العدد 3716 - الخميس 08 نوفمبر 2012م الموافق 23 ذي الحجة 1433هـ

المعارضة الكويتية وآفاق الحراك الشعبي

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

أدى المرسوم الذي أقره أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد بتحديد صوت واحد لكل مواطن عوضاً عن أربعة أصوات في كل دائرة من الدوائر الخمس إلى خلاف سياسي محكم. فقد تحول مشروع الصوت الواحد وانتخابات الأول من ديسمبر/ كانون الأول المقبل إلى عنوان كبير للتحركات الشعبية وللحراكات الشبابية ولإعادة تشكيل دور المعارضة السياسية في الكويت. وبينما تطالب الحركات الشبابية المستقلة بسحب المرسوم والانتخاب وفق الأسلوب السابق القائم على خمس دوائر وأربعة أصوات للناخب؛ تصر الحركات السياسية الكويتية المعارضة على الموقف نفسه ما يجعل الأغلبية في موقف المعارض. وفي الوقت نفسه تشعر قوى أخرى ذات طابع مدني تحوَّلت مع الوقت إلى أقلية عددية بمخاوف من قوة المعارضة النامية ومن قاعدتها في مناطق الأغلبية القبلية.

وليس من الصعب الاستنتاج بأن الخلاف الحالي والحراك السياسي الكويتي المرتبط به؛ ينبض حيوية ويتفاعل مع تغيرات أعمق وقعت في الكويت في الأعوام العشرين الماضية. ففي العقدين الماضيين تعمقت المعرفة، وارتفعت نسب الوعي المجتمعي الكويتي، وبرزت قوى اجتماعية جديدة؛ منها الطبقة الوسطى المنتشرة بين كل فئات المجتمع والتي تتأثر سلباً بسوء الإدارة وسيطرة الاحتكار وغياب الشفافية في الاقتصاد وإشكالية الفساد. كما تضاعف في الأعوام العشرين الماضية دور أبناء المناطق الخارجية من القبائل ممن ارتقوا سلم التعليم في ظل مواجهتهم حالة التهميش.

لقد اكتشف قطاع كبير من المجتمع أن تقدمه وارتقاءه أصبحا أكثر ارتباطاً بمدى قدرته على بناء واقع سياسي قادر على المحاسبة والمساءلة ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب في ظل تعزيز الحريات وتطوير مشروع متكامل للدولة وديمقراطيتها، والذي يتضمن حتماً احترام حقوق جميع مكونات المجتمع.

وكيفما تمعَّنا في الوضع السياسي الكويتي؛ سنجد أن الحراك الراهن ليس ثوريّاً، فهو حراك إصلاحي ينطلق أساساً من ولاء للنظام السياسي وللدستور الكويتي وللأمير. ففي الجوهر يبحث الجيل الجديد الذي يشكل أغلبية السكان عن دولة أكثر حداثة، وقوانين أكثر عقلانية واقتصاد أكثر تصدياً للفساد وأكثر انحيازاً إلى الطبقات المتوسطة والمهمشة، وأكثر تقديراً للكفاءات. وفي كل التحركات (وحتى الآن نظمت المجاميع الشبابية تحت عنوان «كرامة وطن» مظاهرتين كبيرتين وصلت إحداهما لما يقارب مئة ألف) سيطرت الشعارات السلمية والإيجابية التي تطالب بالكرامة وسحب المرسوم.

لقد نما الحراك الشبابي الكويتي من رحم الممارسة السياسية في «تويتر» وشبكات التواصل الاجتماعي. ويتميز الحراك، الذي يتطور منذ سنوات بدأت قبل الربيع العربي، بقدرته على إسقاط التمايزات بين فئات المجتمع من خلال التركيز على مدنية الدولة التي تتسع للجميع: للقبائل (الأغلبية السكانية الجديدة التي تشعر بالتهميش) وللحضر مؤسسي المدينة القدماء المتخوفين من قوة الأغلبية القبلية، وللشيعة بما لهم من تاريخ ومكانة ومنزلة وشعور بالتخوف من التيارات الدينية، والمرأة بصفتها نصف المجتمع الأضعف والأكثر إنتاجاً. في هذا الحراك الشبابي الكثير من العفوية وهو يخلو من الهوية الأيديولوجية.

لقد أصبح الحراك الشبابي في الآونة الأخيرة أكثر زخماً، وانضمت إليه فئات جديدة غير مسيسة، وهو يتشكل كل يوم ويزداد صلابة وخبرة. والأهم في الحراك الشبابي أنه يزداد تحكماً بالمعادلة السياسية الكويتية، ويمارس ضغطاً واضحاً على النواب وقوى المعارضة التقليدية التي تتأثر به عوضاً عن أن تؤثر فيه.

وتتشكل القوى السياسية المعارضة التقليدية في الكويت، والتي تمثلت في مجلس الأمة الأخير بما عرف بقوى الأغلبية، من اتجاهات إسلامية وليبرالية تطورت عبر التجربة الديمقراطية الكويتية. من أهم القيادات المؤثرة بين الأغلبية النائب السابق مسلم البراك الذي أصبح رمزاً (أو حزباً بحد ذاته) للقوى المعارضة. فقوة هذه القيادات تكمن أساساً في كونها قيادات وسيطة تقع في مكان بين السلطة التنفيذية وبين الحراك الشبابي. وبينما تتأثر المعارضة بالحراك الشبابي، إلا أنها تمتلك بعض القدرة في التأثير في القواعد الشبابية، لكن ذلك يتطلب مرونة من قبل السلطة التنفيذية في تقديم حلول ومخارج للأزمة الراهنة. من دون هذا؛ لن يتقبل الحراك الشبابي مرونة النواب فيما لو تبلورت. هذا يعود ويـؤكد أنه يوجد في الكويت حراك إصلاحي ذو نَفَس طويل، وأن القوى السياسية تريد سحب المرسوم كما حصل مع مراسيم ومواقف سابقة وليس الانقضاض على نظام الحكم أو تهديد قواعد الدولة.

ولا يمثل تيار «الإخوان المسلمين» دور المحرك لهذا الحراك، فـ «الإخوان» أو الحركة الدستورية في الكويت ليست أكثر من إحدى قوى المعارضة. فهذا الفصيل هو الآخر ذو ولاء للدولة وللأمير وذلك على رغم معارضته للمرسوم مثله في هذا مثل معظم القوى المعارضة الأخرى في الكويت. «الإخوان» كانوا في الحكومات السابقة، وشاركوا في البرلمان كما شارك غيرهم. إن الحركة الدستورية أصبحت منذ العام 1990 تياراً سياسيّاً علنيّاً، شهد الكثير من التغيرات في صفوف قواعده وأجنحته.

ويجب أن ننتبه في فهم الحالة الكويتية إلى أن المعارضة التقليدية وقعت في أخطاء كثيرة في السابق، كما أنها حققت نجاحات في عدد من التشريعات وخصوصاً في مجال المراقبة والمحاسبة. فقد تصدت المعارضة لملفات الفساد وطرحت مشاريع لم ترَ النور لاستقلال القضاء وحق الأفراد في المخاصمة المباشرة مع القضاء إلا إنها عانت في الوقت نفسه من التشرذم الداخلي. وقد تورطت المعارضة بسياسات شخصنة خلاف مع وزير أو طرح استجواب في غير مكانه أو إثارة قضايا مست فئات أخرى في المجتمع. هذا الوضع أضعف المعارضة وجعلها تبدو في أحيان كثيرة سبباً للتأزيم.

ويمكن الجزم بأنه قبل المرسوم الأخير الذي طرحه الأمير كانت فرص المعارضة في المجلس القادم متوسطة على أحسن تقدير. لكن الانقسام السياسي الذي نشأ بعد صدور مرسوم الصوت الواحد في ظل نشوء تطور الحراك الشبابي قدم للمعارضة التقليدية وقوداً جديداً.

إن معضلة المعارضة الكويتية، والتي تشفع لها بعض أخطائها، مرتبطة بوجود خلل كبير في الديمقراطية الكويتية التي لا تعترف حتى الآن بالأحزاب والهيئات السياسية. وهذا يعني أن التيارات السياسية في الكويت تعمل بصورة غير رسمية ولا يوجد قانون يشرع دورها، وهذا يجعل كل فرد محسوب على المعارضة قادراً وحده على وضع السياسة التي يريدها ما يضعف دور مجلس الأمة.

إن الديمقراطية غير المكتملة هي الأخرى تولد أزماتها. فمعضلة الكويت الأساسية أنها لم تطور ديمقراطيتها عقداً وراء عقد؛ ما أنتج تشوهات وخلافات لا يمكن علاجها إلا بالتطوير السياسي. لقد تطور المجتمع وتغير، أما الهياكل السياسية الشرعية فلم تتطور وتتغير لمواكبة عملية التغير الكبيرة بين جميع الشرائح.

الأزمة الراهنة قد تستمر فترة ليست قصيرة، وقد تدخل بمتعرجات مختلفة. الانتخابات القادمة في أول ديسمبر/ كانون الأول ستنتج مجلساً ضعيفاً ينقصه الاستقلال، وهذا يعني أن مجلس الأمة الحقيقي في الكويت سيكون الحراك السياسي الأوسع في المجتمع. في هذه المرحلة تترنح الكويت وتمسك أنفاسها في صراع على المستقبل وعلى شكل الدولة وطبيعة التمثيل السياسي.

لقد سبق للكويت عبر تاريخها أن اكتشفت طرقاً متعددة لتفادي التخندق ولاحترام الإرادة الشعبية، وهذا سيتطلب جهوداً لتطوير الحياة السياسية نحو مسار ديمقراطي جوهره الاعتراف بالمواطن بصفته الشريك الحقيقي، والشعب بصفته مصدر المستقبل، والتعايش بصفته منهجاً في مواجهة الاختلاف.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 3716 - الخميس 08 نوفمبر 2012م الموافق 23 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:42 ص

      بالنسبة لنا اهل البحرين

      الاحداث والحراك السياسي للمعارضة في الكويت تكشف لنا بالنسبة للبحرين شيء واحد فقط يمكن ترجمته بكلمة واحدة لا غير .. "الان حصص الحق"

    • زائر 4 | 11:12 ص

      ازدواجية الازدواجية! ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

      حلال عليهم وحرام علينا,

    • زائر 3 | 1:51 ص

      حلال عليهم حرام علينا

      ما اغرب واعجب من اهل هذا الزمن في حين وقف الجميع صفا واحدا ضد مطالب شعب البحرين والتي هم يتمتعون بها ووصفوا هذا الشعب بألذع الالفاظ واذا بهم الآن يطالبون بسقف اعلى مما طالب به شعب البحرين

    • زائر 2 | 11:00 م

      للديمقراطيه الحقيقيه

      الحل هو ان تكون الكويت دائره واحده وصوت واحد لكل مواطن وبوجود القوائم الانتخابيه وما يطلق عليه بالنظام النسبي . فى ظل الترشيح للأفراد ضمن ألقائمه الانتخابيه

    • زائر 1 | 10:46 م

      كيف بمن يكفر بالديقراطية يكون داعية من اجلها

      عجيب أمر السلفيين و الاخوان هم من يكفرون بالديمقراطية ثم يتقدوا الصفوف في الكويت للمطالبة بها

اقرأ ايضاً