العدد 3631 - الأربعاء 15 أغسطس 2012م الموافق 27 رمضان 1433هـ

كردستان العراق يرحب بالإخوة السوريين «في الوقت الراهن»

لاجئون سوريون في خيمتهم
لاجئون سوريون في خيمتهم

يدخل نور الدين رؤوف العبدالله منزله المؤلف من غرفتين حاملاً هاتفه النقال هرباً من حرارة الصيف في مخيم اللاجئين السوريين في إقليم كردستان العراق. ويمكن أن نلاحظ داخل المنزل بعض الأعمال الفنية المعلقة على الجدران، وجهاز تلفزيون في إحدى الزوايا. وحينما سأله الزوار من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين حول المخاوف التي تنتابهم في المخيم، رد قائلاً: «لا تقلقوا... يمكننا السيطرة على النزاعات التي تجري في مجتمعنا. ولسنا بحاجة إلى الإبلاغ عن تلك المشاكل الصغيرة». فيتحلى عبدالله- الذي انتخب مؤخراً في لجنة اللاجئين في المخيم- بالثقة التي تعكس راحته في هذا المخيم.

ويقع مخيم دوميز على بعد 60 كيلومتراً من الحدود السورية، وهو مخيم فريد من نوعه، تم إنشاؤه في أبريل الماضي بعد نزوح أعداد كبيرة من الأكراد السوريين الفارين من النزاع في سورية. ويعتبر المخيم أصلاً موطناً لأكثر من 2,500 لاجئ من بين الـلاجئين السورين الذين يبلغ عددهم 10,000 وقد استقروا في إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق. ويستمر الوافدون الجدد في التدفق بأعداد تصل في بعض الأحيان إلى 100 لاجئ يومياً.

وقالت بشرى هالي بوتا، مديرة مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين في إقليم إربيل، عاصمة كردستان العراق أنه «إذا أخذنا بعين الاعتبار الطريقة التي يسوء فيها الوضع في سورية، من الممكن أن تتدفّق إلينا أعداد كبيرة، علماً أن إربيل تُعتبر موطناً طبيعياً للشعب الكردي في المنطقة».

وطن بعيد عن الوطن

كل خيمة في مخيم دوميز منصوبة على قاعدة أسمنتية تحاط بجدار من الأسمنت بطول 60 سنتيمتراً. وكل عائلة حصلت على إقامة لمدة 6 شهور عند الوصول تتمتع بوحدة خاصة بها للطبخ وبمكان للاستحمام ومرحاض مصنوع من الطوب والصفائح المعدنية، فضلاً عن ثلاجة ومكيّف هواء قامت الحكومة بتوزيعها. هذا وقام بعض اللاجئين بشراء أطباق الأقمار الاصطناعية، بينما فتح البعض الآخر محالاً تجارية وأكشاك لبيع المواد الغذائية داخل وخارج المخيم.

وقامت حكومة إقليم كردستان بتنظيم دورات تعليمية خاصة باللغة العربية حتى يكون أطفال اللاجئين مستعدين للعام الدراسي الجديد في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل. وقد حصل ربع الرجال تقريباً على عمل- بعضهم خلال أيام من الوصول- كعمال مؤقتين في المدينة. وقام اللاجئون الأغنياء أيضاً بتوظيف اللاجئين الفقراء للقيام بتمديد السور المحيط بخيمهم. وتفكر لجنة اللاجئين في إنشاء مكتب توظيف في المخيم حيث يمكن للمقاولين البحث عن العمال.

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت هالي بوتا إنه «يتم تلبية احتياجاتهم الأساسية بصورة جيدة في الوقت الراهن». وقد وجد الأكراد السوريون في كردستان العراق موطناً لم يجدوه أبداً في سورية. فقال لقمان حسن الذي أتى إلى دوميز من مدينة درعا في جنوب سورية والأقرب بكثير إلى الحدود الأردنية: «جئت هنا إلى موطني وشعبي. فأنا ليس لديّ أقارب هنا، لكنهم جميعاً أسرتي».

