العدد 3952 - الثلثاء 02 يوليو 2013م الموافق 23 شعبان 1434هـ

قطر كعبة المضيوم

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

إن المساواة بين أبناء البحرين في الحقوق والواجبات هي المدخل الرئيس لإزالة الاحتقان الذي أساء للبحرين وأهلها، وما لم يتم ذلك فإن كل حديث عن الإصلاح لن يكون له جدوى.

الذين تحدثوا عن قطر في الأسبوع الماضي كثر ومن مختلف الجنسيات والبلدان، وتناولت أحاديثهم موضوعات متعددة، فالذي جرى في قطر لم يكن حدثاً عادياً، كما أن دور قطر على المستوى العربي والعالمي لم يكن دوراً هامشياً. فدولة صغيرة الحجم وفي محيط عربي يتوجس خوفاً من كل جديد، تقوم قطر وخلال زمن قصير نسبياً بتغييرات جذرية داخلياً وخارجياً لم يكن شيئاً عادياً، بل كان أقرب إلى الخيال.

ومن هنا كانت معجزة قطر التي بدأت مع الشيخ حمد الذي استطاع أن يختم حكمه بمعجزةٍ أخرى وهي تنازله عن الحكم لابنه الشيخ تميم بمحض إرادته، وقد عهدنا في عالمنا العربي كله أن الحاكم لا يترك ملكه إلا إذا مات أو قتل أو أبعده مواطنوه رغم أنفه. أقول: وعلى رغم كل ما كتبت فإن هناك موضوعات تستحق الإشارة إليها، والتأكيد على أهميتها، لكي تستمر قطر سائرةً في الطريق الصحيح الذي أراده لها بناتها.

في كلمته المقتضبة قال الأمير الوالد مخاطباً القطريين: «إنني أسلم مقاليد الحكم للشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأنا على قناعة تامة بأنه أهل للمسئولية وجدير بالثقة وقادر على حمل الأمانة وتأدية الرسالة». إن الأمير الوالد يدرك تماماً عظم الأمانة التي ألقاها على كاهل الشيخ تميم، كما أن الشيخ تميم يدرك أنه حمل مسئولية عظمى تجاه بلده وتجاه العديد من الشعوب الإسلامية التي وقفت معها قطر طيلة سنوات طويلة. وقد تحدّث عن بعض هذه الجوانب في كلمته إلى الشعب القطري في اليوم التالي لتوليه الإمارة.

أكد الشيخ تميم أن قطر ستبقى «كعبة المضيوم» كما أراد لها بانيها الأول الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، والمضيوم هو «المظلوم» بغض النظر عن نوعية مظلوميته، ومن هنا فإن قطر ملتزمة بمساعدة كل المظلومين، والوقوف إلى جانبهم سواءً كانوا أفراداً أم جماعات! بطبيعة الحال لا يطلب من قطر أن تفعل ما لا تستطيعه، ولكن لا يقبل منها أن لا تفعل ما تستطيعه.

الشعب الفلسطيني عانى من الضيم طويلاً ولا زال يعاني وبصورة مستمرة، وقد أشار الشيخ تميم إلى قضية فلسطين وأكد أنه سيستمر كما كان الحال عليه سابقاً في التضامن مع شعب فلسطين حتى تعود له دولته وتصبح القدس عاصمته، ويرجع كل لاجئ إلى بلده التي أخرج منها.

سيغضب الصهاينة من هذا القول كما غضبوا قبلاً من مواقف الأمير الوالد مع منظمة «حماس»، ومن زيارته لغزة والمساهمة في إعمارها، وكذلك مواقفه التي لا تنسى أثناء الاعتداء الصهيوني على غزة، ومواقف أخرى لا يتسع المقام لذكرها، والأمل أن تستمر هذه المواقف الشريفة مهما كانت التضحيات ومهما كانت مواقف الصهاينة أو مواقف بعض العرب الذين لا يريدون لقطر أن تقف مثل هذه المواقف الشريفة، ولكن هذه المواقف هي التي ميّزت قطر عن سواها، وبمثلها تتميز الدول وتتفاوت.

وأيضاً وقفت قطر مع الشعب المضيوم في سورية، وهذا الشعب الصامد لايزال يتعرض لضيم لا مثيل له في التاريخ قديمه وحديثه، ومن حقّه على شرفاء الأمة أن يواصلوا دعمه بكل ما يملكون لكي يستطيع التخلص من الطاغوت الذي جثم على صدره عقوداً طويلة، ويسترد حريته التي دفع من أجلها عشرات الآلاف من أرواح أبنائه. والشيخ تميم حريٌّ به أن يواصل وبقوة ما بدأه الأمير الوالد، وسيكتب التاريخ أنه كان واحداً من أبرز من وقف ضد طاغوت الشام، وممن أسهم في حقن دماء الشعب السوري، وهذه المواقف هي التي تخلد الرجال أما المتخاذلون فللتاريخ معهم شأن آخر.

تحدث الشيخ تميم عن دول مجلس التعاون وعن أهمية علاقة قطر بها، وأهمية رفع هذه العلاقة، وأعرف أنه بدأ العمل فعلاً على هذا الخط قبل ولايته حيث زار عدداً منها من أجل هذه الغاية النبيلة، ولعلي هنا اقترح على الشيخ تميم أن يعمل مع إخوانه في البحرين على إزالة كل مظاهر التوتر الذي أصاب البحرين وفرّق بين أبنائها الطيبين.

إن المساواة بين أبناء البحرين في الحقوق والواجبات هي المدخل الرئيس لإزالة الاحتقان الذي أساء للبحرين وأهلها، وما لم يتم ذلك فإن كل حديث عن الإصلاح لن يكون له جدوى. وفي ظني أن شيخ قطر مع قادة البحرين ورجالاتها العقلاء، بإمكانهم أن يصنعوا شيئاً حقيقياً للبحرين أولاً، ولكل دول الخليج ثانياً، فالأوضاع في منطقتنا لا تحتمل مزيداً من التفرقة والاقتتال والعداء بين أبنائها.

الالتزام بالقيم والمبادئ وعدم التبعية لأحد كانت من جملة الالتزامات القطرية التي تحدث عنها الشيخ تميم، وفي ظنّي أنها المحرّك الأساس لكل دولة تحترم نفسها، فمعروفٌ أن لكل أمة قيمها، عاشت عليها الأجيال، وآمنت بها ودافعت عنها، وهذه القيم لم تأت من فراغ، لأنها قيم تعتمد على الدين والأعراف، فإذا أضاعت الأمة هذه القيم ضاعت هويتها، وعاشت في متاهات شتى قد توصلها في نهاية المطاف إلى التمزّق والضياع على غرار ما نشاهده في بعض بلادنا العربية والإسلامية. وقد عمل المستعمر القديم والجديد على إضاعة هوية الأمة لكي يسهل عليه ابتلاعها، ومن هنا ندرك أهمية الالتزام بالقيم والمبادئ المبنية على الدين والعادات المنبثقة عنه، ومن هنا أيضاً نستشعر أهمية ما تحدث عنه الشيخ تميم، ولعلنا نرى ما تحدث عنه واقعاً تستفيد منه كل الدول العربية والإسلامية. وبطبيعة الحال فإن الالتزام بالمبادئ والقيم لا يتنافى مع التطوير والتحديث والأخذ من الآخرين لكل ما هو صالح ومفيد، فالمسلمون كانوا سبّاقين إلى الاستفادة من علوم الآخرين ومن علمائهم أيضاً، وبالطريقة التي تناسبهم.

احترام المذاهب والأديان جزءٌ من سياسة قطر التي تحدّث عنها الشيخ تميم، وهي جزءٌ أيضاً من الدين الإسلامي، فلا يجوز لأحد أن يؤذي الآخر في معتقده، والالتزام بهذه القواعد من كل الأطراف يقوي الوطن ويحميه من التفكك والضياع.

أمام الشيخ تميم مهام عظام، وتحديات كبيرة، لاسيما وقد تولى دولة فتية ناهضة تحرّكت بسرعة لافتة للنظر، وأصبحت حديث الغالبية العظمى من الناس؛ في إعلامها، وعلاقاتها الخارجية، وقدرتها على التأثير في الأحداث الكبرى، وفي نهضتها الداخلية. وهذه الدولة يجب أن تستمر في مسيرتها التصاعدية، ومن هنا يأتي التحدي الحقيقي الذي نأمل أن يعين الله عليه شيخ قطر الجديد فتبقى قطر كعبة المضيوم.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 3952 - الثلثاء 02 يوليو 2013م الموافق 23 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 23 | 5:12 ص

      ملاحظه للكاتب

      إعلم يالهرفي أن العالم تغيّر ونحن نعيش في زمن المعلومات والتطور, والعالم كل العالم يعرف ما يدور حوله من أحداث, والشعوب تعرف جيداً المتغيرات الحاصله ولها أن تختار الغث من السمين, ونحن شعب البحرين نقرأ بعقولنا قبل قلوبنا وعواطفنا.. يعني إكتب شي يتفق عليه العقلاء المنصفين

    • زائر 21 | 9:15 ص

      كعبة!!!!!

      هم يعترفون بانهم نعاج وانت تقول كعبة الميضوم؟

    • زائر 13 | 6:17 ص

      لي أعناق الجمل

      أسلوب الكاتب في لي أعناق الجمل معروف وليس هذا المقال فحسب وهو دائمل يتهرب من مقاربة أزمة البحرين يأ أخي عليهم هذه التعابير المغلوطة فالشعب البحريني واع ومثقف ومتابع للاحداث ، ورحم الله امرا عرف قدر نفسه

    • زائر 12 | 4:52 ص

      احترام المذاهب والأديان جزءٌ من سياسة ؟؟

      احترام المصالح والامريكان جزء من سياسة ؟؟؟

    • زائر 11 | 4:48 ص

      معجزة

      اي معجزة هي تلك التي يتحدث عنها الكاتب هل سلم امير قطر الحكم للشعب القطري هل اعلن الامير الجديد عن خارطة طريق لقطر الجديدة تتضمن استفتاء القطريين حول شكل الحكم الذي يريدون ام ان الحكم ورث من الاب الى ا لابن وكان الشعب غير معني او مدعو لابداء اي راي

    • زائر 10 | 4:23 ص

      ما حصل ويحصل في البحرين ليس له شبيه الا في جنوب افريقيا

      لا تبسيط الظلم ولا تستهين بما يحصل لهذا الشعب فتكون كمن يساهم زيادة جرعة الظلم على هذا الشعب وانت اعلم بخفايا الامور فلا يوجد مقاربة لما يحصل في البحرين الا في جنوب افريقيا

    • زائر 9 | 3:55 ص

      لاعب اكروبات

      جمع الكاتب للمتناقضات يجعله كساحر او لاعب اكروبات يلهي الناس عن الحقيقة. يريد ان يقنع العالم ان بئر غاز ونفط وكميات هائلة من المال تستطيع ان تجعل النملة نخلة.

    • زائر 8 | 3:14 ص

      إذا رأينا التغيير في النهج الاعلامي، بعد فشل إكذوبة (الرأي.. والرأي الآخر)، سنصدق تحليلات الكاتب..

      وفي ظني أن شيخ قطر مع قادة البحرين ورجالاتها العقلاء، بإمكانهم أن يصنعوا شيئاً حقيقياً للبحرين أولاً ..

    • زائر 7 | 2:27 ص

      لا ليس بمحض ارادته

      ما عرفه كل الناس ان التنازل تمّ بإرادة امريكية وضغط امريكي فلا نغالط انفسنا

    • زائر 14 زائر 7 | 6:45 ص

      مشكلة الزمان

      ما لا يدركه الكثيرون هو التطور الهاءل في العقول و التكنلوجيا التي تسمح بمعرفة الحقيقة. لا يمكن تمريرة معلومة غير صحيحة في هذا الزمان. متي يدركون هذا التغيير الهاءل؟

    • زائر 17 زائر 7 | 6:45 ص

      مشكلة الزمان

      ما لا يدركه الكثيرون هو التطور الهاءل في العقول و التكنلوجيا التي تسمح بمعرفة الحقيقة. لا يمكن تمريرة معلومة غير صحيحة في هذا الزمان. متي يدركون هذا التغيير الهاءل؟

    • زائر 6 | 1:03 ص

      الضيم معناها القهر وليس الظلم.

      واحنا ننقهر بقراءة مقالاتك وتحليلاتك العجيبة.

    • زائر 2 | 11:22 م

      الكاتب المحترم

      الكاتب المحترم في البحرين ليس إحتقان بل ظلم وقتل من تفجير رؤس وجثث تخرج إمنتفة هامدة من المعتقلات وإنتهاك أعراض من قبل السلطة.

    • زائر 1 | 10:38 م

      مقال عجيب غريب،وتحليل فهلوي

      جانبك الصواب بأنها الكعبة المضيومة،أريد لها أن تكون حربة في تمزيق الدول العربية طائفيا ومشروعا للتطبيع مع الصهاينة،تم تأسيس المؤتمر الإسلامي فيها للقفز على مسلمات الاسلام السمحة ونشر الطائفية،ساندوا حثالة القوم من لصوص وأفاقين ومجرمين لتمزيق الشعب السوري لعيون اسرائيل،هل نسيت ما قدمه النعاج من مشروع لتبادل الأراضي لفلسطين وتحويل مطالب شعب إلى صفقة مقايضات..

اقرأ ايضاً