصر محذّراً: «جاهل لا يمووووت... جاهل لا يموووت»، لكن سبق السيف قوله، وإذا بفلذة كبده مسجى بجانبه، غارقاً في بركة من دماء الطفولة البريئة. وفي المستشفى وقع الخبر كالصاعقة على قلب ناصر: ابنك أحمد قد يفقد إحدى عينيه! فالشوزن اخترقها وأتلفها، فتذكر الأب حينها سنوات من إعاقة ابنته البكر، فهل جاء الشوزن ليضيف مأساةً أخرى إليه؟

فكيف كانت ردات الفعل المجتمعية بين حالة بدر، الذي اختفى من مسرح الحياة بلا جروح ولا دماء، وبين أحمد الذي اختفى من مسرح الحادثة بسيل من الدماء؟

صرح مدير عام مديرية شرطة محافظة المحرق بتاريخ 14 يونيو 2012، بأن الأجهزة الأمنية المختصة تقوم بالبحث والتحري في ملابسات إصابة الطفل أحمد النهام، وكفى. بينما قالت عمة الطفل أحمد، إن الصغير فقد الرؤية في عينه اليسرى التي تعرضت إلى طلقة الشوزن!

وهنا يا للغرابة، لم نسمع عن أي مساعدات أو حملات أو ملصقات أو مكافآت، أو تغريدات بحرينية أصيلة من كل الأطياف كما في حالة بدر، أو على الأقل كما في حالة طفل المدرسة الخاصة قبل فترة، تقف مع حالة أحمد الأكثر إيلاماً. أو عن تعاون بين مراكز رسمية وأخرى مدنية شعبية من أجل إنقاذ الطفولة البحرينية من خطر الفناء بسبب سوء الاستخدام لآلات الموت الحديثة. أو لتوفير سُبل العيش الكريم لهذه العائلة البحرينية ليتبوأ طفلها مكانه الحقيقي في مستقبل مشرق بعيداً عن الانشطار والتشطير.

هكذا أصبح النسيج الاجتماعي لمجتمعنا الذي كان يضرب به المثل في الترابط والتسامح والألفة والمحبة والفزعة الحقيقية وليست المصلحية! هكذا كشفت حالة أحمد الغطاء عن كثير من النفوس المريضة التي كانت تلتحف برداء وطني ظاهرياً. كشفت عن الصوائح السوداء، الغريبة عن مجتمعنا البحريني، والتي أعقبتها نوائح ومعاول هدم في نسيجنا الاجتماعي لدرجة أن المقهى صار عنوانه طائفياً بامتياز، والخباز صار عنوانه طائفياً بامتياز، والبرادة صار عنوانها طائفياً بامتياز، وقس على ذلك. فهل هذا هو مجتمع القرن الواحد والعشرين الذي تسعون لبنائه وفق الرؤية المستقبلية؟ وهل هذه البحرين التي نفاخر بها بعد أن تم تدمير بحرين زمن «بدر جواد»؟ عجبي منكم! أي نسيج اجتماعي هدمتم. وأي كبد على تراب هذه الأرض فريتم؟ إنها لعمري كبد الحقيقة التي لم تعِها خفافيش النهار لأن ضوء الشمس قد سدّ مقلتيها كما سرق الانشطاري النور من مقلة الصغير أحمد.

وكما كان آخر قول نُشر على إحدى المنتديات يوم طال اختفاء بدر: لقد سكنتَ الجميع ?يا بدر، ?لكن أين تسكن أنت؟ نقول: أين يسكن أحمد الآن وأين يعيش أطفال البحرين بعد 2011، وأي نسيج اجتماعي سيحميهم؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3580 - الإثنين 25 يونيو 2012م الموافق 05 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 12:31 م

      هذه هي الحقيقه

      نعم استاذي الفاضل وللتاريخ وضمن احساس عندي في قلبي احتفظت بصورة الطفل بدر في سجل الذكريات وهاهوالزمن يرينا ماهو اعجب واعجب هل هذه الامه تستحق ان تنزل عليها البركا والخيرات وهذه افعالهله المشينه كلا والف الف كلا ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب

    • زائر 14 | 11:25 ص

      آآآآه يا وطني

      نسيج خربه الدخلاء ، باعوا اوطانهم بلقمة عيش ، وهم يبيعون الوطن ، بحثا عن جاه أكبر وثروة طائلة ، ليغرقوا الوطن في وحل الفتنة ، ليغادروا إلى وطن آخر ، ليضاعفوا ثرواتهم

    • زائر 12 | 9:33 ص

      الاصاله في الاصل

      شكرًا دكتوري العزيز على مقالك لقد تطرقت الي أطفال ليس لهم ذنب في هذالدنيا سوي الاكتواء بنار الطائفيه البغيظه ونسوا وتناسوا من زرعها وسوف يجني ثمارها من سكت وتغافل ولم يقل كلمة حق ولم يحاول عن درئها ولو في قلبه

    • زائر 11 | 9:33 ص

      كلامك صفعني

      أنا من مذهب وزوجي من مذهب اخر فكم صفعات ستتوجه لأبنائي بعد

    • زائر 9 | 8:00 ص

      هذه هي رؤية

      هذه هي رؤية

    • زائر 8 | 6:49 ص

      غربان البين والطائفية

      ((تحوم غربان البين والطائفية في سماء البحرين وهي غريبة عن بحره وتربته))

    • زائر 7 | 6:45 ص

      ربما نحتاج لتشطير رؤية البحرين ظ¢ظ ظ£ظ  علي اسساس طائفي ايضا

      لو استمر الوضع هكذا سيفرد- فصل جديد لا قدر الله - حول الشرفاء والخونه في رؤية البحرين الغالية ظ¢ظ ظ£ظ  لكن دوام الحال من المحال.

      وان قلوب ابناء ارضنا الحبيبة اوال اكبر وسهدنا الله الي سواء السبيل

      كما هي سنن التاريخ سوف يذكر ان شعب اوال كان اكبر من الجراح

      اخوان كلنا اخوان

    • زائر 6 | 4:36 ص

      جرح جديد

      نحن اصحاب ردات الفعل السريعة. والجرح لبجديد هو إن بدر جواد حسن بقدر ما نشط الجميع وتألم الجميع بقدر ما نساه الجميع . والمسئولية على وزارة الداخلية . فلا بيان ولا متابعة ولا تطمينات ؟ سكوتكم عن بدر و احمد هو عجز عن مواجهة الحقيقة . وشكرا لكاتب المقال . وشكرا للوسط . (( م . الـــــبـــــــــــــــــلادي ))

    • زائر 5 | 3:44 ص

      طير السلام

      أسئل الله عز وجل أن يفك هذه الغمة عن دياري الغالية

      الواقع المر للمرحلة الحالية ..........
      شجون و آهات وآلام .........الفرج بيد الله وحدة

    • زائر 3 | 3:28 ص

      شكرا

      شكرا للكاتب الفاضل ، هذه احدى ثمار فتنة ..... والبقية للاسف في الطريق اذا لم يتدارك العقلاء وينقذوا ما تبقى

    • زائر 2 | 3:04 ص

      بوووركت

      وبوركت اقلامكم التي تفوح منها رائحة الأصالة البحرينيية الحية الصادقة النابعة من القلب التي تقربنا جميعاً, ولانقول إلا الله يصحي الضمائر الميتة أصحاب الأقلام التي تؤدي إلى الفرقة

اقرأ ايضاً