ويقول الأكراد السوريون أن أرضهم وممتلكاتهم ووظائفهم وحتى حقهم في المواطنة قد سُلبت منهم في سورية. وقد حصلت عشرات الآلاف من العائلات الكردية التي عاشت في سورية لأجيال على الجنسية السورية في أبريل الماضي فقط كمحاولة من الرئيس السوري، بشار الأسد لاسترضاء الأقلية الكردية. وقال عبدالله من لجنة اللاجئين إنه «لم يتبقَ لهم شيء في سورية، لذا جاءوا بتلك الأعداد الكبيرة». وتكمن المشكلة في أنهم مغرمين جداً بكردستان العراق لدرجة أنهم قد لا يرغبون في الرحيل.

وقال أحد المزارعين السوريين الأكراد الذين وصلوا إلى دوميز الشهر الماضي، لكنه رفض ذكر اسمه: «سنبقى هنا حتى لو تغيرت الحكومة في سورية. فالحكومات الأخرى المجاورة لنا لن تساعدنا لأننا أكراد. حتى الحكومة السورية الجديدة لن تساعدنا».

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال حسن إنه يعتقد أن الأمر سيستغرق أربع أو خمس سنوات قبل أن تستقر الحكومة الجديدة في سورية، مضيفاً أنه مستعد للعودة إلى الوطن. وأضاف: «نحن نريد حكومة مثل حكومة كردستان مع ضمان الحرية والأمان. فنحن لا نريد سوى حقوقنا. فأنا لم يكن لديّ أية حقوق على مدى 40 عاماً، وأحتاج إلى أن أشعر بأنني إنسان من جديد».

وقد ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك حيث طالبوا بنظام فيدرالي في سورية. وقال المزارع: «لن أعود إلى سورية إذا لم يكن الوضع فيها مماثلاً لوضع العراق بوجود حكومة منفصلة». من جهة أخرى، قال ابراهيم: «سيبقى الحال على ما هو عليه إلى أن يتمتع إقليم كردستان سورية بالحكم الذاتي. فنحن نريد السيطرة على المناطق الكردية، ونريد استعادة أراضينا».


الموارد

تعتمد حكومة إقليم كردستان حتى الآن سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين الأكراد. وقد قامت بالفعل باستثمار 2.5 مليون دولار تقريباً في الأشهر الثلاثة الأولى من الاستجابة وأصدرت خلال العام الماضي تعليمات بأنه ينبغي أن تتم معاملة جميع اللاجئين وطالبي اللجوء على قدم المساواة. هذا وقد قام وزير التعليم بزيارة مدرسة المخيم في شهر يوليو/ تموز.

وقال مدير مكتب الهجرة والنزوح التابع للحكومة في المخيم، محمد عبد الله حمو، إنه «لا توجد حدود» لأعداد الأكراد السوريين الذين تستقبلهم الحكومة. ويقوم برنامج الأغذية العالمي بالتخطيط لإطعام 15,000 شخص على الأقل بنهاية العام وتقوم الجهات الفاعلة الإنسانية الأخرى بالاستعداد لمزيد من الوافدين. ولكن احتمال البقاء لفترة أطول يمثل خطورة بالنسبة لرئيس إدارة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان.

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال الوزير، فلاح مصطفى إن «هذا يفترض أن يكون مؤقتاً. وبالطبع إنهم بالنسبة لنا أخوتنا وأخواتنا، وليسوا غرباء عنا. وقد نقوم بكل ما بوسعنا لكي نجعل حياتهم أسهل ونجعلهم يشعرون بأنهم في وطنهم. ولكن بالطبع سيتم تحقيق هذا من خلال الموارد المتوافرة».

ورغم حصول حكومة إقليم كردستان على دعم من المجتمع الدولي، فمواردها محدودة. ونتيجةً لنقص الأموال، اضطرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين إلى تخفيض مساعداتها والحد من خطط توسيع المخيم (كان الهدف إيواء 7,000-10,000 شخص). ويعتمد دعم سبل كسب العيش والتعليم العالي والتوظيف والرعاية الصحية الثانوية ونظم التدفئة لمساعدة اللاجئين على مواجهة الشتاء القادم على التمويل الإضافي.


