العدد 361 - الإثنين 01 سبتمبر 2003م الموافق 05 رجب 1424هـ

«ندوة لندن» والحقوق الأصيلة للمواطن والمعارضة

الصوت والصدى

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الإثارة وإبراز عناوين لا تعكس مضمون التصريح، هما شعار بعض الصحافيين في صحافتنا المحلية، وحيث إن كثرة من القراء لا يقرأون سوى العناوين ويتخذون موقفا من الحدث أو التصريح على ضوء ذلك، فإن ممارسة سياسة الإثارة هذه لابد أن تخلق وعيا زائفا لدى الرأي العام، هذا فضلا عن تجيير الحدث صوب ما يرغب فيه الحكم والمتحالفون معه. وخير مثال على ذلك ما أثير من لغط ورفض بشأن الندوة التي أقيمت في احدى غرف البرلمان البريطاني وبحضور عدد من البحرينيين بجانب اللورد إيفبري الذي انصب عليه الغضب والإهانات من قبل بعض رؤساء الجمعيات السياسية وبعض الأقلام الصحافية والنواب، من دون ان يحاولوا ان يبحثوا بأنفسهم عن حقيقة ما ورد على لسانه إذ كان الجميع صدى صادقا لصوت السلطة التنفيذية...

وقد اثبتوا ايضا انهم غير قادرين على الاعتذار بعد ان اوضح اللورد موقفه الحقيقي الذي اكده بتأييده لمشروع جلالة الملك مع حرصه على وجود سلطة تشريعية كاملة الصلاحيات واقتراحه باستفادة مملكة البحرين من التجربة البريطانية بشأن وجود لجان نوعية لمراقبة التمييز والمساواة بين المواطنين، وهو دليل اخر على صدى الصوت تماما كمداخلات السادة النواب في الندوة التلفزيونية للفضائية ANN التي كانت صدى صادقا لما قاله المستشار القانوني في ادارة الهجرة والجوازات محمد البنعلي، وكأن لا توجد اية أزمة ولا هم يحزنون!

لقد حضرت «ندوة لندن» شخصيات معارضة كنائب رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية حسن مشيمع وعضو جمعية العمل الديمقراطي علي ربيعة والمعارض سعيد الشهابي، غير أن من بين الحضور ثلاثة أعضاء من مجلس الشورى المعين، إضافة إلى المحامي يوسف خلف مع وجود لورد آخر (اللورد جيلفورد) طرح وجهة نظر مؤيدة للسياسة الرسمية.

والسؤال المطروح هنا: لماذا تم التركيز على الشخصيات المعارضة ومواقفها الثابتة والمعروفة، في حين تم السكوت نهائيا عن مشاركة أعضاء مجلس الشورى في هذه الندوة؟ وبدلا من أن يهاجم رئيس مجلس الشورى تصريحات اللورد إيفبري وتجيير الموقف في الاتجاه الخاطئ والاتهام بالتعامل مع الخارج الأجنبي فقط لأن المعارضة طرحت رأيها في المحافل الخارجية، وكأن الحكم أو غيره من المتعاطفين مع الرأي الرسمي والمؤسسات والشخصيات الغربية والأجنبية التي تطرح رأيا مؤيدا لسياسات الحكومة الراهنة لا علاقة لها بالتعامل مع الجهات الأجنبية، نقول بدلا من هذا الهجوم كان عليه أن يحاسب اعضاء مجلس الشورى لمشاركتهم في «ندوة لندن» الأجنبية و يكشف ما إذا كانوا مدعوين بصفتهم الرسمية أو الشخصية.

