العدد 3881 - الإثنين 22 أبريل 2013م الموافق 11 جمادى الآخرة 1434هـ

ريم البنّا... صوت فلسطينيّ يخترق الأجواء العالمية

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

كلمة «صوت» في لغة الموسيقى حمّالة معان، وذات دلالات قديمة وأخرى حديثة، ولكنّها تكاد تجتمع، إذا ما أطلقت على فنّان، للتأكيد على أنّه فعلاً مطرب إن لم يكن قامة موسيقيّة وغنائيّة في مجاله.

ذلك هو حال الفنانة الفلسطينيّة، المغنية والملحّنة بنت الناصرة ريم البنّا؛ نعم تحظى ريم باعتراف عالميّ جديد، اعتراف بالمستوى العالميّ الذي وصلت إليه مَنْ تمشي على الشوك منتصبة القامة، مَن تمشي وعلى كتفها قضيّة لها تغنّي وبها تتغنّى ومنها تنهل أروع أغانيها.

الفنانة ريم البنّا، ابنة الشاعرة الفلسطينيّة زهيرة الصباغ والمتخرجة من المعهد العالي للموسيقى بموسكو العام 1991، غير غريبة على عالم التكريم والاعتراف المحلّي والدوليّ، فصوتها وطربها ونهجها الغنائيّ متميّز، لكن هذه المرّة ترتقي ريم إلى مصافّ الخمس الأول عالميّاً؛ حيث اختيرت الفنّانة ريم البنّا مؤخّراً من بين أفضل خمسة فنّانين عالميّين ساهموا في التطوّرات الموسيقيّة على السّاحة الفنيّة العالميّة ويقدّمون موسيقى جادة وغير تجاريّة.

وقد ورد في القائمة النهائية اسمها إلى جانب الفرقة الباسكيّة «جوز» و»دوم لا نينا» من البرازيل وعازف البيانوالإيطالي «ليدوفيكو اينودي» والمغنّي العالمي «نينك لافيرمان».

ريم البنّا سفيرة السلام في إيطاليا العام 1994، اختارت مساراً مختلفاً عن بنات جيلها في العالم العربيّ، اختارت أن تغنّي للأطفال، فكان ألبوم قمر أبو ليلة 1995 ونوّار نيسان 2009 وانحازت للقدس فكانت لها ألبومات رائعة مثل «وحدها تبقى القدس» 2001، و»صرخة من القدس» 2010، كما غنّت للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية، فكان ألبومها مرايا الروح 2005.

ريم، بصوتها الهادر القويّ، تقدّم تلك الأغاني بملامحها الفلسطينيّة الأبيّة، تغنّي معاناة شعبها المحاصر مأساة الأسر والأمّهات والأطفال في ضنك الاحتلال.

ريم، التي أصيبت بداء خبيث في جسدها منذ سنوات، قاومته، كما يقاوم الشعب الفلسطينيّ الاحتلال الغاشم، بالعزيمة والإرادة فقهرته، لأنها آمنت أنّ لا داء أخبث من الاحتلال الصهيونيّ، وحين سئلت في ذلك قالت: «السرطان احتل جسمي غصباً عني، مثلما احتلت إسرائيل أرضنا واغتصبتها، وبهذه القوة قبلت التحدّي وصارعت السرطان...».

ريم البنا، إذْ هي تصطفّ ضمن الخمس الأوائل في العالم في مجال نمطها الغنائيّ، إنّما ترسل برسالة صريحة الدلالة لمئات الفنانين وآلاف الفنانات العربيات، أولئك الفقاقيع الذين يدخلون بيوتنا دون استئذان وينتهكون حرمات أسماعنا لولا رحمة الريموت كونترول، لأولئك جميعاً، ترسل ريم البنا برسالة تدعوهم فيها إلى مراجعة حساباتهم وقناعاتهم، فأغانيهم لم تتجاوز حدود شاشة التلفاز في حين أنّ ريم البنا ومَن سار على نهجها تستقرّ أغانيهم في القلوب قبل الآذان، لما فيها من صدق، ولأنّ الموسيقى الصادقة لها أسباب توصلها إلى مستقرّها من القلوب حتّى وإن استعصت الكلمات على السامع.

وقد يحتجّ بعضهم على أنّ التعاطف الإنسانيّ مع القضية الفلسطينية هو ما أوصل ريم إلى ما وصلت إليه من نجاح، ورجح كفتها على حساب غيرها. لكنّ الحقيقة أنّ ريم البنّا تبني لها في الغناء صرحاً من المجد تواصل به أمجاد سابقيها؛ فهي من نفس سلالة السيدة فيروز وماجدة الرومي وعلى درب مارسيل خليفة التزاماً وعشقاً للقضيّة. وهي إذْ تتّبع هذا النهج وتختار هذه الطريق الصعبة إنّما تحافظ على أصالة فنها، حيث لم يُبتذل اللحن عندها لفائدة التجييش وتهييج المشاعر، ولا فقدت الصورة الفنية نضارتها أو جمالها لفائدة الكلمات المباشرة وصخب الآلات الموسيقية.

إنّ ريم البنّا وقد اختارت خطّها وابتعدت عن الإسفاف الموسيقي، إنّما تؤكد بذلك انتماءها إلى المناضلين، كلّ بطريقته، فهي تقول على صفحتها على الفايس بوك: «..عشت بين الناس ولم أجلس على عرش (المثقفين) أمثالكم... لا أُنظِّر ولا أتملّق ولا أكذب ولا أتفلسف على أحد. أنا الثائرة، جئت في زمن ليس زمني... لي أحلام الفقراء وجنون الصعاليك... وتحدّي المُتمّردين على الخنوع. لا ضغينة في قلبي ولا أبواب. إنّ قلبي بيت صغير يحضن كل الناس...».

تلكم هي ريم البنا، لها أسلوب موسيقيّ وغنائيّ خاص بها، أغانيها مستمدّة من وجدان الشعب الفلسطيني، من تراثه، تاريخه وحضاراته. الموسيقى والألحان نابعة من صلب القصيدة، فيكون التزاوج بين الكلمة واللحن بالأغاني العذبة التي تحملنا إلى سماء فلسطين ومنها إلى العالم.

نعم، تلكم هي ريم تنفرد بتقديم التهاليل التراثيّة الفلسطينيّة والأغنية العربيّة الفلسطينيّة الحداثيّة التي تلاقي أصداء عربيّة وعالميّة، وتقدّم بعضاً من الأغاني التراثيّة الفلسطينيّة، وتتناول أيضاً أشعاراً غير ملحّنة من التراث حيث تقوم بتلحينها بأسلوب خاصّ بها، مسترشدةً بالموسيقى الشعبيّة الفلسطينيّة والعربيّة القديمة وإيحاءات موسيقى الشعوب في العالم، وذلك من أجل أن تتواصل هذه الأغاني والنصوص مع الأجيال القادمة للمحافظة على هذا الميراث العظيم.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3881 - الإثنين 22 أبريل 2013م الموافق 11 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:55 م

      الفنّ الملتزم ملحمة

      حقا هو نهج - كما قلتم في مقالكم -ليس في متناول أي كان

    • زائر 5 | 6:40 ص

      تلكم هي ريم البنا،

      فنانة رائعة
      مقال جميل لفنانة ممتازة

    • زائر 4 | 4:34 ص

      رسالة قوية

      ريم البنا، إذْ هي تصطفّ ضمن الخمس الأوائل في العالم في مجال نمطها الغنائيّ، إنّما ترسل برسالة صريحة الدلالة لمئات الفنانين وآلاف الفنانات العربيات، أولئك الفقاقيع الذين يدخلون بيوتنا دون استئذان وينتهكون حرمات أسماعنا لولا رحمة الريموت كونترول،

    • زائر 3 | 2:45 ص

      ريم ومن سار على نهجها إلى المام

      نهج ريم البنا ليس يسيرا لغيرها من بنات جيلها
      إن الغناء الملتزم فنّ له أهله وريم هي أهل له

    • زائر 2 | 12:54 ص

      رائع صوتك يا ريم

      ريم البنّا... صوت فلسطينيّ فيه من الجمال والروعة ما فيه من الحب والحزن
      شكرا على مقالك أستاذ

    • زائر 1 | 11:28 م

      تحية تقدير وعرفات لقلمك الرائع

      شكرا عل المقال الرائع.. أتابعك.. مقالاتك دائماً
      تحياتي

اقرأ ايضاً