العدد 3822 - الجمعة 22 فبراير 2013م الموافق 11 ربيع الثاني 1434هـ

البحرين وحقوق الإنسان

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

الإنسان كائن كرّمه الله على سائر المخلوقات، وأي مجتمع يهين هذا الكائن مصيره الانزواء من الحضارة الإنسانية، والعيش في جحيم التخلف والظلام، لأن الإنسان قد يموت من أجل تأكيد ذاته والدفاع عن كرامته، والانتقام ممن يحاول تحقيره أو إذلاله أو العدوان على حقوقه.

وتكمن أهمية فكرة حقوق الإنسان لما لها من قدرة في إنهاء الأسباب الحقيقية للصراعات، وترويض الدوافع الأشد قوة والأكثر عمقاً والأدوم تأثيراً على سلوك الإنسان فيما يتعلق بكرامته، فالإنسان يسعى لكسب الاحترام، ويفر من العار، ولا يتحمل الإهانة، وقد يقدم على الموت دفاعاً عن كرامته أو سمعته أو انتقاماً ممن يتسبب في إذلاله.

لو تم تفكيك العقلية الفكرية لما يحدث في البحرين، فإن أكبر دوافع الاحتجاجات وتصاعدها إلى مستويات مقلقة، هو شعور فئة كبيرة، بأنهم كبشر بلا كرامة أو بلا حقوق، شعور يدفعهم بقوة لرفض ذلك بأشكال مختلفة من الاحتجاجات، ويندفع بعضهم حتى الموت لأنه لا يستطيع العيش وهو يعتقد أن كرامته مهدورة.

والأزمة في البحرين معقدة جداً، لأنها انتقلت من الحالة السياسية، إلى تعقيدات الطبيعة البشرية في قواعد الخير والشر، فأصبحت العدالة التي يريد تطبيقها الطرف الأول على الطرف الثاني، هي العدالة نفسها التي يريد تطبيقها الطرف الثاني على الطرف الأول، والأكثر خطورة أن كل طرف يرى أن تطبيق هذه العدالة على الطرق الآخر هي تأكيد لذاته، وإهانة لكرامته إذا طبقت عليه، وهذا ما يجعل الأطراف في صراع دائم، ما لم يحدث زلزال على مستوى حقوق الإنسان وكرامته.

توجد في البحرين قنوات لصيانة حقوق الإنسان، ربما تضاهي القنوات في أوروبا وأميركا في الشكل، لكن هذه القنوات غير فاعلة مثل الديكور أو صالون التجميل لإظهار الوجوه بشكل جميل، وسرعان ما ينكشف خواؤها عندما يتقدم إنسان بشكوى، وتظهر بمظهر العاجز عن حفظ كرامته.

القول إن هذه القنوات لا تملك صلاحيات، فهذا ليس كل الحقيقة، فهي قد تمتلك ما يؤهلها لصيانة حقوق الإنسان وكرامته، ولكن المشكلة في أن العقلية التي تدير هذه القنوات تفكر خارج العصر، متقوقعةً في حصون التخلف.

كنت أنظر لهذه القنوات نظرة مختلفة عن نظرة أفراد المجتمع الذي أعيش فيه، فكنت أريد أن أكون مثالاً لحث الناس على الذهاب إلى هذه القنوات بدلاً من الوسائل التي يعملون بها، فقدمت شكوى لإحدى هذه القنوات، وقلت: إذا تم حلها، فسيكون موقفي قوياً عندما أحدث الناس، وأقول لهم: «اذهبوا إلى تلك الجهة وسيكون لكم حل، فأنا ذهبت وحصلت على حل».

لكن للأسف قدمت أكثر من 100 شكوى مكتوبة، بالإضافة إلى شكاوى شفهية لا أعلم عددها، ناهيك عن المراجعات اليومية التي تصل إلى 300 مراجعة، ولم يحدث شيء، بل زادت الأوضاع سوءاً. وبدل أن أصبح مثالاً جيداً لحث الناس على الذهاب لهذه القنوات، أصبحت مثالاً سيئاً، يعمق القناعات السلبية لدى الناس تجاه هذه القنوات.

وأبرز مثال على عدم قيام هذه القنوات بدورها، هو عدم السماح بإدخال ملابس لمتهم، لمدة خمسة أسابيع متتالية طوال فترة طقس بارد جداً، على رغم تقديم أكثر من 20 شكوى مكتوبة لجهات رفيعة المستوى، حتى أن المشتكي كتب في الرسائل نصاً صريحاً بأنه تعذيب بالبرودة، وانتهت الأيام الباردة ولم يتم إدخال الملابس الشتوية.

وأبرز مثال على تدهور قيمة الإنسان، هو التشهير بمتهمين بالاسم والصورة في وسائل الإعلام قبل أن ينتهي التحقيق من جمع الأدلة التي تربطهم بما اتهموا به، بمرأى ومسمع جميع السلطات، من دون استنكار على رغم مخالفتها الصريحة للدستور، وهذا حدث ويحدث مراراً وتكرراً.

المشكلة ليست في الأفراد فحسب، وإنما في العقلية التي تفكر خارج العصر، فلو تغيّر المسئولون وجاء غيرهم، سيفعلون ما فعله السابقون، ولا مخرج من النفق المظلم إلا بترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وكرامته وتغيير الفكر وليس فقط الأفراد.

لن يكون هناك حل دائم في البحرين، ما لم تترسخ ثقافة حقوق الإنسان وحفظ كرامته ويتساوى الجميع أمام القانون. أما القبضة الأمنية فلن تؤدي إلا إلى المزيد من الاضطرابات السياسية والأمنية، لأن الإنسان بطبيعته يندفع لما يؤمن به، فإذا اعتقد أن القبضة الأمنية هي لتركيعه وإذلاله، فإنه سيستنفر كل قواه للمواجهة، بغض النظر إن كان هذا الاعتقاد صحيحاً أو خاطئاً.

فإذا تمت صيانة حقوق الإنسان وكرامته، فلن يكون له سبب يدفعه للصراع، وسيكون مشغولاً بتأكيد ذاته من خلال استثمار مواهبه، واكتساب الاحترام عبر خدمة المجتمع. وعندما تترسخ ثقافة حقوق الإنسان وكرامته سنجد أنفسنا أمام تحشيد هائل للطاقات نحو التنمية الشاملة والرفاهية والعيش في كنف الحضارة الإنسانية.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3822 - الجمعة 22 فبراير 2013م الموافق 11 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:30 ص

      مثلث موسلي

      لمن لم يعلم عن موسلي،فهو عالم نفسي قسم متطلبات البشر في حياتهم إلى طبقات. في قاعدة الهرم (أساسه ) هي متطلبات البشر في الحياة بكرامه،وهذه الطبقة هي أدنى طبقه يتوقعها المواطن لمنع الظلم عنه. في الطبقات العليا من هذا الهرم ( المثلث )، هناك المأكل والمشرب وبعدها أمور الرفاهية مثل المنزل والعائلة والعمل وغيرها. فإذا تم سحق كل الطبقات العليا،فان ما تبقى له هي الطبقة السفلى،التي لن يحيد عن الحصول عليها مهما فعلوا....فافهموا يا أولى الألباب

    • زائر 3 | 1:43 ص

      لم نسمع إدانة ولم نرى زيارة رسميين لأهالي مصابي بوري

      أصيب مواطنين اثنين من بوري وهم بحرينيين أبا عن جد حتى عبد قيس تعرضا لاعتداء إرهابي أثيم لم نسمع بيانات إدانة من رسميين و المشايخ القلقين دائما من أعمال العنف و الارهاب ولم نرى مسئولين كبار على باب بيت اهل المصابين معزين و معبرين عن تضامنهم او تعاطفهم مع المصابين

    • زائر 2 | 12:31 ص

      ماذا نفهم من صمت وزارة العدل عن وصف النائب الخطيب المعارضين الشيعة بأبناء بكلاب والخنازير

      مسلسل وقاحته لا تنتهي تجاه مواطنين لهم كامل الحقوق الإنسانية و الوطنية وآخرها ما سمعته بأذني يوم امس حين وصف جمهور المعارضة الشيعة بأبناء الكلاب و الخنازير و تجاسره لإحساسه بالأمان و الحماية السؤال لوزير العدل الا يعني سكوتك على التطاول على. الشيعة أبناء الوطن الأصلاء هو إقرار به

    • زائر 1 | 12:10 ص

      الشاطر يتعلم من أخطائه @@@ لذا نقولها ونكررها

      لن يكون هناك حل دائم في البحرين، ما لم تترسخ ثقافة حقوق الإنسان وحفظ كرامته ويتساوى الجميع أمام القانون. أما القبضة الأمنية فلن تؤدي إلا إلى المزيد من الاضطرابات السياسية والأمنية،

اقرأ ايضاً