العدد 3613 - السبت 28 يوليو 2012م الموافق 09 رمضان 1433هـ

تجربة تشيلي... صعوبة التصالح مع الدكتاتورية

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

التجارب التي عاشتها معظم بلدان أميركا اللاتينية مع أنظمتها الدكتاتورية غنية بكثير من الدورس والعبر إذ إن تاريخها مليء بالأحداث وقد تكون تشيلي مثالاً ملموساً وتجربة قاسية مع نظامها السابق الذي لم يكن ممكناً التصالح معه رغم كل الجهود وبلاشك أن هذه تجربة قد ترمي بظلالها على ما يحدث في المنطقة العربية من متغيرات سياسية مختلفة منذ أن أطلقت مع مطلع العام 2011 ومستمرة حتى اليوم في مساعٍ لتحقيق العدالة الغائبة والحقوق المنسية.

وقد كتب أحد الناشطين التشيليين تجربته إبان حقبة الاحتجاجات التي شهدتها بلاده آنذاك ضد النظام السابق، ماريو نايين في مجلة «العامل الاشتراكي» (ترجمته عزة خليل) إذ قال «عاشت تشيلي فترة ثورية ما بين 1970-1973. إذ بدأت سيطرة العمال على المصانع، كما استولى الفلاحون على الأرض وتركت حركة المضطهدين العريضة بصمتها في تشكيل المجتمع الجديد» مضيفاً «قُمعت الثورة بالانقلاب العسكري في 1973. ولكن في عمرها القصير، نشأ نمط مختلف من المجتمع - إنه المجتمع الذي يقوم على الديمقراطية الشعبية».

يقول ماريو وهو يتذكر كيف ولدت المنظمات الجديدة من رحم النضال من أجل التغيير «لم نعد نحارب الأغنياء من أجل زيادة الأجور فقط. كنا نعلم أن حقنا لا يقتصر على مجرد احتلال مصانعهم، ولكن السيطرة عليها، وجعلها تنتج، أي إدارة العمال لمواقع العمل بأنفسهم».

بهذه اللغة الثورية، كتبت مارياس فاريا جوديا في صحيفة «تشيلي هوي» في يناير/ كانون الثاني 1973. وكانت واحدة من أبطال التطور المذهل للنضال الطبقي الذي اجتاح تشيلي في الفترة من 1970 إلى 1973.

وكانت الحركة تتنامى عبر السنين، ولكنها بلغت ذروتها عندما شكل القطاع العمالي صاحب أرقى وعي سياسي «الكاردونات الصناعية»، وهي لجان تنسيقية تربط بين العمال في المصانع ومواقع العمل المختلفة.

ومست هذه الحركة أكثر الناس اضطهاداً في مجتمعنا هم هنود «المابوتشي الأصليين». فبدأ المابوتشي، الذين عانوا قروناً من القهر والعنصرية، يطالبون بحقوقهم الاجتماعية الثقافية، كبشر متساوين في الحقوق داخل المجتمع التشيلي.

وفي 1970، انتخبت حكومة الوحدة الشعبية بقيادة الليندي. وتشكلت حكومة الليندي من تحالف يضم الأحزاب الاشتراكية والشيوعية، وجاءت بسياسات التأميم، التي تحدت رجال الأعمال. واستخدمت الطبقة الحاكمة التشيلية، التي تدعمها الإمبريالية الأميركية، كل ما لديها من أسلحة لقطع الطريق على إصلاحاته - من الإرهاب إلى اغتيال كبار الجنرالات التابعين لحكومته.

وسعى الليندي إلى الوصول إلى حل وسط مع هذه القوى الرجعية، بينما كان يحاول في الوقت نفسه إحباط الطموحات المتنامية للحركة التي أتت به إلى السلطة. وقد أدى هذا الحل الوسط في النهاية إلى الإطاحة به، وقتله على يد انقلاب بقيادة أوجستو بينوشيه.

