العدد 3727 - الإثنين 19 نوفمبر 2012م الموافق 05 محرم 1434هـ

إضاءات تاريخية لفهم كربلاء

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

الفرق كبير وشاسع بين قراءة التاريخ وأخذه من الشياع العام والمتعارف، وبين قراءة التاريخ ووعيه من معاصر عاش وساهم واشترك في أحداثه وصنع جزءًا منها، مهما اختلفنا في مقدار صناعته ومشاركته في تلك الأحداث.

أهمية كتب المذكرات للكثير من القادة والزعماء والعسكريين والقريبين من صنع أو صنّاع القرار، تكمن في أنها قريبة من الحقيقة، وذات مصداقية أوفر، وتركز على المعلومة أكثر من مجرد التحليل.

يمكن التعامل مع النصوص والوثائق التاريخية بالنفس ذاته الذي نثق به في غالبية المذكرات، بل ربما يكون الميل إلى التعامل الجاد مع الوثائق التاريخية متفوقاً على المذكرات المجردة.

في واقعة كربلاء يمكن الاستعانة وبوثاقة شديدة، بالعديد من النصوص الواردة عن زينب بنت علي (ع) لمعرفة القراءة السليمة لما جرى على تلك الأرض العام 61 للهجرة.

هذه القراءة ستساهم بلا ريب في معرفة شخصية هذه المرأة في صورتها الحقيقية بعيداً عن الصور التي حوّلتها إلى صورة امرأةِ مكسورةٍ وحائرةٍ وذليلة. «فكد كيدك واسعَ سعيك وناصب جهدك، فوالله لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا»، هذا نص لخطبة من خطبها يدل على أن قراءتها للمعركة لا تتلخص في أرض كربلاء، بل تراها معركة ساحتها التاريخ والمستقبل، معركة بين قيم ومبادئ وركائز إنسانية ودينية، وبين محاولات الاستبداد وتغيّر المفاهيم وتشويه إنسانية الانسان وكرامته.

المعركة مستمرة في فكر زينب (ع) ولم تنتهِ بتلك الساعات القليلة التي مرت، لأنها معركة أكبر من الحدود التي حاول الكثيرون محاصرتها فيها، وإيقاف تداعياتها عندها.

• جميع الخطب التي خطبتها زينب تدل على أن الفعل الاعلامي كان قد أعد وجهّز لما بعد الحادثة كي يدخل سلاحاً مؤثراً في الحسم المستقبلي للمعركة، إذ إن الكثير من الأفعال والممارسات قد تفسر بطريقة ترتد على أصحابها بشكل سلبي، وبقراءات توحي بخطأ أصحابها والمشتركين فيها، وقد يحولون إذا ما فقدوا القدرة على التعاطي الإعلامي الفاعل إلى مجرمين وخارجين عن السياق والقانون والدين.

حين سئلت زينب: «كيف رَأَيْتِ صُنعَ اللهِ بأَخيكِ وأَهلِ بيتِكِ؟

قالَتْ: ما رأَيْتُ إِلا جميلاً، هَؤُلاءِ قَوْمٌ كتبَ اللهُ علَيهِمُ الْقتلَ فبرزُوا إِلَى مضاجِعِهِمْ».

في هذا النص تصوير شجاع لرباطة الجأش والتجلد في الحوادث والمصائب التي تحل على الإنسان وهو يتحرك باتجاه كرامته ومبادئه.

الانكسار ممنوع، وإظهار الضعف ممنوع، وإشعار الآخر بأي نصر لأنه بطش هو ضياع للقضية وإماتة لها، والبديل عن ذلك، فلسفة كل المصائب لتتحول إلى وقود وشحن جديد يدفع باتجاه الحسم وإن طال الأمد وامتدت الأيام.

• واقعة كربلاء تُظلم إذا قُرئت من زاوية المأساة والمصيبة، لأن هذا سيحقق الانكسار الذي لم تسمح به زينب، ولم يسمح به أحدٌ ممن كان في ركب الحسين (ع)، وعلى رأسهم ابنه علي زين العابدين (ع)، والذي نحتاج إلى قراءة الكثير من خطبه وكلماته بعد معركة كربلاء.

إن قراءة كربلاء من زاويتها الحزينة فقط سيفوِّت علينا الكثير من معانيها وقيمها.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 3727 - الإثنين 19 نوفمبر 2012م الموافق 05 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 7:49 ص

      ذكرى الحسين بين العاطفة والعقل

      تعليقاتكم نابعة من الثقافة السمعية وما يتردد على آذانكم بفعل الملقن الذي يعمل جاهدا لتلقينكم تاريخ لا يستند الى وثيقة مكتوبة للمروي عنه ولا حتى يقبله عقل ، هذا ما تفعله العاطفة التي تم غرسها في نفوسكم منذ أن كنتم أطفال ، نعم الحسين واجه حكم وسلطان وغطرسة يزيد لكن ليست بالصورة المبالغ فيها كما نسمعها من خطاب المنابر من تهويل وتضخيم الحدث ، نحتاج الى القليل من الموضوعية من أجل الوقوف على الحقيقة ، الحقيقة التي تقول بأن الحسين اراد التراجع والعودة الى المدينة لكنه فات الاوان...

    • زائر 7 | 4:07 ص

      حسينيون للابد

      نعم ان معركة الحسين تحتاج الى الكثير من القراءة في التاريخ لنفهمها

    • زائر 6 | 4:04 ص

      الحسين عليه السلام مدرسه الحياة

      كربلاء هي امتداد لرساله محمد صلى الله عليه و آله و امتداد لعلي ابن ابي طالب و هو امتداد للحفاظ على الدين و بدم الحسين و بتضحية الحسين بقى الدين الى يومنا هذا فسلام الله على الحسين روحي فداه و على علي ابن الحسين و على اولاد الحسين و على اصحاب الحسين عليهم السلام

    • زائر 5 | 2:03 ص

      تعلمنا.

      تعلمنا من كربلاء الأخوة (العباس(ع) )، تعلمنا من كربلاء الصحابة( حبيب وزهير وبرير) ، تعلمنا من كربلاء الابن( علي الأكبر-القاسم -عثمان --الخ) تعلنا من كربلاء الطفل ( عبد الله الرضيع ) ، المرأة الفاضلة ( زينب (ع) -رملة -ليلي -أم كلثوم --الخ) ، تعلمنا من كربلاء اليقظة وعدم الانزلاق الى الهاوية( الحر بن يزيد الرياحي) ،تعلمنا بأن الظلم ساعة والحق الى قيام الساعة .وووووو وتعلمنا الكثير ، فكربلاء مدرسة .

    • زائر 4 | 1:48 ص

      الحق الى قيام الساعة.

      كربلاء هي أم الثورات ، فكل الثورات الاسلامية والغير اسلامية جاءت لتغير على الظلم والاستبداد والقهر الذي مارسه الحكام على مر العصور والأزمان ، فثورة كربلاء واضحة لدى القاصي والداني ، لقد سطرت كربلاء ملحمة تاريخية لم تسطرها كثير أو معظم الثورات من بقاءها والاقتباس من أفعالها وأقوالها وحكمها وأشعارها ، وان دل ذلك انما يدل على الحق ، فالظلم ساعة والحق الى قيام الساعة .

    • زائر 2 | 1:11 ص

      إننا للموت عشاق الحسين ع

      السلام عليك يا أبا عبدالله الحسين
      السلام عليكِ يا سيدتي يازينب .. فعلاً أنتِ عاصمة للصبر والصمود
      ثبتنا الله على خطاكم أهل البيت في نصرة دين محمدٍ ص

    • زائر 1 | 11:47 م

      كيف اقرأ وأفهم التاريخ

      نعم ينبغي أن اقرأ التاريخ من مصادره ومن الذي عاصر المرحلة لكن بالاعتماد على المستندات والوثائق المادية لا على ما قاله الراوي ، للأسف تاريخنا يفتقد الى هذه الخاصية الوثائقية ودائما يركن الى ما قاله الراوي وهذا ما يفسر الاختلافات العميقة والحادة بين شيّعه ، الامم التي سبقتنا والحضارات التي عاشت قبلنا بآلاف السنين لا يختلف اثنان على صحتها بسبب الشواهد المادية التي تستقيم عليها فهذه البتراء وحضارة الانباط ساطعة لكل كفيف قبل من هو بصير وحضارة الفراعنة بأهراماتها والبابليون والآشوريون فأين تاريخنا نحن

اقرأ ايضاً