العدد 3703 - الجمعة 26 أكتوبر 2012م الموافق 10 ذي الحجة 1433هـ

عيسى الوطني... وعدسته التي لا تيأس

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

رأيته أول ما رأيت في عامي الأول في جامعة البحرين، حيث معرض الصور الذي أقيم في بهو القبول والتسجيل، كان الرجل الأول الذي أصادفه في حياتي على كرسي متحرك، لكنه لم يكن كالصورة التي كرسها الإعلام بمختلف مجالاته لذوي الإعاقة؛ إذ لم يكن ساذجاً، ولا جاهلاً، ولم يكن عديم الفائدة، بل كان رمزاً للصمود والمثابرة والإبداع في كل المجالات التي اختارها واختارته.

لن أتحدث عنه كذي إعاقة، لكنني سأتحدث عن عدسته التي بهرت الكثيرين، عدسته التي تعرف ماذا تلتقط وكيف ومتى ولماذا، إذ كانت زواياه منتقاة بحذر المصور الذي يخشى على اللحظة الإفلات من بين يديه، يصور الواقع كما هو، ويبرز جماليات المكان والحدث والشخوص كما صورها الله.

كان أباً روحياً لكثير من المصورين في البحرين، وكان أستاذاً يعلم التصوير بلين وحزم يجتمعان فيكونان نعم المعلم، علم تلامذته التصوير كما علمهم وغيرهم المثابرة والإصرار على تحقيق الأحلام.

عيسى الوطني... كان قناصاً للفكرة كما اللقطة، متميزاً في تصوير الموقف والحدث، أسس لنفسه ولوطنه أرشيفاً من الصور التي شملت مجالات متعددة ففي كل مرة ينشر صورة في «الفيسبوك» تجد أنه لم يمر بجانب من الماضي كان بإمكانه سبره إلا والتفت إليه، مخلفاً صوراً تشهد بموقف أو حقبة أو حدث ما.

لم يتوقف عن الإنجاز والنجاح بعد الحادثة التي ألمّت به في بداية حياته، فأقعدته مشلولاً جسدياً، متميزاً عقلياً، ثابر واستمر في مواصلة دربه العملي والمهني، واستمرّ في التقاط الصور لتكون شاهداً على التاريخ، نشرها فيما بعد في معارضه الفنية وعبر حسابه في «الفيسبوك» و «فيلكر» ليتحف المتابع له بجميل ضوئه وتميز اقتناصه للحظة.

أصدر كتابه المتميز «لمحات من ماضي البحرين» الذي طبع من قبل وزارة الإعلام سابقاً في العام 2010م بعد استغرق جمع صوره عامين كاملين، ليضم صوراً تبين نماء البحرين عبر الزمن منذ الستينيات وليكون شاهداً على عصر أرخه بالعدسة، ولشدة تميزه نفدت جميع النسخ المطبوعة في أقل من عام.

عيسى الوطني الرجل الذي لا تفارقه ابتسامته، كما عدسته، والذي أسس لرياضة ذوي الإعاقة في البحرين، ونادي التصوير الفوتوغرافي، رحل عن هذه الحياة في يوم عرفة، ليكون رحيله في يوم الرحمة والمغفرة. فرحم الله الوطني بقدر ما كان متميزاً مبدعاً نقياً.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3703 - الجمعة 26 أكتوبر 2012م الموافق 10 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:02 ص

      عيسى الوطني وكاميرته (الكوبيكا)

      كان متحمسا لتعلم فنون العدسة..واحتضن هذه الآله مدى الحياة واجتهد في اتقان فن التوثيق الفوتوغرافي(Documentary Phoyography) و (Photojournalism..وكنت عندما التقي به في اى مكان يقف بسيارته ويتحدث عن عشقه للتصوير وعن انجازاته..عيسى الوطني رحل عن الدنيا الفانيه الى الملكوت الأعلى..ولكن هذا النموذج البحريني يجب ان يبقي في الذاكرة واعماله وكفاحه قدوة للشباب بأن تؤسس جائزة فوتوغرافية سنوية بأسمة..ما اجمل ان يتذكر الوطن المبدعين ....

    • زائر 2 | 1:47 ص

      ثقافة التحدي

      عيسى الوطني رمز لثقافة التحدي تميز ببساطته وتواضعه وعلوا اخلاقة ، وعرف عنه بقوة عزيمته في مواجهت المحن ، عرفته منذ طفولتي بحكم ارتباطي باهل النعيم والتقيته اخر مرة بعد فراق طويل ، كنت واقفا مع الفنان عباس الموسوي والمصور التلفزيوني يوسف الزيرة وكان يسير بكرسيه المتحرك وسلاحة الفني في يده موجها لاقتناص لحظة ليدونها وعلى الرغم من انشغال تفكيره بالحدث بادرنا بالسلام .
      لقد رحل عنا انها خسارة لكنه يبقى ثروة ينبغي ان نحسن استثمارها.
      رحمك الله يا ابن الوطني وادخلك فسيح جناته.

    • زائر 1 | 1:39 ص

      مبدع صامت

      المقال جاء متأخرا مع الاسف رغم كون المبدع لا يحتاج لشهادات لتثبت ابداعه ولكن التقدير الرمزى والمعنوى له اعمق الاثر فى بث الروح وتدفق العطاء _ والاستاذ عيسى رمز فنى معروف ، رحمه الله ومثواه الجنه _ وشكرا للاستاذه الكريمه لهذه اللفته

اقرأ ايضاً