بدأ التحول في أكتوبر 1972، عندما نظم أصحاب المشروعات، «إضراباً» في محاولة لإسقاط الحكومة عن طريق خنق الاقتصاد. جمع أصحاب المشروعات أساطيل ضخمة من السيارات الثقيلة في تقاطعات الشوارع الرئيسية التي تربط البلاد لتحقيق أكبر قدر ممكن من الفوضى والتعويق.

لقد هزم العمال إضراب أصحاب المشروعات بأن حافظوا على إدارة الاقتصاد. وخلال تلك العملية، تحدوا حياة الاغتراب المظلمة التي عاشوها في ظل الرأسمالية. وبدأ وعي جديد في الظهور. يقول ماريو «تملكنا إحساس بالحرية، وشعرنا أننا نؤكد انتماءنا للإنسانية. أصبحنا نجني ثمار عملنا، دون أصحاب المشروعات الذين كانوا يسرقوننا. ومنذ تلك اللحظة، بدأنا ننظر إلى بعضنا بعضاً كإخوة وأخوات، وليس كأفراد مبعثرين ومغتربين. وخلال سنوات العصيان القليلة شرعنا في رحلة معقدة من الوعي الطبقي، إذ كنا نشكل جماعياً مسار التحرر. ولكن أخيراً، وتحت جنح الظلام، انقض الإرهاب في 11 سبتمبر/ أيلول 1973. وأعلن الليندي في الإذاعة عن وجود انتفاضة مسلحة. وكانت تلك رسالته الأخيرة. ووصلت الدبابات وأطفأت شعلة الحرية للحظة».

وأوضح ماريو «فرضت حالة حصار على شعبنا استمرت لسبعة عشر عاماً. وسجن عدد لا يحصى من الناس، وعانوا من أشد أشكال التعذيب الوحشي مادياً ومعنوياً في معسكرات الاعتقال في أرجاء البلاد. وقد بقيت عامين ونصف العام في أحدها. واختفى أكثر من 3000 شخص... لقد عشنا عذاباً وإذا كان الانقلاب قد سحق حركة التغيير، إلا أنه لم يستطع محو ذكرى تلك الفترة، التي زرعنا فيها بذور سلطة العمال. وبدأ ظهور الحركة في أنحاء أميركا اللاتينية، بينما صدر حكم التاريخ على طغيان بينوشيه».

المراقبون يرون اليوم أن النظام الرأسمالي العالمي يمر بواحدة من أعمق أزماته الاقتصادية منذ ثلاثينات القرن الماضي.

اما ماريو فقد ختم كلامه بالقول «ما يمكن أن نستخلصه من تجربة تشيلي هو أننا لا يمكننا التصالح مع النظام القديم. بدأنا في تلك السنوات الثورية، التحكم في مصانعنا، وأحيائنا وريفنا. أثبتنا أن البسطاء قادرون على التحكم في حياتهم، وعلى النضال من أجل تغيير العالم أيضاً».

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 3613 - السبت 28 يوليو 2012م الموافق 09 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:15 ص

      بطولة الانسان التشيلي و مآسي التاريخ إن جاز تسميته بالانساني

      ليس من العلم ولا من الأدب وجود الظلم المتمثل في الصراع الطبقي وتغليب المصالح الفردية الضيقة على الانسانية. فقد وَلَّدَ استعباد لم تحمل به إمرأة في العالم، لكنه إنقلب ليس بتمرد بل ثار الانسان على الواقع الا إنساني ليطيح بالتسلط القائم على الدكتاتورية.
      فالشبه وليس مثل ما حدث في تشيلي يمكن إيجاده في بلد آخر من العالم. فبما يذكر تاريخ مثل 11 سبتمبر1973 وما حدث في 1970 - 1973 م ؟
      وهل الفاعل واحد أم فريق وزع على مناطق العالم؟

    • زائر 1 | 1:52 ص

      كلنا معكم

      تشيلي تمر بالليل نجمة بسمانا ،، مستوحية من نضالكم أيها الشعب العظيم.

اقرأ ايضاً