النقاط الرئيسية

- فرار 10,000 من اللاجئين السوريين الأكراد إلى كردستان العراق.

- تم الترحيب بهم ولقوا معاملة حسنة.

- يقول البعض منهم أنهم يريدون البقاء في العراق حتى لو انتهى الصراع في سورية.

- هذا الموقف قد يضع حكومة إقليم كردستان في موقف صعب مالياً وسياسياً

ومن خلال نداء الأمم المتحدة الإقليمي للاجئين السوريين، وجهت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين نداءً لجمع 15 مليون دولار للاستجابة لاحتياجات اللاجئين في كردستان العراق. ولكن هالي بوتا قالت إن التمويل الخارجي قد انخفض مع اعتماد مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين على تمويلها الداخلي حتى الآن، مضيفةً: «سنحتاج للمال قريباً جداً للاستمرار في الاستجابة».


التسييس

ولكن نظراً لتسييس السكان الأكراد، يقول المحللون إن حكومة إقليم كردستان قد تكون تفكر فيما هو أكثر من الاعتبارات المالية. فأكراد سورية الآن عالقون بين عدد من الفصائل التي تتنافس على النفوذ في الصراع السوري. ويؤيد العديد من أكراد سورية حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر منظمة إرهابية من قبل الغرب بسبب قتاله من أجل الاستقلال عن تركيا. هذا ويقوم حزب العمال الكردستاني لسنوات عديدة بقصف تركيا من قاعدته في شمال العراق. وتكافح حكومة إقليم كردستان- التي تحاول توطيد علاقة قوية مع تركيا- من أجل الإبقاء على المسلحين تحت السيطرة.

وما يجعل الأمور أكثر تعقيداً أن حكومة إقليم كردستان تقوم بتدريب أكراد سورية للدفاع عن أرضهم في سورية في حالة حدوث فراغ أمني إذا تمت الإطاحة بالرئيس بشار الأسد من السلطة. وهذا قد جعل عمال الإغاثة يشعرون بالقلق من إمكانية أن يصبح المخيم مسيساً على نحو مشابه.

وتقول مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين إن الرجال غير المتزوجين الذين يصلون إلى دوميز قد تركوا سورية لأنهم انشقوا عن الجيش أو كانوا يخشون التجنيد العسكري أو كانوا مطلوبين للمشاركة في الاحتجاجات. وتقوم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين بفحص هؤلاء الرجال كل حالة على حدة حيث وجدت أنه ينطبق عليهم تعريف اللاجئين.

وقال مساعد ممثل مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين في العراق، أورفازي باتيل إن «هناك مسألة التركيبة السكانية برمتها وثمة قلق كبير حيال الرجال غير المتزوجين. ولكن بشكل عام هم أشخاص تهتم بهم مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين. وليس لدينا أي مؤشرات على أنهم يحملون أسلحة أو ينتمون إلى أي مجموعة مسلحة، ولكننا نراقب الوضع».

وقد أقر حمو، مدير مكتب الهجرة والنزوح التابع للحكومة أن اللاجئين يمثلون مجموعة من المصالح، مضيفاً أنه يمكن ربطهم بحزب العمال الكردستاني أو النظام السوري أو الكفاح من أجل الحكم الذاتي الكردي. وقال أن حكومة إقليم كردستان قد تعلمت من التجارب السابقة لاستضافة اللاجئين الأتراك المرتبطين بحزب العمال الكردستاني الذين جرّوا حكومة إقليم كردستان إلى صراع وتسببوا في مشكلات أمنية للإقليم.

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال حمو إنه «من الناحية الإنسانية ولأننا في حالة طوارئ، نقوم باستقبال اللاجئين. ولكن إذا وصل عدد اللاجئين إلى مستوى يهدد أمن الإقليم، سنتّبع حينئذ نهجاً مختلفاً». ومن جهته، قال الوزير فلاح إن «الأمر المهم بالنسبة لنا هو أن يتم حل المشكلة لأن الحل النهائي يكمن حيث يعود الناس إلى منازلهم».

العدد 3631 - الأربعاء 15 أغسطس 2012م الموافق 27 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً