العدد 3855 - الأربعاء 27 مارس 2013م الموافق 15 جمادى الأولى 1434هـ

سأكتب عن الشهداء... لن أكتب عن تجهيز انتحاريين

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لن أكتب عن الذين هدّدوا باستضافة عناصر المشوَّهين من المنتسبين للإنسان أولاً قبل انتسابهم إلى منظمة القاعدة الإرهابية بـ «عار» لا امتياز. لن أكتب عن الذين أفلسوا ولم يجدوا حيلة غير الاستنجاد بالأرجاس ممن شوّهوا الحياة قبل أن يشوّهوا الدّين الذي يرفعون رايته وهم مسيئون إليه.

لن أكتب عن الذين وجدوا في التحريض معاشهم ووهْم معاذهم. لن أكتب عن الذين يلوّحون بتهجير أهل الأرض ومصادرة كل ما يدل عليهم. المصادرة والتهديد بتصفيتهم جوعاً وتركهم نهباً للعراء. تهديدهم بإجراءات لن تترك ما يدل عليهم أو يدل على أنهم عنوان ومضمون هذه الأرض وكانوا مُفْتتحاً لفصولها وتحولاتها. لن أكتب عن خبراء خلّفتهم المصادفة، وأوجدها الواقع المختلّ المُصادَر والمختطَف من قبل من لا يريد استيعاب الدروس من حوله؛ تلك التي تبث على الهواء مباشرة في قصص النهايات والاضمحلال والانهيار والسقوط. لن أكتب عمَّن هو منسجم مع العبث، ومن العبث مطالبته باستيعاب وتدارك درس الداخل حين يكون منشغلاً بترتيب بيته عبر مؤامرات وطبخات الخارج.

لن أكتب عن الذين يعانون من عدم استيعاب مشكلة أن التكوّر في رحم الوهم لا يتيح لهم سهولة إقناع بمغادرته إلى عالم لا يؤمن بغير واقعيته حتى لو كانت «واقعية سحرية» لن يفك لغزها بهائم في هيئة بشر، بحسب مذهب الرائي والروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز.

من مضْيَعة الوقت أن تكتب عن كشف إدمان الاختطاف والقرصنة ووهم النفاذ من محاسبةٍ على الأرض؛ أما محاسبة السماء فليست في الحسبان بالنسبة إلى أولئك النفر. النفر الذين لا أدري منذ ما قبل تاريخ الجهل كيف جاءوا مزنّرين بحقد لا نهائي واستعداد لا ينتهي في شهوة حرق اليابس واليابس؛ لأنه لا أخضر في حضرتهم وعهدتهم.

لن أكتب عن الذين لن يستقيم شيء ولن تستقيم حياة مع هيمنة الذين يبيعون للناس الوهم معجوناً بقمع ومصادرة حقهم في الحياة. وليس أي حياة. الحياة كما يجب وإلا لن تكون كذلك ولا أثر يدل عليها.

لن أكتب عن المزايدين اليوم والذين تورَّطوا في صورة أو أخرى بكل القمع ومنْهَجَتِه وهم يتحسّسون رؤوسهم لأن أكثر من بطْحَة عليها. لن يهنأ لهم بال في استتباب الأوضاع واستقرار الأمور. في ذلك كشف لعورات تمثلهم بالجملة حتى ليكاد الواحد منا لا يفرق بين وجوههم والعورات. كل ملامحهم عورات. جبلوا على امتصاص دم الآخرين تماماً كالبعوض الذي لا تنتظرنّ منه أن يكون مُؤدَّباً باستئنذانه لك قبل أن يمتصّ دمك. طحالب هم ولا يمكن أن يتنفسوا في البيئات الصحيحة، جُبلوا على التنفس على الأجهزة الاصطناعية وبما يحييهم وهماً: الرشا والفساد وتقاسم السرقات والسهر قلقاً على نوعية الغنائم وكمياتها وقيمتها. الإنسان الذي هم ينتسبون إليه كذباً في آخر الهمّ والأولويات.

لن أكتب عن الذين قبضوا ثمن كل شيء. ثمن دماء وتآمر وصمت على التجاوز ونفخ في نار الفتن. وإذا لم يجدوا ناراً أقاموها ولو كان الناس وقودها بكل آلامهم وعذاباتهم.

لا مخلوق في الدنيا يمكنه أن يقنعنا بأن من هم من المفترض أن يكونوا شركاء في الوطن يقرؤون خريطة الفوضى والإرهاب في الخارج ليطمئنوا على استحواذهم على ما تبقى مما لم يستحوذوا عليه في مخططات الفتن والغنائم. مثل أولئك الذين يلوّحون في ظل نوم القانون الطويل والطويل جداً، والمُتعمّد باستجلاب منظمة إرهابية يعرفون هم تماماً منطلقاتها وتكفيرها للأمة، كل الأمة، باستثنائها هي باعتبارها الفرقة الناجية! ويعرفون تماماً كيف على يد إرهابييها المقبورين والجثث منهم ممن يعيشون وهماً تم جلب عداء الدنيا كلها لكل من وما له صلة بالعرب والإسلام. يهدّدون ببعبع كريه زنيم بإجماع ثقاة العلماء خروجه عن الملّة والإنسانية أيضاً بحفلات شواء اللحم البشري التي يقترفها في كل بقعة من العالم.

سأكتب عن الشهداء؛ وإن لم يَرقْ لبعضهم مثل ذلك الوصف والتسمية. وإن رأى بعضهم أنهم إرهابيون ومخرّبون ومُقلقون لاستقرار الحياة، يعنون بذلك استقرارهم ضمن ما تحصّلوا عليه؛ لكنهم في البسيط من شواهد ما نحياه ونعيشه، خريطة طريق لتكون حياتنا أكثر نقاء وتخلّصاً من الشرْط الذي يستعبد الإنسان، وخريطة طريق ليكون للحياة التي نحن في صددها ما يدلّ على معنى وقيمة وحضور وأثر وإضافة وقدرة على اجتراح المختلف والمُعجز والاستثنائي، وعدم القبول تحت أي ظرف كان أن يتم تسيير تلك الحياة على وقْع المزاج أو التمييز أو التشفّي.

أكتب عن الشهداء لأنهم ذهبوا بخيارهم إلى الحياة الأخرى. آثروا التذكّر والخلود على النسيان والمؤقت من الحياة. أكتب عنهم لأنهم في الصميم من خيار ونداء ارتفع في أرواحهم للخروج على العبث القائم، والسقوط القائم ليدخلوا في حال مصالحة مع مستقبل لن يذوي ويضمحلّ وتعبث به أيدٍ موجّهة إياه كيف وأنّى شاءت.

لن أكتب عن مغسولي الأدمغة الانتحاريين الذين تلصق بهم عنوة صفة الشهادة وقد مُهّدوا للانشغال بأعضائهم التناسلية حتى وهم في طريقهم إلى جنة مزعومة بعد تدشين مذبحة. أولئك أقلُّ قيمة من عفطة عنز عند الله ولا يملكون أن يكونوا في مستوى حزمة برسيم لدى الأسوياء من بني البشر.

لن أكتب عمّن يجهّز آلاف الانتحاريين والدمويين أملاً في استتباب معادلة في رأسه المريضة وتأسياً بكبيرهم الذي علّمهم الدجل والسحر والتحريض والتكفير عبر فتاواه الفضائية المفتوحة على جحيم المخالفين له والمُمهّدة لجنّة أقامها الله حصراً - تعالى الله عن ذلك علوَّاً كبيراً - لأولئك الذين يولغون في دماء البشر على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وانتماءاتهم، وليس آخر الولوغ في ذلك الدم ما تعرّض له واحد من كبار علماء الإسلام الوسطيين وكان بعضهم يهلل لأطروحاته ومنهجه قبل أن يعاد رسم الخرائط وتتكالب أنظمة على رسم مخططات لن تورد أحداً إلى فردوس أرضي بقدر الورود إلى جحيم لا نهاية له. في الرابعة والثمانين عاماً وكان مشغولاً بالعقل لا الأعضاء التناسلية التي ينشغل بها الانتحاريون. كان مشغولاً بالمعرفة وتوصيلها. 50 ضحية لذلك اللافكر التكفيري الاستئصالي الذي جيّش العالم كل العالم بإرهابه لتدفع أمة دينها السلام الضريبة حتى قيام الساعة.

لن أكتب عن العفن والذين هم مازالوا مستمرئين العُقد وانتهاك حرمة الحياة وما يتصل بها. أولئك لا حرمة لهم، ومن يجهّز أمثال أولئك هو وكيل حصري لاجتثاث الحياة من شروشها وعار على الحياة أساساً.

سأكتب عن الشهداء لأنهم قيمة ودليل حياتنا التي نريدها باشتراط العدل الذي شرّعته السماء قبل أن يتلاعب به مزاج من هنا أو هناك.

سأكتب عن الشهداء. لن أكتب عن تجهيز آلاف من الانتحاريين الذين هم سُبّة وعار على الحياة، ومشروعات تفخيخ لها!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3855 - الأربعاء 27 مارس 2013م الموافق 15 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 12:44 م

      اجمل ما قرأت

      سلمت يداك ايها الجمري على هذا المقال الذي هو اجمل ما قرأت اليوم.

    • زائر 19 | 6:05 ص

      سيكولوجية

      لن اكتب عن امور سيكولوجية من عدم تاخر الذات المنسوب الى رديكالية العالم المازوم بكتلة التشرذم الشيفوني المختلق من ذات العبيد الكوني المرحوم بسفاهة الماضي في وطن الزيف الهائج من اقدار المجتمع المتوطن في رحم الفيزياء القانونية في عشيرة الضد المادي ليكون منطقا لايدلوجية الخادم المفتونبعبق الحضارة الافلاطونية الساحقه.

    • زائر 20 زائر 19 | 12:37 م

      ?

      تعليقك هراء

    • زائر 17 | 5:52 ص

      رد على زائر 14

      سئوال يطرح نفسه هل انت عايش مع البشر لو لا اول عمليه استشهاديه للمقاومه الاسلاميه اللبنانيه ضد الاحتلال الاسرائيلى فهمت لو لا اسرائيل احتلال والدى نفد العمليه البطل المجاهد احمد القصير مما جعل العدو العدو ممكن يكون صديق فى قاموسك ولكنه عدو للشرفاء هاده الامه ثانيا اين ارهاب وعمليات الانتحاريه من جمعيه الوفاق للتدكير فقط انما الدكرى تنفع المومنين

    • زائر 15 | 5:11 ص

      اقتراح

      رحم الله والديك ، ياريت تكتب عن شهداء الثورة السورية وضحايا مجرم الحرب الساقط بشار الاسد ، وشكرا

    • زائر 16 زائر 15 | 5:43 ص

      بشار صبور مع اعدائه

      بشار لم يقتل احدا الا كان يستاهل القتل لان يقوم بقتل وتفجير في اماكن المكتضه بالابرياءلقد قامو ا وعاضهم بغسل ادمغتهم بان فجروا انفسكم وتدخلون الجنه كيف يكونوا شهداء وهم في نفس الوقت قاموا باعمال منافيه للانسانيه

    • زائر 14 | 4:35 ص

      حلال عليك وحرام على الآخرين..!!.

      الاخ الكريم جعفر تحياتي ما تقوم به ايران الآن وجمعية الوفاق ما يقوم به ما وصفتهم بالتكفيريين سواء، ايران والوفاق وحزب الله يصنعون انتحاريين كل يوم ويصنعون كراهية لا حد لها تؤدي في النهاية للانتحار، وهو أيضاً ما يقوم به المتشددين والتكفيريين، نحن الأغلبية الصامتة في البحرين لا (مع) هؤلاء، ولا (مع) التكفيريين، نحن شعب البحرين المسالم الطيب القانع بأن البحرين الآن تسير على التنمية نعم لا أنكر هناك سلبيات وهناك مظالم لكن كل شئ غالب للتعديل وللاصلاح عكس ما تقوم به ايران والوفاق.

    • زائر 13 | 4:13 ص

      بارك الله فيك

      اشهد والله بأنك كشفت عريت المستور عن الوجوه المزيفه في هذا المجتمع وهاهم اليوم يهددون بهائلاء التكفيرين الذينه لا دين ولأ مله لهم ولأ يكفيهم الذي يجري في بلأد الرافدين واليوم في سوريه بلد العروبه وكله بتشجيع منهم ومن يدعي بأنه مفتي الامه وهو يقبض على كل فتوى من السلطان ولي نعمته ويتخذ الدين ستارا له, والله شوه سمعة الاسلام السمحاء في كل بقاع الارض ولأزالوا في طغبانهم يعمهون. ولكن من تحاسب مادام القاضي راضي.

    • زائر 12 | 4:11 ص

      الشهداء يامن اعطى

      الناس و اعطى اغلى مايملك من اجل الناس وهي الحياة اعطى روحة من اجل ان يعيش الناس في حرية وهناء وقدم الغالي والنفيس من اجل الكرامة احسنت يا اخي الكاتب اوجزت وابليت صح لسانك

    • زائر 11 | 2:53 ص

      اكتب ما شئت فلن يهمهم كلامك فلقد باعوا واشتروا

      ان من تخاطب قد باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم ولا جدوى من خطاب امثال هؤلاء الذي اصمهم الشيطان واعمى ابصارهم واصبحوا بدل من ان يستنجدون الحق والعدل والانصاف لهذا الشعب يريدون الاستنجاد والاستجلاب عليه بالخيل والرجال وأصحاب الفكر السقيم الممقوت من كل العالم هم يستنجدوه لكي يخرسوا صوته المطالب.

    • زائر 10 | 2:09 ص

      بهائم

      بهائم مفخخة تائهة تبحث عن المختلف ليكون طريقها لجنة متوهمة لن يدخلوها حتى يلج الجمل في سم الخياط

    • زائر 7 | 12:47 ص

      مقال يستاهل رفع العقال

      مقال رائع يوقف شعر الراس لليفهم عموما في نقطه هامه لم يتطرق اليها وهي انه يوجد خمسه الالاف انتحاري من ذاك التنظيم حسب قول ام الخضر والليف السؤال هل التنظيم مرخص له ثانيا اذا لم يكن ذلك يجب التحري من قبل الجهات المسؤوله وثالثا اذا كان عندها معلومات وهو تنظيم محظور هنا تجب المحاسبه ارجو التكيز هنا

    • زائر 3 | 12:27 ص

      مقال صاعق

      وقلم يصف الامور كما هو.

    • زائر 8 زائر 3 | 1:16 ص

      تعديل

      قصدت كما هي. شكرا.

    • زائر 1 | 11:28 م

      ليسوا بشرا

      عجبتني : بهائم في هيئة بشر

اقرأ ايضاً