العدد 3923 - الإثنين 03 يونيو 2013م الموافق 24 رجب 1434هـ

سيادة القانون أم سيادة واضعه؟

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أعتقد بداية أن معظمكم يعرف هذه الرواية، فقد روي أن النبي (ص) قال قبل موته: «من كانت له عندي مظلمة فليأت حتى أقصه من نفسي». فقام رجل يدعي سواد بن غزية فقال: «يا رسول الله إنك ضربتني على بطني ليلة العقبة فأوجعتني». فقال النبي (ص): «دونك فاقتص». فقال: «يا رسول الله إنك ضربتني وأنا مكشوف البطن»، فكشف النبي (ص) بطنه، فأكبّ عليه سواد يقبلها فقال: «يا سواد ما حملك على هذا»؟ فقال: «يا رسول الله دنا لقاء هؤلاء المشركين فأردت أن يكون آخر العهد بك أن أقبل بطنك». فهذا خاتم الأنبياء والرسل (ص) يقتص من نفسه، مع أن الله تعالى قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، لعلمه أن رب العزة لا يدع القصاص في المظالم بين العباد، لأن الله تعالى أعدل من أن يدع مظلمة لأحد عند نبي ولا غيره.

إذن نحن أمام مبدأ مهم أراد رسول الله (ص) أن يثبته بين أمته قُبيل رحيله عن هذه الدنيا وتركها لشتى ألوان الزيغ والأهواء، وهو مبدأ سيادة القانون (Rule of law) وهو أصل دستوري، كما يقال، لا أعتقد يوجد من يعترض عليه. وقد تجلى مبدأ سيادة الشريعة أو القانون الذي وضعه خاتم الأنبياء والرسل في العصور الأولى للإسلام حيث كان يخضع لها الأمير والمأمور، بل النبي (ص) نفسه كما رأينا.

وكذلك مر المجتمع الغربي في أوروبا العصور الوسطى بتلك الحقبة من سيادة «القانون» على الجميع، لعل أهمها ما قام به أحد حكام انجلترا العام 1215 عندما أخضع نفسه وغيره لما سمي بالميثاق العظيم (Magna Carta). ذلك «الماجنا كارتا» هو وثيقة إنجليزية وُصفت بأنها «الميثاق العظيم للحريات في إنجلترا والحريات في الغابة». يحتوي هذا الميثاق على أمور عدة منها، موافقة الحاكم علناً على عدم معاقبة أي «رجل حر» إلا بموجب قانون الدولة، وهذا الحق ما زال قائماً حتى اليوم في تلك الدول. كان الميثاق جزءًا مهماً من عملية تاريخية ممتدة أدت إلى حكم القانون الدستوري في الدول الناطقة بالإنجليزية، استناداً إلى مبدأ سيادة قانون يقول للحكام «إنكم لا تستطيعون انتهاك حقوق الآخرين». وقد تأثر المستوطنون الأوائل في أراضي الأميركتين الجديدة بهذه الوثيقة فألهمت وثائق دستورية أتت بعدها من ضمنها وثيقة حقوق دستور الولايات المتحدة التي أضحت الأساس في تحديد نفوذ السلطة الحاكمة حتى اليوم.

وبناءً عليه أيضاً، وضعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نصب عينيها حماية الناس وتمكينهم من إِعمال حقوقهم وفق مبدأ سيادة القانون وليس وفق رغبة واضع القانون من أي بلد كان. ولهذا فقد تنبهت المفوضية لهذه الفجوة التي يمكن أن يستغلها ضعاف النفوس في أي سلطة جائرة في العالم «المتحضر»، ولا سيما العربي منه، فيتم تفسير مبدأ سيادة القانون بعيداً عن ما وُضع في الشرائع السماوية أو في القوانين البشرية المدنية؛ بأنه سيادة واضع القانون وتحكمه في رقاب الناس إذا رفضوا الانصياع لأوامره هو فقط ودون مساءلته «قانونياً» عمّا يقوم به خارج مبدأ سيادة القانون الذي وُضع ليطبق على الجميع. فجاءت أهداف المساعدة على سد الفجوات في تنفيذ حقوق الإنسان على المستوى الوطني في النقاط الأربعة التالية:

زيادة امتثال القوانين والبرامج الوطنية لمعايير حقوق الإنسان؛ إنشاء آليات للعدالة والمساءلة، وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، من أجل رصد انتهاكات حقوق الإنسان المدنية والسياسية، وكذلك الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتحقيق فيها والإنصاف منها؛ تزايد وعي المجتمع الدولي بالأوضاع الحرجة لحقوق الإنسان وانتباهه إليها واستجابته لها؛ زيادة إدماج معايير ومبادئ حقوق الإنسان في سياسات منظومة الأمم المتحدة وبرامجها.

فحريٌّ بحكّام العرب اليوم، الذين جاءوا بعد ما يسمي بالربيع العربي أو ما قبله، أن يعيدوا قراءة مبدأ سيادة القانون كما طبقه الرسول الأعظم (ص) على نفسه قبل المسلمين من الأعراب الذين حوله؛ ثم يعرجوا على قراءة شيء من وثيقة «الماجنا كارتا» دون الإدعاء الفارغ بأنها وثيقة «كافرة» وإسماعنا نشاز اسطوانة التكفير من جديد، بل لمزيد من العبرة والعظة لمن لم يقرأ بعد التاريخ جيداً. والوقوف ملياً عند مبدأ رفض عبودية البشر لأهواء البشر، ورفض تسلط الفرد بغير حجة والأكثرية بغير حجة اتكاءً على سوء تفسير مبدأ سيادة القانون! وإعادة النظر في أرجوزة سيادة واضع القانون، حتى بات البعض يستفتي في أن احترام القانون والعدالة الإنسانية وتطبيقها أجدى، أم تقبيل يد واضع القانون أجدى؟ وهنا من شاء أن يكون عبداً لله والحق فليكن، ومن شاء أن يكون عبداً للباطل فليفعل!

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3923 - الإثنين 03 يونيو 2013م الموافق 24 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 3:45 ص

      القانون وضعي !!

      كل قانون :
      جاء يحمي السلطة (المشرع) ويجعلها من المقام الأول الذي لا يمس فهو ما دون القانون وإنما لغيره ! وهو لا يلتزم به بالمطلق وإنما للشعب الذي هو مصدر السلطات إلا عندنا فالشعب الأبي الذي عانى ما عانى وقاسى ما قاسى يعتبر في أمن قانونهم (ارهابي) وكلماتهم التي تحط من قدر الإبرياء إلى مدنانون ويكفي تبجح هؤلاء المارقون بنا إلى متى ننصاع لمثل هذا القانون الذي يلزم به نحن وهم في خندق آخر !! (الرب واحد والوطن ليس للجميع وإنما لسيادة القانون)

    • زائر 3 | 2:00 ص

      وينهم وين قانون النبي

      انت خلهم يعترفون بالاسلام واخلاقياته في التعامل مع شعوبهم. كتاب الله يتلى في الإذاعات ليل نهار ولكن تعال الى تطبيق احكام الله اين هي واين هم منها؟
      لا بل البعض يحرّف كلام الله ويلبس عليه حتى اصبح اعداء الأمة الذين حذر الرسول منهم هم الاشقاء الذين يجب الخضوع لهم. اين قول الله (لتجدن اشدّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود)
      واينهم من حديث النبي ص (لتحذونّ امتي حذو بني اسرائيل) هاهم يصنفون الحزب الذي حزهم اسرائيل بالحزب الارهابي.لقد اقتفوا الاثر تماما

    • زائر 2 | 1:27 ص

      قناص

      شكرا استاذنا العزيز على هذا الموضوع الشيق الذي يبين للكثبر ماهي حرية العبد وماهي واجباته ومن الملاحظ قي عصرنا هذا والكل يسمع ويرى هذا الواقع المرير بأن الدول الاجنبية التي لا تدين بدين السماء هي التي تطبق العدالة بين شعوبها ولا يوجد لديهم تسلط فئة من الناس تحكم بما تشاء وخلاف كل الانطمة السماوية والوضعية وهذاان دل على شيء فأنما يدل على تخلف الامة العربية والاسلامية وابتعادها عن الدين السماوي الذي ينادي بألعدالة .

    • زائر 1 | 10:26 م

      ازدوجية

      دائما نشتكى من ازدواجية الغرب. لكننا نتصرف بإزدواجية كل يوم.نفتخر بماضينا و معاييرنا و قيمنا و فى كل تصرف نخالف المبادئ التى نتغنى بها. لا عجب أن يكون لدينا قوانين فى الكتب. اما الحياة فهى شيء آخر. نفاق و ازدواجية.

اقرأ ايضاً