العدد 3954 - الخميس 04 يوليو 2013م الموافق 25 شعبان 1434هـ

ماوراء أزمة الأحزاب السياسية الإسلامية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

لقد كتبت في الماضي، كما كتب غيري، عدة مقالات بشأن حق الأحزاب السياسية الإسلامية، مثل غيرها، في استلام الحكم طالما أن ذلك قد تمّ عن طريق انتخابات نزيهة وتنافس شريف مع الآخرين، وطالما أن تلك الأحزاب قد قبلت الالتزام بضوابط اللعبة الديمقراطية من تعددية إيديولوجية سياسية وتبادل سلمي للسلطة واحترام لحقوق الإنسان.

لكن عند ذاك لن يكفي التزام تلك الأحزاب بالدين الإسلامي، إيماناً وقيماً وممارسة للشعائر، حتى يرضى النّاخبون والمناصرون عن أدائها في الحكم، إذ أنها ستحتاج أيضاً إلى تحقيق إنجازات في الواقع المعيشي اليومي للمواطن من عمل وسكن وصحة وتعليم وبنيات خدمية أساسية من مثل الطرق والكهرباء والماء.

ولكي أنقل الصورة إلى أعلى الوضوح ذكرت بأنه حتى لو حملت تلك الأحزاب القرآن الكريم فوق أسنّة الرماح كدليل على التزامهم بالدّين وامتثالهم للأوامر والنواهي الإلهية، فإن الناخبين والمناصرين سينفضّون من حول تلك الأحزاب إذا فشلت في الاستجابة الكفؤة العادلة لمطالب حاجاتهم المعيشية الأساسية أو تعثّرت في إقامة حكم رشيد ديمقراطي عادل.

في الماضي كتبت ذلك كدفاع عن القوى السياسية الإسلامية في الجزائر، عندما تدخّل العساكر ومنعوا تلك القوى السياسية من الوصول إلى الحكم على الرغم من نجاحهم في انتخابات نزيهة عادلة. وعندما قادت الانتخابات في مصر وتونس ما بعد الثورات المبهرة إلى استلام السلطة من قبل الأحزاب السياسية الاسلامية، كتبت أيضاً مسانداً لحق الناس في الاختيار وحق الأحزاب في الحكم طالما أن ذلك كله تمّ بصورة ديمقراطية معقولة وبإرادة الناس الحرّة.

اليوم، كمثل صارخ، تثبت الأحداث الجارية في مصر الثورة تلك المقولة البسيطة: سيتمسّك الناس بالأحزاب السياسية الإسلامية إذا نجحت في ممارسة الحكم بكفاءة ونزاهة وعدل، وتمسكت بالإستقلال الوطني والالتزامات القومية العربية العليا، وسينفضّون من حولها إذا فشلت في ذلك. ولن تستطيع آثار السجود على الجباه ولا الأيادي الرَافعة للقرآن الكريم أن تبطل تلك المقولة البسيطة التي حكمت كل ممارسات السياسة عبر التاريخ البشري.

دعنا هنا نطرح سؤالاً: ما الذي يوصل الأحزاب السياسية الدينية إلى تلك المرحلة المحزنة المتمثلة في انفضاض الناخبين من حولها، مع إنه من المفروض أنّها تمارس نشاطاً سياسياً ملتزماً بقيم وأخلاقيات الدين والتي تسمو بالحياة، ومع أنه من المفروض أنّها تمارس التقوى والخشية من الله المراقب المحاسب، مصدر القسط والحقّ والميزان في هذا الكون؟

قد توجد أسباب كثيرة ولكني أعتقد أن من بين أهمّها وأخطرها إسناد مسئولية القيادة الروحية مع مسئولية القيادة السياسية إلى فرد قائد واحد، وسواء أسّمي هذا الفرد مرشداً أو رئيساً أو أمير مؤمنين أو إماماً فقيهاً، فإن نقطة الضعف تبقى واحدة. ذلك أن الفرد الأتقى والأكثر إلماماً بعلوم الدين والأكثر قدسية واحتراماً لدى أعضاء الحزب ليس بالضرورة هو الأكثر فهماً لأسس ومتطلبات السياسة وقواعد ممارستها. إن عالمي الدين والسياسة هما عالمان مختلفان، وفنون التعامل مع كل منهما متباينة حتى لو كانت المشاعر والقيم الدينية التي تحكمها واحدة.

إن من صفات القائد الروحي، عند أغلبهم وليس كلهم بالطبع، الإصرار على الاعتقاد بامتلاك الحقيقة الكاملة دون غيره، وبالتالي عدم القدرة على الأخذ والعطاء والتعامل مع الحياة السياسية بمرونة. كيف تستطيع شخصية منغلقة كهذه أن تكون مرجعية سياسية لحقل أبرز ما يتصف به هو المرونة والحلول المتوازنة وتغيُّر السلطة الدوري وقبول الآخر وعدم إقصائه والتعامل مع الحقائق النسبية الدنيوية؟

هل ستستطيع الأحزاب السياسية الإسلامية أن تعي دروس الحاضر وتكون لها قيادتان، روحية وسياسية، تتحاوران وتتفاعلان وتتناغمان، ولكن عندما تتخذ القرار السياسي فإن الكلمة الفاصلة تكون في يد القيادة السياسية؟ المطلوب هنا ليس الفصل الشكلي وإنّما الحقيقي الذي بدونه ستبقى الأحزاب السياسية الإسلامية في أزمة خارج الحكم وداخله. إنها معادلة صعبة ولكن غير مستحيلة.

هل يعني ذلك تنازل هذه الأحزاب عن الأهداف الإيديولوجية الإسلامية التي يسعون إلى تحقيقها؟ أبداً وإطلاقاً، لأن ذلك يتعارض مع المنطق والديمقراطية التعددية وحريّة الاعتقاد السياسي وتكوين الأحزاب.

إن القضية لا تكمن في الأهداف السياسية الإسلامية ولا في الحقوق المدنية الكاملة للأحزاب التي تنادي بها. إنها تكمن في التجارب المريرة التي أظهرتها السنتان الماضيتان من عمر ثورات الربيع العربي. لقد تبيّن وجود خلل ما في تعامل الأحزاب السياسية الإسلامية مع الواقع العربي، على مستوى الوطن والأمّة. إن الانقسامات والصّراعات فيما بينها، إن عدم حسم موضوع الديمقراطية في عقيدة بعضها السياسية؛ إن الاضطراب والتناقضات في المواقف الناتجة من عدم حسم موضوع الخطوط الفاصلة والمتقاطعة بين القيادة الدينية والقيادة السياسية؛ إن عدم القدرة على التعايش والتعاون مع القوى السياسية الأخرى (مع استثناء المحاولة في تونس) لتعويض ضعف التجربة التاريخية في ممارسة السلطة عند هذه الأحزاب... إن كل ذلك وأكثر على الأغلب، يحتّم أن تجري الأحزاب السياسية الإسلامية مراجعة معمّقة لما واجهته خلال السنتين الماضيتين من عمر الثورات الربيعية العربية، هذا إذا كانت تريد أن تحجز لها مكاناً في المستقبل العربي السياسي.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3954 - الخميس 04 يوليو 2013م الموافق 25 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 4:06 م

      العلمانية هي الحل

      الاسلامين موقعهم المسجد ليقوموا بالوعظ والارشاد وليس قيادة بلد فية التنوع الطائفي والايدلوجي وانا متاكد انه سوف يميلون كل واحد الي طائفتة وهنا تضيع المواطنة الحقيقية وبرائ المتواضع يجب اعطاء العلمانية دور القيادة في العمل السياسي في البلد لانها تنطلق من الدين للة والوطن للجميع

    • زائر 9 | 8:30 ص

      %

      انريدك تتكلم عن البحرين .. نريد نعرف وجهة نظرك حول خارطة طريق للخروج من الازمة ..

    • زائر 8 | 8:02 ص

      نقطة ضعف

      نعم انها نقطة ضعف واحده وعلى العقل الشيعي قبل السني ان يقف عنده طويلا ليفكر في اسباب الخيبه الفشل الذي نحن فيه

    • زائر 6 | 4:15 ص

      يا دكتور احسنت

      هائولاء فلول المتئزمين لا يفقهون لا فى دين ولا فى صلاه ولا حتى فى ابسط الامور الدينيه تراهم تعجبك اجسامهم تسمع لهم كئنهم خشبا مسنده يحسبون كل صيحه عليهم هم العدو قاتلهم الله انئ يفكون ضربوا بعرض الحائط كل الاخلاق الساميه والعفو عن المقدره والاعتصام بحبل الله كما تراهم اليوم وكما وصفهم القراءن الكريم ان الاعراب اكثر كفرا ونفاق دمك مباح لمجرد ان لا تفكر مثلهم او تعارضهم قطع الرؤس ونحر الرقاب واكله لحوم البشر وتدنيس القراءن الكريم

    • زائر 5 | 4:02 ص

      أخذروا ثورة الجياع

      بعض الإسلاميين ينتهزون الفرصة للوصول لمآربهم من خلال المنصب ليس أصلا همهم الإسلام والناس تريد أن تعيش عيشة فيها كرامة وعزة وليس ذليلين لايهمهم من وليهم .

    • زائر 4 | 2:03 ص

      بعيدون عن الاسلام الحقيقي وبديهي ان يكونوا بعيدون عن الديمقراطية الحقيقية

      هؤلاء لا يتبعون الاسلام الحقيقي وانما قشورا من الاسلام لذلك لم ولن ينجحوا

    • زائر 3 | 12:50 ص

      جودة المقالات في الوسط ممتازة

      اعتقد أن ما يكتب في هذة الجريدة يقارع صحف عالمية

    • زائر 2 | 11:36 م

      ابو حسين

      مع الاسف الشديد لقد على كثير من الاسلامين انهم بعيدا جدا عن روح الديمقراطية
      والتعددي نحن في البحرين لنا تجربة جيده مع الاخوان والسلف من خلال تجربة
      البرلمان في البحرين انهم لايستطعون ان يكون مع الجميع وهو يتكلمون عن جماعتهم
      وطائفتهم وعن المنطقة التى يسكن ليس نواب الشعب يتكلم عن الديمقراطية
      واذا اختلفت مع اصبحت خارج عن الدين عن طاعة ولي الامر ويرفع المشانق
      ماهذة الديمقراطية يا سعادة الدكتور الفاضل الناس لم ينقد احكام الله في الدين
      انما تنقد افراد بشر غير معصومين عن الخطاء فاين المشكلة

    • زائر 7 زائر 2 | 6:57 ص

      عجبي و كان الاسلاميون من طيف،مذهبي واحد

      الاستاذ الفاضل احسبه في مقاله يقصد جميع الاسلاميين و ليس الاخوان و السلف دون الاخرين من الاسلام السياسي الشيعي.. فهم اي اصحاب اللحى و العمائم وجهان لعملة واحدة و كلن يلعب و يسفه عقول الناس بخلطهم للدين في مياه السياسة الآسنة.. ان أردنا ان لا نكون طائفيين في فيجب ان لا نسفه طرف دون الاخر.. و السلام

    • زائر 1 | 10:33 م

      رائع

      مقال أقل ما يوصف به (رائع)... شكرا لك دكتور

اقرأ ايضاً