العدد 3591 - الجمعة 06 يوليو 2012م الموافق 16 شعبان 1433هـ

مالي ومالي

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لماذا دائماً يدمرون الحياة ويقتلون عباد الله بالمجان ولا يبنون أي جزء في حضارة الإنسانية الحالية؟ هذا ما تساءل به أحدهم وهو يعلق على عملية تدمير متواصلة بدأت لجوامع تاريخية في شمال دولة مالي تقوم بها جماعة تُطلق على نفسها «جماعة أنصار الدين». تلك الجوامع القديمة مدرجة ضمن لائحة التراث العالمي المعرض للخطر. وكما قامت «طالبان» في مارس/آذار 2001، وبمجرد وصولها للسلطة في أفغانستان المنكوبة؛ بتدمير تماثيل تاريخية كانت مدرجة أيضاً على قائمة التراث العالمي. وتبعهم كذلك إخوتهم في التفكير في مصر عندما بدأوا، بعد نجاح ثورة يناير، بالعبث بالأماكن الدينية والمزارات التراثية. كما سار سلفيو تونس على الطريق نفسها، وتبعهم في شرق إفريقيا، إسلاميو حركة الشباب الصومالية حيث دمروا العديد من أضرحة الصوفيين هناك، وهكذا الحبل على الجرار.

ربما يقول البعض بداية، ومالنا ومالي وشأننا المحلي أولى بأقلامنا. فنقول، كما قال حسني البرزان في صح النوم «إذا أردت أن تعرف ما يحدث حولك فعليك أن تعرف ما يحدث في مالي ولا تقول مالي ومالي»! وفي النتيجة دمر عناصر مجموعة «أنصار الدين» سبعة أضرحة في «تمبكتو» غالبيتها من الطين خلال يومين، ثم أتبعوها بأربعة أضرحة أخرى، من أصل 16 ضريحاً تاريخياً في المدينة.

وقد لقبت مدينة «تمبكتو» التي أسستها قبائل من الطوارق في القرنين الحادي والثاني عشر للميلاد، بـ «مدينة الأولياء الـ 333». وكانت مركزاً ثقافياً إسلامياً ومدينة تجارية مزدهرة في زمن القوافل التجارية البرية. واشتهرت بعشرات الآلاف من المخطوطات التي يعود بعضها إلى القرن الثاني عشر والبعض الآخر إلى عصر الجاهلية، وتملك معظمها كبرى عائلات المدينة وتعتبرها من الكنوز الثقافية. وحتى الوثائق، ولا نعلم سبب علاقتها بالشرك، لم تسلم من أيدي من يدعون أنهم أنصار الله؛ فقد قاموا بعمليات إتلاف منظم لها في أبريل/نيسان الماضي؛ ولذا تم نقل نحو ثلاثين ألفاً من تلك الوثائق التي تملكها المؤسسة الحكومية لإيداعها في مكان آمن.

فمن هم «جماعة أنصار الدين»؟ ولماذا ديدن هؤلاء الذين تفرّخهم «القاعدة» فقط تدمير كل جميل في الحياة وقتل الأبرياء؟ انها من المجموعات الدينية المتطرفة والمسلحة التي تسيطر على شمال مالي، مستفيدة من الفوضى التي نجمت عن الانقلاب العسكري في «باماكو» في 22 مارس/آذار الماضي.

فكر هذه الجماعة، تعبر عنه تصريحاتهم، فهم لا يملكون فكراً حضارياً مكتوباً، كما أوضح المتحدث باسمهم في «تمبكتو» المدعو «سندا ولد بوعمامة»: «إذا كان هناك من أولياء في المساجد، فسندمر هذه المساجد والأضرحة دون استثناء، لأن هذا حرام، وإن جماعتنا تتصرف باسم الله»! هكذا بكل بساطة نصّب نفسه وكيلاً عن خالق الكون سبحانه وتعالى في التدبير. وعندما قالوا له: لماذا تدمر الجوامع؟ رد بأن هذا العمل هو رد على قرار اليونسكو في 28 يونيو/حزيران الماضي الذي قضى بإدراج (تمبكتو) على لائحة التراث العالمي المعرض للخطر»! ولذا دمر رجال بوعمامة هذا في بضع ساعات ثلاثة أضرحة في المدينة بقيت لسنوات طويلة شاهدة على الحضارة الإنسانية التي لا يعرفها أمثال هؤلاء. وأضاف هذا المتحدث باسمهم إن الله واحد لا شريك له وكل هذا شرك، إننا مسلمون، وما هي «اليونسكو»؟. إننا وحلفاءنا الجهاديين الموجودين في المنطقة ندعو للدفاع عن إسلام هو غير الإسلام المنفتح والمتسامح الذي يطبق في مالي وعموماً في غرب إفريقيا!

وتؤمن هذه الجماعة وأضرابها بأن ساعة رفع راية الإسلام قد حانت على أيديهم، وأن الساحة الآن مفتوحة فقط للجهاديين، وأن مهمتهم الدعوة للإسلام على أساس من التوحيد الخالص والسنة الصحيحة لتطهير الاعتقاد ونبذ البدع والخرافات كشرط لنهضة الأمة الإسلامية وعودة دولة الخلافة القديمة إلى القرن الحادي والعشرين.

