العدد 361 - الإثنين 01 سبتمبر 2003م الموافق 05 رجب 1424هـ

الاحتلال يحصد غنائمه

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لم يبلغ الاختلاف في الرؤى بين التنظيمات والقوى الإسلامية والسياسية الشيعية في العراق درجة تدفع إلى ارتكاب جريمة اغتيال رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق السيد محمد باقر الحكيم، أحد الرموز الدينية والسياسية العراقية التي عرفت باعتدالها ووسطية مواقفها واتزان خطابها، يضاف الى ذلك اتكاؤها على تاريخ وإرث عريض وعريق من النضال والتضحية.

وبهذا يسقط احتمال تورط عدد من تلك القوى أو التنظيمات في تلك الجريمة البشعة التي تمت ادانتها وعلى نطاق دولي واسع.

ولعل ذلك ما وضعه في الحسبان منفذو العملية بحيث يتم استدراج العراقيين - وعلى اقل تقدير - الى مواجهات، وان استقر في قناعاتهم استحالة تطور تلك المواجهات الى حرب أهلية.

السنة كالشيعة في العراق كانوا مستهدفين من دون ادنى شك في تلك العملية - سواء عن وعي أو عن غير وعي - في محاولة لاستدراجهم أيضا الى مثل تلك المواجهات في ظل تشكيلة مجلس الحكم الانتقالي التي أقرتها قوات الاحتلال وتشكيلة المجلس الوزاري.

أصابع الاتهام لاتزال موجهة الى طرفين: قوات الاحتلال من جهة، وفلول النظام البعثي البائد من جهة أخرى، إلا انه لا يمكن ترجيح أي منهما لأسباب كثيرة.

إن الوضع الذي وجدت قوات الاحتلال نفسها فيه لا يغري على الإقدام على جريمة وحماقة كتلك التي حدثت، في ظل تصاعد الرفض لوجودها، وخصوصا مع حالات الانفلات الأمني الذي أفرز ظواهر غريبة لم يعهدها العراقيون حتى في ظل حكومة قمعية إبان هيمنة حزب البعث على مقاليد الأمور في العراق لأكثر من 03 عاما، ولم يكن جانبا من تلك الظاهرة مقبولا، وان كان وراءها متنفذون أو محسوبون على حزب البعث ذاته. يضاف الى ذلك ان السيد الحكيم لم يكن في خطاباته ومواقفه مباشرا في تحريضه ورفضه لسلطات الاحتلال، بل كان يدعو وفي كثير من خطبه الى استنفاد الوسائل الكفيلة بتسلم العراقيين لمقاليد أمورهم، وجلاء قوات الاحتلال بعيدا عن وسائل العنف.

ولعل تصريحه قبيل استشهاده بزمن لصحيفة «العدالة» الناطقة باسم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية واحد من شواهد وسطيته واتزانه، اذ جاء في جانب من تلك التصريحات وعلى لسانه: «ان منهج القوة لا يعتمد الا بعد استنفاد الأساليب السلمية كافة والكلمة الطيبة والحوار والمنطق، وهو ما لم يستنفد بعد، وعلينا بذل الجهود المشروعة ذات الطابع السلمي لإنهاء الاحتلال».

والذي يرجح عدم امكان اقدام قوات الاحتلال على ارتكاب تلك المجزرة ان المجلس الأعلى للثورة الإسلامية شارك بممثل في مجلس الحكم الانتقالي بعضوية نائب رئيس المجلس الأعلى السيد عبدالعزيز الحكيم، ما يعني ان الشهيد الراحل وإن كان على ارتباط مع اركان الحكم في الجمهورية الإسلامية الايرانية التي قضى فيها أكثر من 32 عاما، وعلى رغم ما يمثله ذلك الارتباط من قلق للحكومة الأميركية وقوات الإحتلال فإنه في مواقفه لم يتح مجالا لوضعه ضمن محور القوى والتنظيمات التي يمكنها أن تشكل قلقا مباشرا لها عبر حضورها وممارساتها وامتدادها في الشارع العراقي. يضاف الى ذلك ان المستهدف الأهم والمفترض هو السيدمقتدى الصدر بمواقفه وخطاباته العلنية التي لا تقبل التأويل في رفضها للوجود الأميركي في العراق، ودعوته الى تشكيل «جيش المهدي» وان كان منزوع السلاح، وقد عبر قادة قوات الاحتلال عن انزعاجهم من مواقف السيدمقتدى الصدر وأصبح - شاؤوا أم أبوا - رقما صعبا في المعادلة العراقية لا يمكن التغاضي عنه.

أما فيما يتعلق بفلول وأنصار النظام البائد، فسيكون من الحماقة بمكان تفكيرهم... مجرد تفكيرهم في القيام بمثل ذلك العمل الإجرامي البشع، وخصوصا في ظل نقمة ورفض مطلق من قبل الشرائح والطوائف العراقية، بل ومن قبل بعض أعضاء حزب البعث البائد، الأمر الذي سيسهم مساهمة مباشرة في تنامي ذلك الرفض وتصاعده.

يبقى الاحتمال في ان الذين يقفون وراء مجزرة النجف الأشرف بعض من فلول المتطوعين العرب المتطرفين الذين عرفوا بنزعتهم الطائفية والإلغائية، وتأسيسهم المذهبي المحرض على العنف تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى، وهي فلول تم رفضها من قبل مختلف الطوائف والمذاهب في المجتمع العراقي، في استدعاء وتكرار لظاهرة نمنمات المتطوعين العرب في أفغانستان، سعيا وراء تسجيل مجد يبدأ بحصد الأقرباء منهم في الدين والعقيدة! وهي فلول بالمناسبة تفتقد الى الأرضية التي تساعدها على التحرك للانطلاق في عملياتها في ظل خناق ويأس، ما يدفعها إلى اللجوء الى الضربات والعمليات الخاطفة ولأمد محدود في ظل تنامي الرفض لها.

البديهي من حادث الاغتيال الجبان هو انه صب في صالح الاحتلال وعزز من ضرورة وجوده، وفي أقل تقدير من قبل شرائح لا يمكن تغييبها عن المشهد السياسي العراقي، بل وسيسهم في تغيير قناعات عدد من الرافضين لإطالة أمد الاحتلال، وهو ما سيدفع قوات الاحتلال الى تبني عدد من الاجراءات العملية لتأكيد أهمية وجودها، وان جاءت تلك الإجراءات من قبيل استغلال الأوضاع الجديدة في الساحة العراقية، وفي ظل غياب واحد من أهم رموزها وكوادرها وقادتها.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 361 - الإثنين 01 سبتمبر 2003م الموافق 05 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً