العدد 3846 - الإثنين 18 مارس 2013م الموافق 06 جمادى الأولى 1434هـ

مئة عام من الحوار

مريم أبو إدريس comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

على غرار الرواية العالمية لجابرييل جارسيا ماركيز «مئة عامٍ من العزلة»، يبدو أن البحرينيين سيواجهون مئة عامٍ من الحوار الذي يبدو أنه لن يتمخض عن شيءٍ ذي قيمة! وفي حين عبّرت الرواية عن تطور ثقافي وتجربة إنسانية فريدة لمجموعة فُرضت عليها عزلة جغرافية لأسباب معينة، إلا أن التورط في حوارٍ لفترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ حول أمر معين لا يُعد تطوراً ثقافياً ولا إنسانياً لغياب ثقافة الاتفاق، وحلول المناكفة بديلاً لها.

والمتكئ على عذر الاختلاف المذهبي لتبرير انعدام التوافق والريبة بين الطرفين، لا يسعنا إلا أن نلقي له الهند مثالاً، فقد تمكنت بعد استقلالها عن بريطانيا العام 1947 عبر حركة واسعة من المقاومة المدنية غير العنيفة من الخوض في تجربة ديمقراطية فريدة على رغم وجود ثماني ديانات رئيسية على الأقل يتبعها السكان، هي الهندوسية والبوذية والجاينية والسيخية والزرادشتية واليهودية والمسيحية والإسلام.

عدا الدين فإن عدد السكان الهنود يبلغ قرابة الملياري نسمة، إلا أن كل ذلك لم يمنعهم من التوافق فيما بينهم وممارسة الديمقراطية واختيار ممثليهم في السلطة من دون تعصب إنساني ضد أحد، والغريب أننا لا نتجاوز في العدد المليون، ولا نتمتع بتعددٍ يُذكر للديانات، وعلى رغم ذلك قد يحتاج توافق البحرينيين فيما بينهم إلى مئة عام على حد تصريح أحد أعضاء ائتلاف جمعيات الفاتح.

ممارسة الديمقراطية ليست بحاجة إلى توافق، فهي أسمى أشكال الاحترام الذي قد توفّره أية سلطة لصوت الشعب، وهي التمثيل الحقيقي للكم الهائل من التصريحات والإعلانات الدعائية عن الديمقراطية المفترضة، وتحويلها إلى حقيقةٍ على أرض الواقع. والمراوحة بين الحوار والتأزيم لن ينقل البلد إلا لعنق الزجاجة الأضيق. والوضع لا يحتاج إلى مزيدٍ من التصريحات الانفعالية واستعراض للقوة من بعض الأطراف التي من مصلحتها استمرار الوضع الحالي.

الحوار الفعّال لا يتجاوز إرادة أحد طرفيه، ولا يقفز على مطالب أحد، ولا يُصادر حق طرفٍ في طرح رؤيته ومناقشتها، فالأصل في الحوار هو مناقشة كل ما يمكن أن يكون سبباً للاختلاف والتوصل لصيغة مرضية بشأنه، لا استبعاده ومنعه، لأن ذلك لا يمكن أن يطلق عليه حوار توافق بل حوار تنافس يقصي فيه طرفٌ الآخر ويستحوذ به على ما يريد.

إننا نأمل أن تكون أطراف الحوار ممثلاً حقيقياً لإرادة الشعب الذي يطمح بلا شك للتحول الديمقراطي وممارسة حقه بالقانون والدستور، وأن يكون فعالاً في تطوير حاضره وصنع مستقبله عبر أدوات سياسية تعطي للمواطن الحماية التي يضمنها ويوفّرها له الدستور إن تم تفعيل كل بنوده.

إن مسئولية المتحاورين اليوم تنحصر في التوصل إلى أقصى ما يمكن للمواطن الحصول عليه. إنها مسئولية تاريخية ستحاكمنا عليها الأجيال القادمة فعلياً ومعنوياً، وسيوثق تاريخ البحرين من وقف مع مصلحة الشعب العليا ومن وقف من أجل مصلحته وحده ضد مصلحة الشعب. الأجيال القادمة لن يرعبها البعبع الذي تخرجه بعض الأطراف لإبعاد البعض عن المطالبة بحقوقهم. وأجيال الغد نرجوها أكثر وعياً من سابقتها، وأكثر تعبيراً عن المواطنة الحقيقية فقط من دون تفاصيل.

إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"

العدد 3846 - الإثنين 18 مارس 2013م الموافق 06 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:17 ص

      هؤلاء لا يفهمون لغة اللين والنصيحة

      ما دامو متمترسين خلف القوة لن تنفع معهم تلك اللغة اللينة ، هم اليوم يتفاخرون بأن وضعوا على كل قرية 3 او 4 اربعة سيارات جيب شرطة في كل سيارة 5 او 6 عساكر مدججين بالسلاح ، هذا منطقهم وهذا ردهم وهذا هو حوارهم فهل نترجى ممن يرى بأن الحل هذا هو مقداره وان اهالي القرى هذا هو مستوى التعامل معهم فهل ينفع مع الئك تذكيرهم بمناقب الأمم ؟ اذا لم يتخلوا عن النار والحديد لن تصلوا معهم الى شيء .

    • زائر 7 | 5:09 ص

      قلناها منقبل

      ماهوالا خوار خوار صوط يخرج من راس الثور وهو عبارة عن بربرة بالعربي وهالاشكال ماوراهم الا البربرة

    • زائر 6 | 2:37 ص

      مثال جميل

      كثيرا ما نسمع الهنود يرددون انا هندو جار مال انا مسلم ما في مشكل انا مسلم صديق مال انا سردال فعلا يا استاذة مريم استطاعت الهند ذات الديانات والمعتقدات المتنوعة ان تخوض تجربة الديمقراطية ونجحت بعد ان تخطت الصراعات المذهبية فالبحرين ودول العالم تربطها مع الهند روابط تجارية واستثمارات بالملايين فهل نتخذ منها انموذجا ام نستمر 100 عام من الحوار !!

    • زائر 5 | 2:36 ص

      مريم بكل مايحمله الاسم

      صباح الوررد والايمان الله يحفظك ويكثر من امثالك يابنت البلد الاصيله ومن خلال متابعتي لجريدة الوسط ولكتابها الكرام وعلى رأسهم الدكتور العزيز أثبتم أنكم على قدر المسؤولية أمام الناس في الدنيا وأمام الله في الآخره وستبقون بهذه والمصداقيه والمتنفس لنا بعد الله فعساكم على القوه

    • زائر 4 | 2:07 ص

      عزيزي..

      عزيزي اذا انت تنتظر بيت صار لك 17 سنة.. انا انتظر بيت من 20 سنة.. لكن شنقول المشتكى لله..

    • زائر 3 | 12:38 ص

      ودي اصدق يحسين

      هم يقولون ابونا ادم طردة من الجنة لمخالفة الخالق وهم يسيرون علي هذا المنهج

    • زائر 1 | 12:03 ص

      17سنه واناانتظربيت الاسكان

      حسبي الله ونعم الوكيل {جعفرعبد الكريم صالح}‏‎ ‎

اقرأ ايضاً