وتسيطر هذه الجماعة وحركة التوحيد والجهاد، على المراكز الرئيسية في شمال مالي مع مقاتلي «القاعدة» بعد أن أخرجوا الحركة الوطنية لتحرير (ازواد) الانفصالية والعلمانية منها رغم أنهم تحالفوا معها في البداية. وفسر أحد المؤرخين الماليين وهو يتحسر على التراث التاريخي الذي يضيعه أمثال هؤلاء: «إنهم يأنفون من كل شيء له علاقة بالماضي، لا يريدون أعمالاً لها علاقة بالماضي مثل ضريح أو متحف أو وثيقة. إن هؤلاء الجهلة لا يأبهون لهذه الأمور». وأضاف: «إن الرجال حاصروا المدفن لدى وصولهم وكانوا يحملون الأزاميل والمجارف، وصرخوا الله اكبر، سندمر الأضرحة».

كما ظهر زعيم عسكري آخر ملتحٍ يدعى (عمر حاماها) لما يسمى بحركة «أنصار الإسلام» وصرح بالفرنسية وليس العربية، بأن حربه «جهاد وحرب شرعية باسم الإسلام. نحن ضد حركات التمرد وضد الاستقالات! نحن ضد كل الثورات التي ليست باسم الإسلام، الاستقلال هو الإسلام، هذا هو الاستقلال الحقيقي. إنه ممارسة الشريعة من الفجر إلى المغيب، ما نريده نحن هو الإسلام»، فتساءل أحد الصحافيين هناك: «عن أي إسلام يتحدث هذا الرجل»؟، فلم يجبه أحد.

وتصوروا أن الغرب الأوروبي هو أول من أدان هدم مساجد وجوامع بيد مسلمين «متطرفين» من جماعة «أنصار الدين» في مالي، مثل اليونسكو التي اعتبرت أن وجود السلفيين المتطرفين يعرض هذه المدينة الأثرية للخطر. كما أثار هذا العمل باسم الإسلام مدعية المحكمة الجنائية الدولية فقالت: «إن التدمير المستمر للأضرحة التاريخية من جانب إسلاميين يسيطرون على مدينة (تمبكتو) يشكل جريمة حرب بحق التراث الثقافي للشعب»، وتوعدت بملاحقتهم بسبب هذا الفعل غير المتمدن. كما أشارت إلى نقطة جدّ مهمة، وهي أن المادة الثامنة من معاهدة روما الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية تنص على أن «الهجمات المتعمدة على مبانٍ مدنية غير محمية ليست أهدافاً عسكرية تشكل جرائم حرب. وهذا الأمر يشمل الهجمات على المعالم التاريخية، وكذلك تدمير المباني ذات الطابع الديني». فانظر حولك وما جرى على أماكنك الدينية، والتاريخية منها بالذات وأذكر هذه المادة لهم ليتوبوا إلى الله ثم يذعنوا للمحكمة الجنائية الدولية.

كما قال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية إن «فرنسا تدين التدمير المتعمد لأضرحة تعود لمسلمين في مدينة تمبكتو». والحمد لله أن دولاً إسلامية اعترضت على هذا الفعل كذلك، وهي المغرب، التي طالبت بتدخل عاجل من لحماية التراث الثمين لمالي».

منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 عضواً، اعربت عن «الأسف» فقط لتدمير الأضرحة التي هي «جزء من التراث الإسلامي الزاخر في مالي والذي لا يجب أن يدمره متعصبون أو يعرضونه إلى الخطر».

كذلك صدرت إدانة من الجزائر التي اعتبرت أن «الأولياء والعلماء المدفونين في الأضرحة ساهموا في ازدهار الإسلام في المنطقة ونشر قيم التسامح والروحانية».

والغريب هنا، أن الولايات المتحدة وحدها لها رأي آخر في هذا الموضوع يحوم حوله الشك؛ إذ حذرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من أي عملية عسكرية في شمال مالي ضد الجماعات الدينية المتطرفة هناك! بل شددت على أهمية تلبية «المطالب المشروعة» للمتمردين الطوارق وغيرهم، أما في غير مناطق مالي فلا يجب الاستجابة لمطالب الناس المشروعة لأنها طائفية مع أنهم غير متمردين عسكرياً! ولا ندري هل حركات الجماعات المتطرفة في مالي بلا دين ولا طائفية، أي جاءت من سطح المريخ أو زحل.

والخلاصة، يبدو أن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين هو عقد محاربة وهدم الجوامع والمساجد في عموم العالم الإسلامي وبيد المسلمين أنفسهم، مع فرح وابتهاج الصهاينة والغرب المعادي بهذا النهج القديم - الجديد في منطقتنا. هذا النهج التكفيري التدميري هو ما يجب أن يحارب في مناهجنا التربوية وعبر إعلامنا لإنقاذ أجيالنا من مستنقعه؛ وليس بمحاربة وتخوين من يدعو للتسامح والمحبة والاعتراف بحق الآخر في ممارسة شعائره ومعتقداته الدينية.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3591 - الجمعة 06 يوليو 2012م الموافق 16 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:36 م

      ليش نروح بعيد

      الفكر نفس الفكر وليش نح بعيد مو صار إهنيه يا أخى هولاء لا زالوا \r\nكما كانوا أول يوم إنحرفوا وفقدوا البوصله وضلوا وسيستمر هذا الضلال إلى يوم الدين

    • زائر 3 | 4:31 ص

      اعجبني العنوان

      فعلاً إذا أردت أن تعرف ما يحدث حولك فعليك أن تعرف ما يحدث في مالي ولا تقول مالي ومالي»!

    • زائر 1 | 10:18 م

      ام حسن

      ولا تنسي حتى فى بلادي دمرو وهدمو مساجد واضرحة موجودة من قديم الزمان !!!!!!!

اقرأ ايضاً