العدد 3954 - الخميس 04 يوليو 2013م الموافق 25 شعبان 1434هـ

تشرنوبل النووية الحدث المأساوي... ذكريات شاهد عيان (10)

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

المجتمع الدولي تيقن مدى البعد الكوني للمخاطر التي يمكن أن تتسبب في حادثة المحطات النووية المتواجدة في عدد من البلدان من خطر كارثي على الأمن الانساني، وما خلفته حادثة تشرنوبل من آثار خطيرة وقلق على مستقبل الأمن البيئي للمجتمعات البشرية تشكل دروساً كونية في حاجة إلى دراسة متمعنة بعيداً عن المصالح السياسية والذاتية في قراءة الأحداث.

ومن خلال استعادة مسلسل الأحداث وردود الفعل في السياسات الدولية وتأثيراتها على مواقف القطاعات المجتمعية ومنظمات المجتمع المدني في مختلف البلدان، يمكن تشخيص آثار الكارثة على القرار السياسي للمجتمع الدولي في معالجة الكوارث الطارئة ذات الأبعاد الخطيرة، وفي بناء أفق جديد ضمن استراتيجية استثمار الطاقة النووية للأغراض السلمية. ومقابل ذلك تبين الأثر المباشر للكارثة في بروز وتنامي المعارضة الشعبية الرافضة لسياسة استثمار الطاقة النووية للأغراض السلمية، وتصاعد نشاطات منظمات المجتمع المدني في المجال البيئي في أوروبا في الضغط على حكوماتها للعمل على إغلاق محطات الطاقة النووية.

فنتيجة الحوادث التي تعرضت إليها عدد من المحطات النووية في العالم وتركت آثاراً خطيرةً على الأمن الصحي والبيئي للإنسان ومحيطه الحيوي، ساهم ذلك الواقع في تنامي المعارضة الشعبية لإقامة المحطات النووية في أوربا خوفاً من حوادث التلوث النووي، وتزايدت المخاوف بشكل كبير بعد أحداث «مايلز ثري آيلند» في أميركا، ومحطة تشرنوبل في أوكرانيا (1986) وحادثة فوكوشيما (2011)، وأغلقت ألمانيا 8 مفاعلات قديمة ووضع خطة سريعة لإغلاق 9 مفاعلات أخرى بحلول 2022.

على صعيد آخر هناك ثمة عوامل أخرى تساهم في الدفع باتجاه الابتعاد عن استخدام الطاقة النووية، وتتمثل في حقيقة أنه على الرغم من النمو العالي في استخدام الطاقة النووية في الفترة من 1970- 2000 والذي بلغ 11,5% إلا أن حقائق التوقعات تشير إلى نسبة متواضعة في النمو حوالي 0,1% سنوياً، ومساهمتها النسبية من مجموع الإنتاج العالمي للكهرباء يتوقع أن تتراجع إلى حوالي 9% العام 2030.

وتشكل تلك الحقائق نتيجة طبيعية للعزوف الرسمي والشعبي عن التوسع في استخدام الطاقة النووية، والأسباب الرئيسة لذلك التكاليف العالية لإنشاء محطات توليد الكهرباء بالطاقة النووية، وان الطاقة النووية غير صديقة للبيئة، خصوصاً أن هناك صعوبة في تخزين الوقود النووي المستنفذ، كما لا يوجد حل علمي للتخلص الآمن من النفايات النووية، وهى مكلفة جداً ومساهمتها في منظومة الطاقة قليلة، كما أنها ليست الحل الأمثل لمشكلة نقص الطاقة.

وعلى الرغم من ثبات حقائق خطر الطاقة النووية على الأمن الإنساني، تشهد البلدان النامية تسابقاً لاقتناء تقنياتها، وإن اختلف الأمر بين دولة وأخرى، إلا أن الثابت بعد إغلاق عدد من محطات الطاقة النووية في عدد من البلدان الأوروبية، توجهت الشركات الصناعية الكبرى في تسويق مقتنياتها من التكنولوجيا النووية في أسواق البلدان النامية. كما أن هناك ضغطاً وإغراءات من كبار الشركات والدول النووية كي تبيع التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، إلى جانب الحاجة المتزايدة للدول النامية للطاقة، ووهم بعض الدول بأن الطاقة النووية نظيفة، بيد أنه على الرغم من العوامل المحفزة لاقتناء المفاعلات النووية تبقى مقاربة محددات ثوابت الخطر والأمن المجتمعي المعادلة الرئيسة في اتخاذ قرار اقتناء المفاعلات النووية من عدمه، وذلك أمر من الطبيعي أن يكون جوهر القرار السياسي للدول.

الآثار الإنسانية والبيئية لكارثة تشرنوبل دائمة الحضور ضمن أجندة الحوار عن الأمن الاجتماعي البيئي عندما يجرى البحث عن الطاقة البديلة، وحيث يكون التفكير في مسألة اقتناء المفاعلات النووية، وهو موضوعٌ إشكالي ومحط جدل وخلاف عميق بين نشطاء البيئة والمجموعات التي تتبنى سياسة الاعتماد على الطاقة النووية في العملية التنموية، وإيجاد بديل للطاقة التقليدية. وفي إطار معالجتهم للمخاطر التي يمكن أن تترتب على الاعتماد على الطاقة النووية كبديل للطاقة، يرى نشطاء البيئة أن ذلك توجه غير مضمون العواقب، ومخاطره أكبر من منافعه، فيما يرى آخرون ايجابية الطاقة النووية في زيادة الإنتاج وتغطية العجز في الطاقة وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

وموضوع التحول للطاقة المتجددة من القضايا المحورية في السياسات التنموية واستراتيجيات الدول ودراسات المؤسسات العلمية والبحثية والاقتصادية والبيئية في منطقتنا العربية، ويشكل التوجه لاقتناء المفاعلات النووية أحد المخارج الرئيسة لإيجاد بدائل جديدة للطاقة، بيد أنه توجهٌ وسط محيط متناقض وغير مستقر، ويمثل نتيجة طبيعية لحالة القلق والمخاوف من المخاطر التي أفرزتها كارثة تشرنوبل والحوادث الأخرى، والتي تسببت في بروز ظاهرة المتناقضات في المواقف، والحيرة وعدم التيقن من صوابية التوجه لحسم الموقف في شأن اعتماد الطاقة النووية كمصدر بديل للطاقة.

وفي إطار حوار لنا مع أحد الإعلاميين العرب حول فوائد اقتناء تقنيات الطاقة النووية قال، نعلم أن هناك في العالم اليوم قرابة الـ 500 محطة نووية سلمية تغطي حاجات دول كثيرة في أميركا وأوروبا وآسيا، فهل النووي حلال على هؤلاء وحرام علينا؟

وفي الحقيقة الأمر ليس مرتبطاً بحلاله وحرامه، ولا ينبغي النظر إلى حجم استغلال الطاقة النووية لدى الدول الأخرى، بل علينا معالجة الأمر بواقعية ووعي وإتقان، وأن نقيّم مصلحتنا ومدى جاهزيتنا لاستخدام الطاقة النووية من عدمه، وبناءً عليه نقرّر ما إذا كان ذلك نافعاً لنا أم العكس. كما لا نتصور أن هناك من يمانع في امتلاكنا للطاقة النووية خصوصاً إذا ما أدركنا أن هذا المصدر من الطاقة صار تكنولوجيا قديمة، والآن تعمل العديد من الدول الصناعية والشركات الكبرى على بيع هذه التكنولوجيا، وينبغي القول أن المستقبل الواعد يتمثل في الطاقات المتجددة الصديقة للبيئة، بيد انه ليس هناك ما يمنع من مساهمة الطاقة النووية أيضاً بشرط تبين كيفية التغلب على آثارها السلبية.

ويشكل ذلك ركيزة أولوية في السياسات التنموية لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث تتجه للاقتراب من استغلال الطاقة النووية وفق معايير دقيقة، يراعى فيها مصالح الأمن البيئي لشعوبها، وذلك ما يمكن تبينه من المقابلة المنشورة في صحيفة «الوسط» البحرينية (11 مايو 2013) مع وزير الدولة لشئون الكهرباء والماء عبدالحسين ميرزا الذي «استبعد أن تلجأ البحرين لخيار الطاقة النووية في المرحلة الحالية على الأقل»، وقال إن هذا الحدث سابق لأوانه. موضحاً أن دول مجلس التعاون مقبلة على امتلاك محطات طاقة نووية لكن بعد التأكد من سلامتها وأخذ جميع المحاذير والاحتياطات». وذلك يؤكد البعد الاستراتيجي لسياسات دول المجلس في توجهها لاستغلال الطاقة النووية في مشاريعها التنموية، ويشكل ذلك التوجه مسألة محورية في منهجية العمل المؤسس للوقاية والحماية وتحصين المنطقة من المخاطر المحتملة للحوادث الكارثية للمفاعلات النووية. وهو التوجه الصائب الذي ينبغي الترحيب به والتأكيد على ضروراته في أن يكون ركيزةً أساسية في استراتيجيات الطاقة للدول في قراراتها لاختيار نهج الاعتماد على الطاقة النووية من عدمه.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 3954 - الخميس 04 يوليو 2013م الموافق 25 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 10:46 ص

      سؤال مهم.؟- تعليق الكاتب

      ان سؤال القارئ يشير الى عمق القلق المجتمعي من ظاهرة المفاعلات النووية ونود الاشارة الى انه على الرغم من ما يجري الحديث بشأنه من ضمانات الا انه لايمكن التسليم بضمانات مؤكدة فالخطأ والتسرب الاشعاعي ممكن الحدوث وان الاسباب التي تجعلنا قول ذلك يمكن حصرها في:
      - الخلل الفني على الرغم من منظومة الاحترازات الفنية والتقدم التقني
      - ألخطأ والاهمال البشري
      - الظروف والكوارث الطبيعية( الهزات الارضية والاعاصير)
      - الحروب والعمليات العسكرية
      ويبقى الحرص في تأمين الضمانات املنا في توفير الحماية من الخطر النووي

    • زائر 3 | 4:19 ص

      أكاديمية نيويورك للعلوم

      في دراسة حديثة نشرتها أكاديمية نيويورك للعلوم حول آثار كارثة تشرنوبل النووية على البيئة كرد مباشر على الدراسة التي نشرتها الوكالة الدولية للطاقة النووية عام 2005، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، والتي يعتبرها العلماء اليوم ناقصة، لذلك شارك 49 عالماً في إصدار هذه الدراسة "الكتاب" عن كارثة تشرنوبل، معظمهم من أوكرانيا وروسيا البيضاء وروسيا الاتحادية وذلك لتوضيح حجم الكارثة الحقيقي.
      يقول الكتاب إن أكثر عناصر الكارثة إجراماً تمثلت في عدم إخبار الناس عن حقيقة ما حدث

    • croroah | 3:29 ص

      أحسنت سيدنا

      السؤال : ما هي المخاطر التي يمكن أن يخلفها مفاعل بو شهر القريب من دول الخليج؟؟
      وعلى فرض أن دول الخليج جميعها امتلكت هذه التقنية في المستقبل القريب. ألا يمكن اعتبار أن تدمير المنطقة برمتها فيما لو حدث أي خلل في هذه المفاعلات قريب جداً؟

اقرأ ايضاً