العدد 3813 - الأربعاء 13 فبراير 2013م الموافق 02 ربيع الثاني 1434هـ

الميثاق... عيد الحب... وإرادة أمة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

مناسبات ثلاث تتقاطع في الأثر هذا اليوم: ذكرى الميثاق الوطني الذي التف حوله الناس ولم يجدوا ما يدل عليه بعد عام إلاَّ قليلاً على الأرض. الدول التي تحتاج إلى مواثيق بين أبنائها تعاني من مشكلة ومشكلة كبيرة جداً. في عيد الحب العالمي الإنساني، لم يحتج هذا البلد إلى ذكرى عالمية كي يتجانس ويحب ويختلط مع بعضه بعضاً. كأن الحب أصبح أثراً بعد عين حين طغى التحريض والتأليب و «التكْريه» والإكراه، وبعض آخر لم يحتج إلى إكراه كي يسفر عن مخزون حقد ظل يؤجله إلى اللحظات التي يراها مناسبة وكان واثقاً من أنها لن تتأخر كثيراً. الحب بين أطياف ولقرون عدِّة لم يعد قائماً بفعل مكنة الكراهية التي تم تشحيمها بالمال والإغراءات والعطايا والنفوذ وحتى أداء التحية العسكرية في منافذ الوشاية وتسليم التقارير. لا أمة في الأرض اليوم مهما ورثت الجنون والأمراض العقلية والعصبية تريد أن تتفرغ للانتحار والأذى. لا أمة اليوم على وجه الأرض تفتعل قلاقل وتخرج إلى الشوارع بدافع الفراغ والمشاغبة. الحلقة المفقودة في القلق اليوم لا يريد أحد الالتفات إليها. المهم أن يكون التركيز على فعل الاحتجاج لا أسبابه ودوافعه ومؤدّاه.

بالعودة إلى الميثاق والمواثيق. تحتاجها الأمم لتنظيم مسارات في الحياة اعوجّت أو انحرفت؛ أو تم اختطاف خيارات الناس ذات شعور بالفرادة والواحدية. أحد أسباب فشل الإنسان في أن يكون منسجماً مع نفسه أولاً ومع العالم من حوله هو احتياجه إلى مواثيق بعد كل كارثة، وبعد كل آلام تظل مفتوحة إلى ما لا نهاية على التجريب والاختبار والقياس الذي لن يُعدم الفشل، لأنه انطلق من نية التسويف والتأجيل وترك الأمور معلقة إلى ما لا نهاية بحسب وهْم مستفحل ومقيم؛ أنه الأصل، وغيره دون الفرع، أنه المتْن وما عداه الهامش. الدول وحتى الأفراد لا تلجأ إلى المواثيق إلا لوقف غدر وختل وترصّد ونوايا مريضة من هنا وهناك. الأوضاع الطبيعية حيث الأمور مستتبة ومستقرة باستتباب الدفع بالحقوق لا يمكن أن تفرز هكذا إدمان واللجوء إليه يتوخّى كسباً للوقت.

وبالعودة إلى عيد الحب، هو الآخر نتاج واختراع لأفول وغياب الحب بين البشر اليوم. تحايل ليس سيئاً ولا يمكن مقارنته بتحايل استنسال المواثيق التي تطلع عليك من كل زاوية وركن كأنها الأجل وتقود إلى الأجل في كثير من الأحيان؛ غير أن تثبيته يوماً عالمياً ينبئ عن محاولة لاستدراك واحتواء قارات من الكراهية بين بني البشر اليوم. كراهية هي العنوان العريض في العلاقات الموتّرة والمتحفّظة والمشكّكة والمترصّدة. حتى على مستوى الأفراد اليوم، مثل ذلك اليوم العالمي محاولة لترميم ما يمكن ترميمه والمحافظة على ما استقر. كراهية فرد يمكن أن تكون كوباء سريع العدوى. الفرد ذاك يعيش في محيط بشري وليس في محمية طبيعية. كراهيته ستمتد وتتطاول في صور ومشاهد وأثر لا يمكن أن نقيم له أجهزة رصد تلاحق أنفاسه ونواياه. جهاز الرصد الفاعل ألاَّ نتيح في البيئات ما يدفع إلى الكراهية أو يغري عليها.

ذلك لن يحصل؛ لأن دولاً ومؤسسات متبوعة بأفراد ليس من مصلحتها أن تشيع مثل تلك الحالات من الاستقرار. أن تشيع حالات الحب بين الناس من دون أن يحتاجوا إلى يوم عالمي أو يوم وطني كي يذكّرهم بأعظم قيمة في الإنسان (الحب). أن يسود الحب ويترسَّخ ذلك يعني مصدّاً ودشماً يحول دون توغل ضباع وبهائم مسعورة، ويعني في الوقت نفسه أنها مكشوفة أمام ذلك الرسوخ.

وللحقوق عيدها الذي لا يعادله عيد في الدنيا. أن تنتفض أمة ومجموعات وأوطان دفاعاً عن كرامتها التي سحقت وتم تأجيل الانتفاض لتثبيتها لعقود، وأن تنتفض على حالات تسويف وأحياناً تهيّب من المبادرة أو المجازفة وفي تهويل يصنّفها بعضهم بالانتحار. يوم أن هبّت رياح الربيع العربي تناسلت المواثيق والرشا ومحاولات الإسكات. تواضع الجبابرة على مضض أمام الشاشات وفي المؤتمرات الصحافية التي تم نقلها إلى الكواكب الأخرى. حدث اعتراف بالتقطير عن «أخطاء» هكذا تمت تسميتها. الفظاعات وسحل البشر في الشوارع والموت ببطء في الأقبية وانتهاك الحقوق وحالات الاغتصاب وسرقة ثروات الأمة وتمكين الفاسدين في الأرض ووضعهم في الصدارة والوجاهة وفتح الأوطان لكل اللصوص العابرين للكواكب قبل القارات كل ذلك لا يعدو كونه أخطاء؛ كالأخطاء المطبعية في منشور رسمي!

الحقوق في الوضع الطبيعي والعادل لا تحتاج إلى أن تكون بقوّة تسع درجات على مقياس ريختر كي يتم سماعه. يكفي أنها حقوق يجب أن تبلغ مبلغها وتصل موضعها. مع عقود من استهبال واستخفاف شعوب يتم التعامل معها كالخراف، لم تجد غير أفق الله وميادينه المزدحمة بالناس ممن يرون أن الأمور كلها على ما يرام وخصوصاً أولئك الذين يلزمون أمكنتهم أمام الصرَّاف الآلي قبل أيام في انتظار فتات عنائهم عدا الذين عناؤهم المضاعف أنهم معطّلون عن القيمة والهدف والفعل.

بين الحاجة إلى ميثاق والحاجة إلى عيد أو يوم للحب وبين الحاجة وضرورة أن يخرج الناس إلى الشوارع والميادين للمطالبة بحقوقهم التي تم إلغاؤها بالممارسة على الأرض وإن طبّل وزمّر القانون آناء الليل وأطراف النهار بتلك الحقوق... بين كل ذلك أكثر من فاصلة تم وضعها. فاصلة تمييز وفاصلة تسويف وتأجيل وفاصلة إضاعة للوقت وفاصلة غش وتدليس على المستوى الفردي ومستوى الجماعات في علاقاتهم المضطربة.

لم يعد منتصف الطريق حلاً بين مواثيق تنقذ الذين تسببّوا في الكوارث والأزمات ويطلعون بها على الناس بحجم الوُرط، ولم يعد هنالك منتصف طريق حلاً لهذا الشياع المطمئن للكراهية وفي محاولة إنقاذ ساذجة يتم تعميم يوم وطني أو عالمي للحب. الحب الذي يحدد له يوم يعاني كراهية طوال 364 يوماً، كلها مهرجانات ضغائن وإحن وتحريض على تصفية؛ أو على أقل تقدير تهميش المختلف والمغاير.

ختاماً، بالعودة إلى الحقوق، من المفترض أن الميادين وُجدت للترفيه وراحة البال وسعة الصدر وضخ هواء في الرئتين غير محتبس ومستهلك. الأوضاع المنحرفة في التعاطي مع الإنسان جعلتها مكاناً آخر لاستلال الحقوق مادامت المطالبة بها جريمة تؤدي بصاحبها إلى غيابات جبّ من نوع آخر.

أيتها المواثيق التي هي مشروعات غدر. أيتها الأعياد اليتيمة في يوم يتيم في العام وبقيته رقص على المشاعر أو الجثث. أيتها الحقوق التي يسفهّها إعلام السلطة فلا تجدين غير الميادين صدراً رحباً ولو أدّى ذلك إلى أن تكوني في مرمى قنّاص في الجهة المواراة من الجُبْن: الحياة أكبر من ذلك والحقوق أكبر من ذلك بكثير.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3813 - الأربعاء 13 فبراير 2013م الموافق 02 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً