العدد 3587 - الإثنين 02 يوليو 2012م الموافق 12 شعبان 1433هـ

قُم للمعلمِ و...

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أرجو ألا تصدقوا ما ستقرأونه في الرسائل التالية، وهى منقولة من بعض المنتديات في فترة الواقعة، وما أدراك ما هي. رسالة (1): «يا جماعة اللي عنده معلومات أو أصدقاء لهم صلة به أو قريبين منه أو يعرف في أي جحر من جحور الفيران منخش فيه ايحاول يتصل بجهات الأمن، لا تنسون هـالفار أش سوّه في أعيالنا وهو حاله من حال (الخونه) إللي اقلبوا حال البلد. رجاءً اشتغلوا يا أخوان على مساعدة رجال الأمن في العثور عليه علشان ايتحاسب».

رسالة (2): «أنه الصراحة ولدي عمره 7 سنوات وفي آخر يوم في الدراسة في الأحداث تأثرت نفسيته جداً وأصبح يصحوا في منتصف الليل خايف من اللي حدث في المدرسة. والسبب أنه قامت مديرة مدرسته وعدد من المدرسات (الخونه) بتجميع أكبر عدد من الطلبة وعمل لهم حاجز دائري في حوش المدرسة وتم ضرب الطلبة! والصراخ عليهم الأمر الذي أدى بهم إلى الصياح وإدخال الرعب فيهم وتتحول تلك المدرسة الفاضلة إلى مارد يتهجم على أطفالنا».

هذا التحريض الذي من المفترض أن يُعاقب عليه القانون هو ما أدى لرسم صورة المشهدين السابقين للمعلمين الفاضلين، ولا أظن أي بحريني محب لهذا الشعب الأصيل يكتب هذه العبارات عن أساتذة ومربي أجيال فضلاء جُل ما طالبوا به هو ما تعلموه ويدرسونه ضمن مناهج التربية الوطنية في المدارس الحكومية عن حب الوطن وترابه واحترام عَلَمِه ومواطنيه والسعي دائماً لعزته ورفعته وكرامته التي هي من كرامة مواطنيه، والدعوة للعدالة وسواسية الناس أمام القانون. فهل هذه جريمة؟

ناهيك عن آخر صيحات التفنن في إهانة المربين الأفاضل المغضوب عليهم بسبب آرائهم؛ وهو اتهام إحدى المدرسات الفاضلات المخلصات بالسحر والشعوذة! وهي المعروفة بعملها الدؤوب في تحسين أداء المدارس والمدرسين.

هذا غيض من فيض يملأ صفحات عديدة لما حدث ويحدث لفئة المعلمين والمربين الأفاضل في مدارسنا، وما أصابهم من الغبن والإجحاف والطرد والتوقيف والفصل وقطع الأرزاق، وهو ليس بالأمر الهين فقد فاق، بعددهم، ما حصل للأطباء وما جرى على الأكاديميين كذلك. بل إن الرعب الذي تم زرعه في نفوس من تعرّض لكل أصناف العقاب الجماعي والفردي في المدارس وخارجها ترك جرحاً غائراً لديهم أدى لطيّ مشاكلهم في كراسة النسيان، ولذا فلم تبرز للسطح إلا قضية الرئيس ونائبته بسبب عظم الخطب الذي أصابهما ولايزال. فهل حصل في أية بقعة في العالم عُشر ما حصل لمئات من بني البشر في بلادنا وهم ليسوا حثالة أو خونة؛ بل مربون أفاضل وقد علّم بعضهم، في سنوات سابقة بكل تفانٍ وإخلاص، من يُظلمون اليوم على يديه. فما بالكم كيف تحكمون؟

والمضحك المبكي في ملف المعلمين وهم يحاكمون غداً؛ أن أمثال أولئك المحرضين والمنفذين لجرم ما حصل للمعلمين، كانوا يتغنون في المنتديات وغيرها بمطلع قصيدة الشاعر أحمد شوقي:

قُمْ للمعلمِ وفِّهِ التبجيلا

كادَ المعلمُ أن يكونَ رسولا

حتى أصبح هذا البيت كشهادة عرفان وامتنان وتقدير لكل معلم يتفانى في تبليغ المعرفة إلى الناس وفي إخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم. وعلى طريقة معلمي اللغة العربية، يُحكى إعراب ما حدث لهم في الأيام السوداء الماضية.

قمْ: فعل أمر مبنى على السكون، والفاعل ضمير مستتر تقديره «المحرّضون».

للمعلمِ: اللام: حرف جر، والمعلمِ: اسم مجرور من رقبته أو يده من فراشه ليلاً بسبب التحريض وبثّ الفتنة بين الناس عنه، وعلامة جره غير ظاهرة في الصورة.

وفّه: الواو، حرف عطف غير معترف به أثناء القبض عليهم، والهاء ضمير مبني في محل نصب وفصل وطرد وقطع رزق للمفعول به.

كاد: فعل ماضٍ ناسخ لكل إيجابيات المربي الفاضل وإظهاره بمظهر المجرم الهارب، ومبني على الفتح لملف تزييف الحقائق والكيدية من بعض زملاء المهنة.

المعلم: اسم كاد له بعض مرضى النفوس الباحثين عن المناصب في خضم الليل المظلم للحقائق. وجملة (كان واسمها وخبرها) في محل نصب ودجل وكذب وقلب للحقيقة والتاريخ لخبر كاد جملة وتفصيلاً.

وفي إكمال بعض أبيات قصيدة الشاعر المُلهم أحمد شوقي، التي لا تعيرونها مثل البيت الأول أي اهتمام؛ الكثير من الصدق على ما وقع لمعلمينا الأفاضل:

أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي

يبني وينشئُ أنفساً وعقولا

صرعتهُ دنيا المستبد كما هَوت

من ضربة الشمس الرؤوس ذهولا

فشتان بين عقل وقلم شوقي، وبين تلك الأقلام المريضة بداء التشفي والحسد والحقد على من يعمل طوال عمره بجد في مواجهة من يتكاسل بجد ثم يتدرب على فن الحقد والإقصاء والتهميش لأخيه في الوطن والدم والدين! حتى صار يردّد تحريضاً:

قم للمعلم واعتقله طويلا

كي يكون المُعلم في بلادي ذليلا

وفي مقابل تلك الأقلام ومن استمع لها والتي سببت مأساة معلمينا الكرام؛ تأتي صرخة المُعلم مهدي أبوديب، المحكوم بعشر سنوات، مرة أخرى مؤخراً وهو في سجنه تفيض ألماً على بلاده حين يقول: «نحن رهائن وندعو لإصلاح يجنب بلدنا العزيز الظلم والجور والتمييز». كما يدعو مخلصاً من بيده الأمر أن يسارع من موقع المسئولية أمام الله والوطن والمواطن والتاريخ إلى حل هذه الأزمة دون تأخير. ويضيف بحرقة المواطن الغيور: «يكفي كل ما خسرناه وإن كل دقيقة تمر تُصعِّب من مهمة الجميع في حل هذه الأزمة التي عصفت بوطننا وحفرت في نفوس الجميع جروحاً يصعب اندمالها وأحدثت بين مكونات المجتمع أخاديد لا يمكن ردمها بيسر وسهولة. جربوا الانفتاح على هذا الشعب العظيم المبدع الذي تتمنى أي سلطة منصفة في العالم أن يكون لها شعب مثله». وختمها بقول: «والله من وراء القصد، وفقكم المولى لما يحب ويرضى».

هكذا هم المربون دائماً، ناصحون لا مكفرون لغيرهم، هادون لا مضلّون لغيرهم، مرشدون للحلول لا مؤزّمون لها، محبون لوطنهم وشعبهم لا ناشرون للكراهية والبغضاء، مصلحون لا مخربون ولا خونة.

وأمام هذه الأقلام المحلية المحرّضة، للأسف، نجد مظاهرة تخرج في ايرلندا للتضامن مع رموز المعلمين (مهدي وجليلة) للمطالبة بالإفراج عنهما. كما أصدر مركزا البحرين والخليج لحقوق الإنسان بياناً مشتركاً عن الانتهاك الواضح للقانون البحريني في قضية رئيس جمعية المعلمين ونائبته. والملفت أنه في مارس/ آذار من هذا العام دعا برلمان الاتحاد الأوروبي إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المتظاهرين المسالمين، والناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في البحرين بحسب ما نشرته الصحافة حينها. أضف إلى ذلك، أن مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان دعا للتحقيق في قضية محاكمة أبوديب والتطرق إلى مزاعم التعذيب أو سوء المعاملة التي تلقاها. كما اعتصمت تكتلات وجمعيات عديدة على أرض الوطن للتعبير عن التضامن معه وتطالب بالإفراج الفوري عنه بناءً على توصية للجنة المستقلة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق. وبالمثل طالب المعلمون العرب بالإفراج الفوري عنه واحترام القوانين الدولية.

كما أدانت منظمة العفو الدولية ظروف اعتقال جليلة السلمان للمرة الثانية في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، في محاولة لإرهابها وذلك بسبب الرأي السياسي، حتى تم إطلاق سراحها بكفالة لحين موعد المحاكمة يوم غد الأربعاء.

ومرةً أخرى يذكرنا شوقي في قصيدته تلك:

إنَّ الشجاعةَ في القلوبِ كثيرةٌ

ووجدتُ شجعانَ العقولِ قليلا

إن الذي خلق الحقيقةَ علقماً... لم يُخلِ من أهل الحقيقة جيلا

أما لسان حال معلمي البلاد اليوم فيقول:

شوقي يقول وما درى بمصيبتي

قم للمعلّم وفّه التبجيلا

بل قم للمعلم يا هذا عجولا

واضربه حتى يرتمي مقتولا

هاجمه بالكرسي واكسر رأسه

فالرأس كان مخرفاً وجهولا

وإذا افتقدت من الكراسي عدة

أشهر عليه الساعد المفتولا

والطمه فوق الوجه لطماً موجعاً

حتى ترى للدمع فيه مسيلا

وعليك بالثوب العليه فشقه

شقاً ليمشي عارياً مخذولا

واجثم عليه كليث غابٍ جائعٍ

واستدعِ صحبك إن شكوت خمولا

قوموا عليه وحاصروه وحاذروا

أن ترحموه إذا استغاث طويلا

فغداً الأربعاء، الرابع من يوليو 2012، يقف أمام القضاء للدفاع عن رموز التعليم في البحرين، مهدي أبوديب وجليلة السلمان، المحامية جليلة السيد والمحامي محمد الجشي، في جلسة أخرى. فهل ستكون كلمة الفصل هي إظهار الحق والعدل لهذين القطبين المربيين الفاضلين ولإظهار حسن النوايا كذلك أمام العالم قبل سبتمبر/ أيلول المقبل، وليعود التكريم والتقدير أفضل مما كان لجميع المعلمين المظلومين؟ إذن فلنصلِّ جميعاً وندعو المولى عز وجل من أجل هذا.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3587 - الإثنين 02 يوليو 2012م الموافق 12 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 5:50 ص

      بارك الله فيك

      هذا من دون ما تعرض له المعلمون المتدربون في كلية المعلمين.
      الله يفرج عنهم جميعا

    • زائر 7 | 4:06 ص

      ارفع راسك انت معلم

      إن ما تعرض له المعلمون يشيب الرأس كما هو حال بلادي ولو اجتمع المعلمون في خيمتهم بالدوار وجاء الاستاذ ابو ديب لتكلموا له طويلا عن معاناتهم فهو الأب الحنون الذي لم يسكت أحدا بل كان يستمع للجميع وحتى الأصوات التي تنتقده ....كم أنت عظيم يا استاذنا ونحن نفتقد وجودك معنا ( فرج الله عنك)

    • زائر 5 | 2:25 ص

      قف للمعلّم ونكل به تنكيلا

      قف للمعلم ونكل به تنكيلا كاد المعلم ان يكون مانديلا
      إن المعلم اصبح مصخرة وأهون من به يمثّل التمثيلا
      إنا اناس جعلنا العلم مهزلة واصحاب العلوم سبّة مهمولا

    • زائر 4 | 2:24 ص

      إستاز محمد السلمان إكويهم

      لا أعلم لماذا يطلق على شكوانا أكاذيب وقلب حقائق؟
      عندما مارست إحدي مديرات المدارس شتى صنوف التخويف والعقاب على 450 تلميذ لم يجد الأهالي بدا إلا أنهم منعوا أبنائهم من الذهاب إلى المدرسة ولو لا قيام كبارية الأهالي بحسم الموضوع باقحام وزير التربية والخوف من أن تأخذ الخطوة نفسها مدارس اخرى لما قام وزير التربية بنقلها . هل هذا قلب للحقائق؟ يا ساتر على هيك ناس . بس هيك مآوحة يا خي روح قلب ناظريك في ما كتب بالصحافة عن هالموضوع . ياألله شو هالناس؟

    • زائر 3 | 12:56 ص

      الى تعليق 2

      نتقيا ما اجبرنا على لعقه عام ونصف فهل تستسيغ هذا العلقم؟؟؟؟ديهي حر

    • زائر 2 | 12:54 ص

      لسان ينقط علقما

      الله أكبر كيف تقلبون الحقائق ..

    • زائر 1 | 12:44 ص

      يبن السلمان نحن امه لوصبت جهنم على راسها واقفه

      استاذي القصه التى ذكرتها في اول المقال عن والد الطفل ذو السبع سنوات تبين انها صياغه خيال لان المديره ليست في جزر الواق واق ولماذا ابنه من اوصل الامر اليه اين باقى الطلاب المحصورين في الدائره بوسط المدرسه اين شهادة المدرسات على الحادثه والكل يعرف انه ليس في اي مدرسه في البحرين طاقم تعليمي من طيف واحد قصه من نسج خيال مريض وربما صاغها وهو على الدوام يناضل من اجل الايقاع بمديره مدرسه خرجت اجيال واجيال الله ينتقم من الظالم ودمت يبن السلمان عون للعلم والقائمين عليه وطلابه...ديهي حر

اقرأ ايضاً