ومن جهة أخرى فإن تلك التصريحات التي تهاجم المشاركة في المحافل الدولية تتناسى أنها تشارك مع عدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني ومنها الجمعيات السياسية بما فيها المعارضة، وفي عقر الدار «البحرين» في كثرة من الفعاليات التي تنظمها مؤسسات غربية معروفة اتجاهاتها وأهدافها، إذ تكشف تقارير ووثائق أميركية كثيرة عن استراتيجية الولايات المتحدة في البحرين وغيرها من الدول الغربية، وقد رعت السفارة الأميركية عدة مشروعات لدعم الإصلاح بما في ذلك المشاركة السياسية ومساعدة الوزراء الجدد وتدريب قوات الأمن ومنع الاتجار بالبشر وإصلاح القضاء، ولم يقل أحد بأن ذلك تدخل أجنبي سافر في الشئون الداخلية. كما دعمت الولايات المتحدة جهود مشاركة المواطنين والحكومة على حد سواء ورؤساء وأعضاء الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، كذلك النواب في المجلسين النيابي والبلدي، إذ مولت وزارة الخارجية الأميركية عبر المعهد الوطني الديمقراطي ((NDI الكثير من الورش عن قضايا المرأة والمشاركة السياسية والتدريب للمنظمات غير الحكومية على مراقبة الانتخابات، كما مولت الولايات المتحدة برنامج المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية (IFES) لإقامة مركز إقليمي عن الموارد الديمقراطية وحقوق الإنسان ومشروع تقديم المساعدة إلى النواب الجدد.

وستقوم مؤسسة «المبادرة القانونية الاوروآسيوية ورابطة محامي وسط أوروبا» بتقييم النظام القضائي في البحرين ومساعدة وزارة العدل على إقامة نظام قضائي حديث وكفء والحكومة لبّت هذه المبادرة الأميركية التي أعلنها الرئيس الاميركي في خطابه المعروف الذي كشف فيه عن نية الولايات المتحدة الأميركية إصلاح النظام القضائي في الدول العربية، فأين الاحتجاجات النارية على التدخلات الأجنبية وأين رؤساء الجمعيات والنواب الذين يحاربون الاستعمار ويرفضون الاستعانة بالأجانب؟! وبحسب التقارير الأميركية الرسمية فإن الولايات المتحدة تعمل مع حكومة البحرين على إصلاح قوات الأمن للارتقاء بها إلى المستويات الدولية فيما يتعلق بالالتزام بالقانون وحقوق الإنسان، كما دعمت الولايات المتحدة مشاركة البحرين في تدعيم (برنامج الزوار) الذي يتيح للدارسين (المختارين بعناية من الشباب والصحافيين والناشطين في مؤسسات المجتمع المدني) الاطلاع على تجربة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي وحرية الصحافة وتدريب الصحافيين وتدريب القضاة وتعزيز الحرية الاقتصادية والدور القيادي للمرأة، فهل كل هذه (الخدمات) تعتبر تدخلا أجنبيا أم انها غير مرتبطة بتلك المواقف والتصريحات غير الموضوعية التي أثارتها هذه الشخصيات تجاه «ندوة لندن» وتصريحات اللورد ايفبري؟

من جانب آخر، هناك كثرة من الفعاليات التي أقيمت في لندن والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا واليابان وشرق آسيا وبتنظيم وتمويل من جهات أجنبية، وكما أقيمت لقاءات رسمية مع البرلمانيين البريطانيين وشخصيات رسمية في الغرف البرلمانية نفسها التي أقيمت فيها «ندوة لندن» الأخيرة، ومنها تلك اللقاءات الترويجية لمشروعات وبرامج الحكم السياسية أو الاقتصادية التي نظمها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية وشارك فيها برلمانيون بريطانيون بمستوى اللورد إيفبري، وحتى في «ندوة لندن» شارك لورد متعاطف مع السياسة الرسمية، فلِمَ يتم التغاضي عن هذه الفعاليات ولِمَ تعتبر بمثابة الاستعانة بالجهات الخارجية لطرح رؤى ومواقف رسمية؟!

وبعيدا عن كل ما سبقت الإشارة اليه أعلاه، فقد تعمدت الصحافة وهذه الشخصيات إهمال جميع مضامين ورقة وتصريحات اللورد إيفبري وبقية الإخوة في الجمعيات المعارضة وركزوا على مكان عقد الندوة - حين كان المطلوب وحتى يكون الطرح موضوعيا - أن يتم التجادل والتحاور والاختلاف حول مضامين هذه الأوراق، وأهمها تلك المرتبطة بصلاحيات السلطة التشريعية التي لا تختلف عليها المعارضة السياسية وعدد من الجمعيات السياسية الأخرى، وإنما الاختلاف حول أولوية طرحها على الساحة الشعبية والإعلامية إضافة إلى تناسي هؤلاء المصرحين الرافضين «لندوة لندن»أن من حق كل مواطن حر أن يمارس حقه في التعبير والرأي وحتى الاحتجاج في جميع المحافل الإعلامية والجماهيرية الداخلية والخارجية، وهو حق كفله الدستور والميثاق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته (91) التي نصت على «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية».

إن كثرة من الشخصيات المعارضة وحتى الرسمية في الدول الديمقراطية العريقة تعقد الندوات والمؤتمرات الصحفية في الدول الأجنبية وتنتقد سياسات وبرامج ومخططات حكوماتها، وحتى الداخلية منها، بما فيهم اللورد إيفبري الذي انتقد سياسات بلير الخارجية أثناء وجوده في البحرين، ولم يتهم من الحكومة البريطانية أو الأحزاب أو الشخصيات أو الصحافة بأنه يشوه سمعة بريطانيا في الخارج أو يعتمد على الجهات الخارجية في الترويج لمواقفه!!

لقد كشفت هذه الهجمة غير المبررة من الإخوة رؤساء بعض الجمعيات السياسية والناطقين الرسميين لها وبعض النواب، وبعض الصحافيين أن غالبيتهم مارس التأيد لما هو كائن، تماما كما في مرحلة قانون أمن الدولة عندما كان الرأي السائد في الصحافة والمنتديات هو تبريرات تدافع عن سياسة الحكم آنذاك بصحة التدرج في المشاركة الشعبية عبر ضرورة دعم مجلس الشورى منذ 2991 والتطويرات التي حدثت فيه عبر دورته، وكان الهجوم صريحا من قبلهم على كل صوت معارض آنذاك لرفض ذلك الترقيع السياسي وأكد ضرورة أن تنطلق البلاد سياسيا من ثوابت مبدئية قوامها دستور عقدي ومجلس حقيقي يحترم الحكم والمعارضة ويلتزمون بها لمستقبل أجمل للوطن.

إن الموضوعية تقتضي تبيان الحقوق الأصيلة للمواطن والمعارضة والابتعاد عن ثقافة «أمن الدولة» والخوف من الانتقاد، وكأن المشروع السياسي الرسمي مبني على أساس هشّ أو أنه بيت من زجاج يخشى من تحطمه أمام أية معارضة سلمية وشرعية وكلامية، وإن أية معارضة تفسر وكأنها تعمل لإجهاض المشروع الإصلاحي وحرق الأصابع والتهديد بالرجوع الى المربع الاول، وهي دعوة تهدف إلى تمييع روح المعارضة في عدم استكانتها لما هو كائن والعمل من أجل ما ينبغي ان يكون عليه الواقع من ثوابت نتشبث بها جميعنا ونحن ننطلق الى آفاق الديمقراطية ومضمونها الحقيقي وان تكون المعارضة احدى أركان المجتمع الديمقراطي الذي ينشد إليه كل المخلصين المؤمنين بالقيم الثقافية الديمقراطية والحرية والمساواة والتعددية في البلاد وان تكون صوتا مرافقا ومكملا للسلطات الاخرى لا صدى للصوت الرسمي!!.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 361 - الإثنين 01 سبتمبر 2003م الموافق 05 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً