العدد 3622 - الإثنين 06 أغسطس 2012م الموافق 18 رمضان 1433هـ

«الزار» في رمضان

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قالت السيدة التي تجاوزت الخمسين من العمر وهي في حالة بين الصحوة والغفوة: «عندما علمت بنبأ وفاة شقيقتي كنت في دورة المياه فصرخت هناك صرخة عالية مرضت على اثرها، فأشار عليّ البعض بالزار فذهبت للحاجة (أم الجوهرة) التي أخبرتني بأن هناك عفريتا قد ركبني فسألتها وماذا يطلب؟ فقالت يريد خلخال فضة، وقلب عقيق حر! بعدها أغرقوا رأسي بمياه باردة لأني كما أخبرتني (أم الجوهرة) كنت ممسوكة بـ (سلطان الجن الأحمر) الذي لبسني هذه المرة وأقاموا لي حلقة الزار».

بداية، اعتقد بأن الجميع يعرف ما هو الزار وكيف تُعقد حلقاته؟ فهو من أكبر دروب الدجل والشعوذة والنصب على الجهلاء... ويلجأ إليه هؤلاء الجهلة من القوم معتقدين في أنفسهم بأن الجن والأسياد سيرفعون عنهم البلاء، وبذا فهو يقوم عند معتقديه بوظيفة علاجية، مع أنه واضح جداً من هم الجن والأسياد هذه الايام. والبعض يقول ان لفظ زار محرف من «جار» ـ وهو إله وثني عند الكوشيين ـ ثم غدا في الحبشة بعد دخول المسيحية عفريتا حقوداً (أي أسياد شريرة). بينما يذهب بعض الباحثين إلى أن أصل كلمة الزار عربي، وهي من زائر النحس. وبذا تصبح «جار وزائر النحس» مترادفتين في حالة الزار عندنا. وإن كان هناك دلالة عند أهل الكار أن كل من يتلبس بالزار فهو حبشي في تفكيره، قمعي في تنفيذه، افريقي غابي في الإيمان به!

وبذلك يعتقد بأن الزار نشأ في منطقة ساحل البحر الأحمر: الحبشة، الصومال، اليمن، والحجاز كما ذكر ذلك بعض الرحالة الذين زاروا تلك المناطق قديماً. مع أن بعض علماء الأزهر يقولون ان الزار مجرد عملية نفسية، وهو ليس من الأسباب الشرعية أو القدرية التي قدرها الله للشفاء كالأدوية.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر ويقارن، فصورة وشكل من الشعوذة والدجل اليوم موجودة، فهناك حفلات زار ليلية، عادة ما تكون محكومة بقدر معين من الاضاءة، تقرع فيها الطبول (الصوتية) فتتمايل على نغماتها الأجساد انزعاجاً ويتم تعرية الأبدان أحياناً (قف)، وفي هذا لا فرق بين الرجال والنساء، وتنتهك فيها الأعراض (قف)، يتصاعد فيها دخان (قف) البخور، كل ذلك إرضاء للشياطين. كما أنه في حفلات الزار تُسلب أموال السفهاء والجهال من الناس من قبل فئة من المشعوذين الذين لا يخافون الله لا من قريب ولا من بعيد، كل همهم جمع الأموال والشهرة والمتعة والضحك على من يأتيهم ويؤمن بكلامهم! ويتبع إرشاداتهم المضحكة المبكية في آن واحد.

وبما أن الزمن قد تطور كثيراً فلم يعد هناك معنى لأن يطلب صاحب حفل الزار (الكودية) من المتلبسين بالمس والمرضى أن يحضروا للأسياد ديكاً أحولاً أو خروفاً سميناً من مربى الدلال بمواصفات معينة على أساس أن ذلك من مطلب الجن مقابل خروجهم من جسد المريضة؛ بل صار هؤلاء يحضرون اليوم طلبات للأسياد، على سبيل الذكر وليس الحصر: هاتف خلوي آخر صيحة - جهاز كمبيوتر محمول بسعر الكلفة - أجهزة آي باد وآي فون لأكبر الشركات العالمية بشرط أن يكون معه شاحن ذو ثلاث شعب ليناسب كهرباء الديرة وخط مشمول بالضمان، وعقد من الاصداف المثبتة في نسيج مشغول، وحزام يبلغ عرضه نحو 12 سم، وعقد مشغول بالخرز والصدف، وخلخال وأساور من ذهب، وكل ما خف حمله وغلا ثمنه (علشان الأسياد ما يزعلوش).

وكما حدث للسيدة الخمسينية، فإن هناك أناسا يجتمعون من حولنا في ليالي رمضان لا للمديح النبوي والدعاء بل للاستماع في ليالي الشهر الكريم للمديح الشيطاني من خلال حفلات الزار السياسي، وما أشبه ذاك بهذا.

والمضحك المبكي في حفلات الزار في الدار أن علماء الانثربولوجيا قسموا فيها الأسياد إلى الفئات التالية:

1 - أرواح إقليمية.

2 - أرواح طبيعية وعلى رأسها سلطان الجن الأحمر! واخوته وأسياد الماء أو أسياد البحر وعلى رأسها (السرطان البحري وأخواته)، وكذلك الأسياد المؤنثة التي تعرف باسم (الست سفينة)، ومن هنا يبدو أن الأمر كله متعلق بأهل البحر والسواحل.

3 - أرواح تدل على أصحاب مهن وعلى رأسها الأرواح ذات الأسماء العسكرية أو الحربية والمهنية من نقابات عمال جديدة حصلت على تراخيص مديدة.

4 - الأرواح التي تسمى بأسماء الاشخاص.

ومن المعروف والمتداول بين أهل طريقة الزار أن تلك الحفلات تتوقف بكل أنواعها طوال شهر رمضان، بلا استثناء لأي نوع منها؛ إلا حفلات الزار البحرينية لا تعرف التوقف منذ ثمانية عشر شهراً وقد مر عليها شهران من رمضان الفضيل ولم تتوقف قط للحظة إن لم تكن في ازدياد على رؤس العباد وأمام كل الشهود.

إن من يمارس طقوس الزار المتنوعة يحتاج، كما يقول الأطباء وليس بينهم أحد من السلمانية، لأن يخضع لدراسات نفسية واجتماعية وشعبية ومن ثم يحتاج لعلاج معين، فكيف بمن يمارس الزار السياسي، فماذا يحتاج وكيف تتم معالجته؟ وكما هو الزار باعتباره مرضا عصبيا يعتري الرجال والنساء على السواء، يزيده الغم والهم والاحتباس في البيوت والإحساس بأنك لست من أهل الديرة، والامتناع عن ذكر الله بجميع العبادات؛ كذلك هو الزار السياسي ومن يعقدون حفلاته يومياً سواء عبر جميع وسائل الإعلام الصفراء أو عبر بعض مجالس رمضان التي تحولت عن غرضها الرئيسي لتقيم حفلات زار ونفاق فريدة من نوعها، رغم أنه ممنوع في رمضان «بحكم الأسياد» علشان ما يزعلوش!

وبما أن لرجال الدين رأيهم في الزار أنه من كبائر المحرمات بل قد يدخل في الشرك حين يتم سؤال الجن و يستعان به بدلاً من اللجوء للمولى عز وجل في كل نازلة وصاعدة، كما أنه يحتوي على السحر وكذلك ادعاء معرفة الغيب، وجملة من المحرمات من دخان ورقص واختلاط الحابل بالنابل بين الرجال و النساء؛ فما هو الرأي اليوم في الزار السياسي الذي بات يهدد اللحمة الوطنية الأصيلة للمجتمع من حولنا لو استمر لمدة أطول ولم يتوقف حتى في شهر الله، ورمضان كريم.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3622 - الإثنين 06 أغسطس 2012م الموافق 18 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:36 ص

      معرفون امهات الزيران

      وما يحتاج نذكرهم لانهم يعرفون روحهم زين هم ... خائبون متملقون وضيعون متمصلحون يتصيدون في الماء العكر خيبهم الله اكثر فاكثر

اقرأ ايضاً