العدد 3751 - الخميس 13 ديسمبر 2012م الموافق 29 محرم 1434هـ

الأزمة في مصر

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

أنهينا حديثنا السابق، بالتساؤل عن أسباب رفض المعارضة المصرية للإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي، على رغم أنه برره، بالسعي لتحقيق أهداف الثورة، وهدم بنية النظام السابق، وحماية مصر وشعبها، والتأسيس لشرعية جديدة تاجها دستور يرسي ركائز الحكم الرشيد الذي ينهض على مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية، وإعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم القتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين وجرائم الإرهاب التي ارتكبت ضد الثوار وفقاً لقانون حماية الثورة.

ويرى الرئيس أن المحكمة الدستورية العليا التي اعترضت على عزله للنائب العام، وذلك حق تمتلكه بموجب استقلالية القضاء في مصر، يمكن أن تقف سداً مانعاً دون اتخاذه قرارات أخرى. ويكرر في مناسبات عدة، أن المحكمة ذاتها هي من نتاج عهد الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، الذي قامت الثورة بهدف تنحيته، وتغيير إرثه. وفي هذا السياق، يؤكد أنصار الرئيس، أن أية ثورة، ينبغي أن تمر بمرحلة استثنائية، تتخلص فيها من تركة الماضي. وأن العهد السابق، لا يمثله الرئيس وحده، وعملية تنحي الرئيس مبارك عن الحكم هي خطوة أولى على طريق طويل، يقتضي تغيير بنية النظام القديم بالكامل. ويتهم هؤلاء من يعترضون على خطوات الرئيس بالانتماء للنظام القديم ويوصفونهم بالفلول.

تعترض المعارضة على البيان الدستوري القديم، وكما طرحه بصيغته الجديدة، وتطرح جملة من الأسباب لتبرير اعتراضها عليه. فالرئيس دشن بموجب إعلانه هذا، من خلاله تحصينه لقراراته، لعودة الدكتاتورية والاستئثار بالسلطة.

بل ويذهب المعارضون إلى مدى أبعد من ذلك، فيشيرون إلى أن هدف الإعلان هو تهميش استقلال القضاء، وإعادة هيكلته، بما يتسق مع أخونة المجتمع المصري.

إن الإعلان الدستوري، الذي أصدره الرئيس، من وجهة نظر قانونيين مصريين كبار، يرقى إلى التفرد بإصدار دستور مؤقت. وليس منطقياً التعلل بالقول، إن الثورة لم تستكمل مهماتها بعد. فالرئيس مرسي، لا يستمد موقعه الرئاسي من مشروعية ثورية، بل من خلال صناديق الاقتراع. وقد أدى اليمين الدستوري، إثر فوزه، أمام محكمة دستورية، وعمل لاحقاً على التخلص من شخوصها.

يرفض المعارضون أيضاً، تعلل الرئيس مرسي، بأن المجلس العسكري الأعلى، قد أصدر عدة إعلانات دستورية، من دون أن يواجه معارضة تذكر من القوى السياسية المصرية. فيذكرون الرئيس أن المجلس الأعلى هو هيئة عسكرية وليس فرداً. وأنه تسلم السلطة في ظروف استثنائية، وأن تسلم المجلس العسكري الأعلى للسلطة، جاء تلبية لمطالب الثوار الذين تجمعوا في الميادين بمختلف المدن المصرية، وأن وصوله إلى السلطة، قد استند إلى شرعية الثورة. والحال هذه تنطبق أيضاً، على ما يردده الإخوان من أن محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر، كان يصدر إعلانات دستورية، حيث يرد المعارضون على ذلك، بأن الرئيس محمد نجيب، لم يكن يصدر الإعلانات الدستورية، بصفته الفردية بل بصفته رئيساً لمجلس قيادة الثورة، الذي أطاح النظام القديم، واستمد مشروعيته من ذلك.

خلال هذا الأسبوع، عاودت التظاهرات المليونية حضورها بشكل متقابل. فمقابل أية تظاهرة مليونية تنطلق في ميدان التحرير، هناك تظاهرة مليونية أخرى للإخوان، أمام ميدان جامعة القاهرة، أو قصر الاتحادية. وحالة الاستقطاب بلغت حداً، يصعب التنبؤ بنتائجه، حيث لا يستبعد كثير من المراقبين، أن تنزلق البلاد إلى حافة الحرب الأهلية.

ويلاحظ أن القوى الشبابية التي فجرت ثورة 25 يناير 2011 كمجموعة خالد سعيد وحركة 6 أبريل، أكدت مجدداً حضورها في ميدان التحرير، بقلب القاهرة، والميادين الأخرى، وأنها هي الأكثر تشدداً في مطالبها، حيث لم تعد تكتفي بمطالبة الرئيس بالتراجع عن إعلانه الدستوري، بل أصبح مطلبها مجدداً، هو إسقاط النظام، ورحيل الرئيس عن السلطة.

أما الرئيس مرسي، فيبدو أنه ماضٍ في تنفيذ قراراته، من دون إصغاء لصوت المعارضة. فإثر انتهاء اللجنة التأسيسية من التصويت على مسودة الدستور المصري المقترح، بشكل لافت في سرعة إنجازه، وتسليمه لرئيس الجمهورية، أعلن الأخير أنه سيجرى اقتراع شعبي على الدستور بعد خمسة عشر يوماً من تسلمه.

لقد ضاعف الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس، من حالة الانقسام.

فالحركات السياسية، منقسمة بشكل حاد، بين موالاة ومعارضة. ويمكن القول، بشكل أدق إن حركات الإسلام السياسي، تقف في جبهة واحدة فيما يتعلق بالدستور المقترح، وبالخطوات السابقة، التي أقدم على اتخاذها رئيس الجمهورية.

وتستثمر حركة الإخوان المسلمين، التي هي بالأساس حركة دعوية، انتماءها الديني، كذريعة للتشكيك في التزام خصومها بالإسلام. فالإخوان المسلمون، هم الدعاة إلى الله وإلى دين محمد، ومن يعترض عليهم إنما يعتدي على الشرع. وبهذا يقسم المجتمع إلى فسطاطين: فسطاط المؤمنين، وهم المؤيدون لسياسات الرئيس مرسي، وفسطاط المشكك في إيمانهم، والمكفرون أحياناً، وهم المعارضون لسياساته.

أما المعارضون لسياسات الرئيس مرسي، فيطرحون، أن ما أقدم عليه الرئيس مرسي، منذ وصوله إلى السلطة هو أخونة المجتمع المصري، وأنه لم يتصرف كرئيس لكل المصريين، بل كقائد في حركة الإخوان المسلمين. ويدللون على ذلك، بتغييره لبنية الصحافة والإعلام، وتقنينه للحرية الفردية، والتعرض بالتشهير لنجوم الفن، وإجراء تغييرات جذرية، في البنية البيروقراطية، لمصلحة تسليم أعضاء حركة الإخوان مهمات قيادة المجتمع والدولة في معظم المحافظات المصرية. إن الثورة، قامت بالأساس، للقضاء على التفرد بالسلطة، وإنهاء الحكم الشمولي، وتحقيق الديمقراطية، وإن خطوات الرئيس تنسف مبررات الثورة من أساسها. ويتهمون الرئيس، بمعاداة الديمقراطية التي تمثل الحرية واستقلال القضاء والفصل بين السلطات أركانها الرئيسية.

ويرفض المعارضون لسياسات الرئيس، إجراء الاقتراع على مسودة الدستور الجديد، لأن من صاغه، من وجهة نظرهم، هو تكتل الإسلام السياسي، ولم تضم اللجنة التأسيسية لصياغته ممثلين عن الحراك المدني في المجتمع المصري.

وهو على هذا الأساس، ممثل لفكرهم في روحه ونصوصه. ويتوقعون أن الاقتراع عليه سيتم بـ «نعم»، بسبب إحكام الإخوان المسلمين قبضتهم، على مختلف مفاصل الدولة، وعمق حضورهم في مختلف المحافظات، نتيجة للتغييرات الهيكلية التي أجراها الرئيس مرسي. ويذكرون بالنتائج التي تعود المصريون على استقبالها، عند أي انتخابات أو اقتراع على تعديلات دستورية في ظل النظام السابق، والتي كانت تتجاوز الـ 99 في المئة.

لقد بلغت الانقسامات والاصطفافات السياسية في المجتمع المصري، مستوى غير مسبوق، ففي الأسبوع الأخير، حدثت مواجهات عنيفة بين الموالاة والمعارضة استخدم فيها السلاح، وجرح فيها المئات، وعدد من القتلى مرشحة لمصادمات ومواجهات أكبر، حيث لا يبدو في الأفق، ما يشي باقتراب التوصل إلى حل للأزمة.

لقد أجبرت هذه التطورات الرئيس مرسي على مخاطبة الشعب المصري، لكنه لم يقدم ما يستحق الذكر في خطابه المذكور. فكل ما جاء فيه هو دعوة للحوار، من دون تراجع عن بيانه الدستوري، وهو ما لم تقبل به جبهة الإنقاذ، التي أعلنت أنها ستواصل نضالها حتى إسقاط الإعلان الدستوري، وحل الجمعية التأسيسية، واعتماد صيغة أخرى لصياغة الدستور، تحقّق توافق المجتمع المصري بأكمله، وتعبر بشكل حقيقي عن طبيعة التحول الديمقراطي المنشود.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3751 - الخميس 13 ديسمبر 2012م الموافق 29 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً