العدد 3765 - الخميس 27 ديسمبر 2012م الموافق 13 صفر 1434هـ

إلى سيادة الرئيس مرسي... دقت ساعة الاختيار والعمل الحقيقي

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

بعد أن هدأ الغبار المرتبط بالإعلان الدستوري والدستور والاستفتاء وكسب الرئيس محمد مرسي وحزبه الجولة، سوف تبدأ مرحلة جديدة تبدو ملامحها في تعزيز الانتصار بالتخلص من الخصوم في المحكمة الدستورية، وفي الصحافة والإعلام، والهيئات القانونية، وإصدار تشريعات جديدة من مجلس الشورى الذي تسيطر عليه اتجاهات الإسلام السياسي.

وأعتقد كباحث ومراقب ومواطن مصري، انه من الضروري أن تحمل المرحلة الجديدة رؤية جديدة، وهي أن يختار الرئيس مرسي بين نماذج للقيادات السياسية في العالم ونسوق بعضها.

نموذج مانديلا

الأول هو نموذج مانديلا في جنوب إفريقيا، الذي قضى 27 عاماً في سجن النظام العنصري لجنوب إفريقيا، وعندما تم الإفراج عنه ونجح حزبه في الوصول للسلطة وانهار النظام العنصري، أظهر ثلاث سمات:

الأولى: التسامح والعفو عن خصومه بل عن أعدائه وكانت مبادرة الوفاق والمصالحة التاريخية، الثانية: التركيز على حقوق الشعب الجنوب إفريقي ذي الأغلبية السوداء، وأن يحصل على تلك الحقوق تباعاً بالتدريج، والمحافظة على الأقلية البيضاء التي سبق أن انتهكت حقوق الأغلبية. والثالثة: تقديم النموذج القيادي بالبقاء في السلطة أربع سنوات ثم التخلي عنها، وترك الأمور للحزب الذي ينتمي إليه والذي قاده إلى النصر وتحرير البلاد، ومن ثم سمح بتداول السلطة وليس احتكارها حتى الممات، على غرار النموذج السائد في كثير من الدول العربية والإفريقية ذات النظم الجمهورية والسعي لتوريثها لأبنائه أو أبناء عشيرته وقبيلته.

إن نموذج مانديلا هو أقرب إلى نماذج القديسين الأطهار، وهو أقرب لنموذج غاندي في الهند مع بعض الاختلاف في التفاصيل.

نموذج نهرو

النموذج الثاني هو نموذج جواهر لال نهرو، وهو نموذج الحاكم الفيلسوف المؤمن بالحرية الاقتصادية والديمقراطية السياسية، ولذلك نجح نهرو في جمع المسلمين الهنود، مع الهندوس والسيخ والبوذيين وغيرهم، وأصبح حزبه نموذجاً للتعايش الديني والعرقي، وفي الوقت نفسه نموذجاً للديمقراطية السياسية وتحقيق التنمية الاقتصادية. بل دعا نهرو إلى الحياد الايجابي وعدم الانحياز، وللتعايش السلمي مع الدول المجاورة مثل الصين، وأكّد ديمقراطيته من خلال ثلاث آليات، الأولى: احترام قواعد اللعبة والدستور الاتحادي دون تغييرها، والعلاقة بين الولايات أو الأقاليم الهندية، ولم يتلاعب في الإدارة ولم يتدخل فيها، بل فاز حزب شيوعي في كيرالا عبر صناديق الانتخابات ثم في البنغال الغربية أيضاً، بينما الحكومة المركزية تنتمي لحزب الكونغرس الذي هو حزب نهرو ولم يفصل لهم قوانين خاصة للإطاحة بهم، أو الانتقام منهم، ولم يزوّر الانتخابات أو نحو ذلك، بل احترم إرادة الشعب الحقيقية دون إرهاب أو خداع.

الثانية: احترام إرادة الناخب بمصداقية عبر ترك العملية الانتخابية تديرها لجنة مستقلة رفيعة المستوى من قضاة مستقلين وشخصيات عامة ذات استقلال ومصداقية وطنية، لا سيطرة ولا دور للإدارة المركزية في قراراتها، وهي التي تقرّر من له الحق بالتصويت، ومن له الترشيح، ومتى يتم عقد الانتخابات أو تأجيلها، دون تدخل من السلطة المركزية بقيادة نهرو، وهو ما أوجد خلافاً جوهرياً بين الوضع في الهند والأوضاع في دولة مجاورة لها بسبب التشدد الديني، ما أدى إلى إضعاف الدولة ونظامها السياسي والديمقراطي، وأدى ذلك لتدخل القوات المسلحة في النظام السياسي في الدول المجاورة فضاعت الديمقراطية. وسيطر العسكريون على السلطة بوسائل عديدة وساد الفكر المتطرف والاغتيال للمخالفين في المذهب أو الدين.

الثالثة: احترام أدوار المؤسسات الرئيسية في المجتمع، وهي القضاء المستقل بناءً على مبدأ الفصل بين السلطات والقوات المسلحة والإعلام، وعدم السعي لفرض عناصر معينة في تلك الأجهزة أو في السلك الدبلوماسي، والتركيز على مبدأ الاحتراف المهني، ولهذا تألقت الهند وتحوّلت من دولةٍ متخلفةٍ إلى دولة متقدمة تكنولوجياً وأكبر ديمقراطية في العالم.

نموذج أردوغان

النموذج الثالث هو رجب طيب أردوغان، وهو النموذج الإسلامي المعتدل العقلاني الذي يعيش العصر ويحترم قضاياه ويسعى للاندماج في أوروبا، كقوة صاعدة، ويعدل قوانين الدولة لتعزيز الحريات وحقوق الإنسان لتكون على مستوى المعايير الأوروبية، واحترام المرأة، واحترام الأقليات، وتحويل السياسة الخارجية لما أسماه داوود أوغلو (وزير خارجيته المثقف والعالم صاحب الرؤية) إلى سياسة خارجية بلا مشاكل مع أيٍّ من دول الجوار، ومواجهة الفساد والرشوة وتحقيق معدل تنمية مرتفع، جعل تركيا ضمن الدول العشرين اقتصادياً في العالم. هذا النموذج التركي تحقّق في خمس سنوات فقط من حكم أردوغان قبل أن تظهر مشاكل سورية والأكراد، وبعد ذلك تم تعديل قوانين عديدة، بما في ذلك تعديل الدستور بالإرادة الحرة للشعب والاقتناع التام منه بإنجازات حزب العدالة والتنمية، بما يجعل السيادة للسلطة المدنية المنتخبة على القوات المسلحة ويضمن حيادها وحرفيتها، ولم يسع للسيطرة عليها، أو التغلغل في صفوفها، أو في صفوف الشرطة أو القضاء.

لقد عمل أردوغان وحزبه الإسلامي المعتدل على تقديم نموذج سياسي حضاري، وحقّق التنمية والحريات، قبل أن يسعى لتعديل وضع القوات المسلحة، ولكنه في الوقت نفسه لم يغيّر من التوجه الرئيسي للدولة كنظام علماني وضع أسسه أبو تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. ليس باعتبار النظام العلماني نظاماً كافراً أو ضد الدين، وإنما بالصورة الصحيحة للعلمانية وهي أنها نظام سياسي محايد بالنسبة للدين، ومنع تدخله في السياسة أو تدخل السياسة في الدين، ومن ثم منع استخدام الشعارات الدينية لخداع الشعب وتشويه صورة الخصوم، وأن يكون التنافس السياسي على أساس برامج سياسية وليس أفكار دينية لها قدسيتها وينبغي الحفاظ على هذه القدسية.

نموذج دنج سياو بنج

النموذج الرابع هو نموذج دنج سياو بنج في الصين الذي أطلق العام 1978 مبادرة الإصلاح والانفتاح لتوحيد صفوف الشعب الصيني بعد أن مزقته الثورة الثقافية في أواخر عهد ماوتسي تونج، ونظر للعالم على أنه فرصةٌ للعمل والتنمية، وليس للصراع والعداء. واعتمد سياسة الإنتاج لرفع مستوى المعيشة وإصلاح التعليم والثقافة ومحاربة الفساد ورفع مستوى المعيشة. واستطاع هذا النموذج في غضون عشر سنوات أن يرفع الصين إلى مصاف الدول الغنية، وأن تتحوّل في غضون عشرين عاماً إلى القوة الثانية اقتصادياً على مستوى العالم، وسعى لإنهاء حالة استحواذ الحزب الشيوعي الصيني على مقاليد الدولة وفرضه الرأي الواحد، أيّ الحد من سيطرة حزب شيوعي شمولي ذي تاريخ نضالي ضد الأعداء الذين احتلوا الصين وضد الإقطاع الذي سيطر على البلاد وأضعفها، والاتجاه للتعددية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وصولاً للتعددية السياسية في مرحلة لاحقة.

النموذج التقليدي

النموذج الخامس هو النموذج التقليدي في الدول العربية والافريقية، وهو النموذج القائم على إقصاء الآخر، والانتقام منه، وزيادة الفساد واستغلال السلطة وتحويل الشعب إلى كتلة بشرية، تدور حول نفسها عبر المعاناة الاقتصادية، والضرائب بدلاً من إطلاق صناعات وإنتاج وخدمات.

والتساؤل الآن... أيٌّ من هذه النماذج الأربعة سوف يتبنى الرئيس مرسي؟

إنني أتوقع أن الإجابة التقليدية على هذا السؤال، تقول إن مصر لها خصوصيتها، وإنها ليست الهند أو تركيا أو جنوب افريقيا، وأعتقد بأن مثل هذه الإجابات التقليدية لها جانب من المصداقية لأن لكل دولة خصائصها، ولكنها أيضاً تنطوي على جانبٍ من السلبية في عدم الاستفادة من تجارب الآخرين، كما تنطوي على قدرٍ من الغرور التقليدي لقيادات عديدة في الدول النامية.

أتمنى أن ينظر الرئيس مرسي في النماذج الأربعة الأولى، ويتوصل إلى خلطة مناسبة لتحقيق التقدم والوئام والتنمية والديمقراطية الحقّة للشعب المصري.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3765 - الخميس 27 ديسمبر 2012م الموافق 13 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:20 ص

      النموذج التقليدي

      أتمني للشعب المصري النموذج الاول والثاني والثالث وان يحفظ مصر وشعبها من كل سوء وشكرا مقال رائع اتمني ان يصل الي قيادة مصر وتونس وليبيا والجزائر

    • زائر 1 | 11:11 م

      ياليت

      ليتك قلت بهذه النصائح لحسني مبارك

اقرأ ايضاً