العدد 3954 - الخميس 04 يوليو 2013م الموافق 25 شعبان 1434هـ

أخطاء «الإخوان» تقود إلى الثورة المصرية الثانية

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

لم ينجح النظام المصري بقيادة الرئيس محمد مرسي في تقديم استجابة مناسبة لظروف مصر الجديدة والملتهبة؛ فقد ظل النظام الجديد، الذي ورث نظام حسني مبارك بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، محل شك وتحت الاختبار من جانب الشعب المصري.

وقد استمرت الاتهامات الموجهة إلى النظام الجديد من المعارضة منذ انتخاب الرئيس في يونيو/ حزيران 2012، مؤكدة وجود حالة استبعاد، فرض للدستور، أخونة، ارتجال، سوء إدارة، تلاعب في مناطق صناديق الاقتراع، مما شكّك في قدرة النظام الجديد على إدارة وضع بلد بحجم مصر.

وفي البداية لم تكن غالبية المصريين لتستمع إلى اتهامات المعارضة بحق الرئيس انطلاقاً من أنها اتهامات منحازة وأنه يجب تجربة الرئيس، لكن فوز مرسي بنسبة 51 في المئة من مجموع الأصوات عنى موضوعياً أن الـ 48 في المئة الآخرين ممن صوتوا للفريق أحمد شفيق خوفاً من «الإخوان» وعلى حرياتهم الشخصية (قطاع كبير ممن صوتوا للفريق شفيق كانوا مناصرين ومشاركين في ثورة 25يناير)، هم في حالة تشكك دائم، وأن حصول تفكك في الجبهة التي ساهمت أساساً بفوز الرئيس مرسي و«الإخوان» سينعكس على مجمل التحالفات، لهذا فالاستقالات والخلافات حول الدستور وكتابته وبروز جبهة الإنقاذ (وهذه فئات انتخبت الرئيس) كانت بداية النهاية؛ لأنها عنت تراجعاً كبيراً في وضع رئيس انتُخب بفارق بسيط بعد ثورة لا يزال الكثير من ممثليها في الشارع وخارج السلطة.

الرئيس مرسي لم يأخذ في الاعتبار أن السياسة الناجحة بعد فوز ضعيف يجب أن تكون قادرة على تحقيق إنجازات واضحة لإقناع الذين انتخبوه بصحة خيارهم، ولإقناع من عارضوه من الـ 48 في المئة المتشككين بضرورة الالتفاف حول سياساته، لكن عدم نجاح مرسي مع الذين صوتوا له في البداية ثم مع الذين لم يصوتوا له، هو الذي دفع بالوضع في مصر إلى هذه الثورة.

فمع الوقت وعلى مدى عام قامت تحالفات جديدة وتم تحفيز فئات المجتمع من الغالبية الصامتة بسبب سوء إدارة النظام الجديد وضعف قدرته على احتواء الناقدين وبسبب تخبطه.

الحالة المصرية نموذج بامتياز لما قد يقع بعد ثورة كبيرة وشاملة من نمط 25 يناير 2011، فمن يتصدر المشهد في البداية ويستعجل حصد نتائج الثورة يدفع ثمن هذا التصدر، ولن يكون موجوداً في الواجهة في مراحل لاحقة إن لم يحسن الإدارة والاحتواء والتحالف والتنازل والمساومة. فالثورة المصرية كانت في البداية ثورة مشتركة بين فئات عدة، وحتى اللحظة ثورة مشتركة بين فئات عدة، لهذا فمن يسعى للاستحواذ، أكان الجيش أم «الإخوان» أو غيرهما، سيدفع ثمناً كبيراً من رصيده ومكانته ومستقبله.

لقد أخطأت الجماعة (تيار الإخوان المسلمين) استراتيجياً عندما تراجعت عن موقفها الأول بعد ثورة 25 يناير، والقاضي بعدم الاستفراد وبعدم ترشيح رئيس للجمهورية منها، وأكدت الجماعة بعد الثورة أنها لن تسعى إلى أكثر من ثلث مجلس الشعب حتى لو استطاعت الحصول على أكثر. كنت أعتقد حينها أنها فعلت كل هذا لأنها تعلم أن الثورة التي وقعت في مصر كانت مدنية، ولم تكن إسلامية، وكانت مشتركة ولم تكن لفصيل محدد.

هذا التواضع في البداية شجع الكثيرين على الثقة بحكمة «الإخوان» وإمكانية أن يكونوا جسراً إيجابياً في المرحلة الانتقالية، لكن موقف «الإخوان» تغير مع الوقت لمصلحة ترشيح رئيس للجمهورية والسعي لأخذ أكبر عدد ممكن من المقاعد في مجلس الشعب والشورى في ظل انتخابات شابها الكثير من التساؤلات.

وقد سعت الجماعة لفتح عشرات المقرات في مصر بما في ذلك المقر الذي تم فتحه في المقطم والذي يطل على القاهرة، وعندما زرت المقر بعد افتتاحه لإجراء حوار مع أحد قادة التيار كنت أشعر أن هذا من حق التيار، لكنني كنت أتساءل إن كان «الإخوان» سيعيدون، من دون قصد، استنساخ صيغة شبيهة بالحزب الوطني ومقراته وطريقته.

بعد عام من حكم الرئيس مرسي انتقلت المبادرة إلى الشارع بعد أن تبين أن الرئيس لا يعرف ماذا يريد وكيف يحققه، وربما لا يحكم بصورة مباشرة. لقد أدت حالة التآكل في الدولة المصرية وأزمة كتابة دستور بصورة شبه منفردة وتهميش للفئات المجتمعية الأخرى بما فيها الثورية التي صنعت الثورة في ظل تراجع الخدمات والبنزين والكهرباء والعمل والاستثمار، إلى زيادة منسوب الغضب الشعبي.

بل أدى خطاب الرئيس منذ أسبوع إلى أكبر خيبة أمل، فقد وضح من خلال الخطاب أن الرئيس كان معزولاً عن مجرى الأوضاع في الشارع، مما ساهم في انضمام فئات جديدة إلى حركة «تمرد»، التي جمعت ملايين التوقيعات مطالبة باستقالة الرئيس وبانتخابات مبكرة.

وبينما لا يستطيع الجيش في مصر إلا الانحياز إلى الشعب بملايينه، وذلك لتفادي انهيار الدولة وتفككها، إلا أن الرئيس مرسي تجاهل في خطابه ليل أول أمس حجم الحدث المصري الشعبي ومغزاه من منطلق التمسك بالشرعية.

كان الأفضل للرئيس القبول بانتخابات مبكرة، لأن البقاء من الآن فصاعداً سيجعل خسائر الرئيس وحزب «العدالة والتنمية» و«الإخوان المسلمين» أعلى. على الأغلب كان الخطاب الأخير لمرسي مناسباً لو قيل قبل أسبوع، لكنه جاء متأخراً عن حركة الشارع وسيساهم في حشد مزيد من الناس ضد الرئاسة.

إن خطأ الرئيس مرسي هو الانطلاق من أن صراع الشرعية في مصر مرتبط فقط بصندوق الاقتراع، لكن الأمر أعقد من هذا، بل يرتبط بمدى قبول الناس بالرئيس بعد ارتكابه أخطاء رئيسة جعلت شرعيته تسقط في أعين المجتمع، والمشهد مرتبط باستمرار وجود شرعية ثورية نتاج مراحل الثورة المصرية وتحولاتها.

لهذا عندما ينزل ملايين من الناس إلى الشارع من الصعب أن تصمد شرعية مهما كانت راسخة. إن الشارع لا يلتئم كل يوم بمشهد مثل الذي نراه في مصر. إن تجاهل نزول ملايين المصريين إلى الشارع انتحار سياسي للفصيل الذي يجرؤ على هذا التجاهل.

إن الحديث عن دور خارجي في تفسير المشهد المصري فيه الكثير من الاستخفاف بالشعب المصري وبالأعداد الهائلة التي اندفعت مطالبة بالتغيير، فالظاهرة في مصر داخلية ومحلية بكل الأبعاد، لكن هذا لا يعني أن أطرافاً عربية ودولية لم تتداخل، لكن الأهم أن قيمة مواقف أو تداخل هذه الأطراف، أكانت أميركية أم عربية هي ثانوية نسبة إلى الوضع الداخلي الرئيسي الذي يحرك المشهد: فشل تجربة مرحلة الانتقال وبروز أجواء ثائرة على الوضع في الوسط المصري الشعبي.

في إمكان الأطراف الخارجية التأثير في فئة وجماعة بهذا الاتجاه وبذاك، لكنها لا تحرك ملايين الجماهير الواسعة المكونة من ريف ومدينة، وفقراء وأغنياء، وطبقة وسطى من نساء ورجال وشباب وحركات ثورية ملتزمة بمبادئها.

إن ما يقع في مصر يؤكد أن الثورة المصرية متجددة، كما أنها تمر بمراحل ودورات، كما يؤكد ما يقع في مصر أن «الربيع العربي» ليس إسلامياً كما يعمم ناقدو الربيع، بل الربيع في جوهره إنساني ديمقراطي مدني ومشترك يطالب للشباب العربي وللشعوب بحقوق وتقرير مصير وتداول سلمي على السلطة.

التيار الإسلامي مرحلة من مراحل الربيع العربي، والتيارات المعارضة الرسمية التقليدية هي الأخرى تيارات آنية وستمثل مرحلة من مراحل الربيع، بل إن الطبقة السياسية العربية المعارضة الراهنة تمثل مرحلة، بينما جوهر الثورات العربية شبابي، ويمثل جيلاً جديداً ويحمل روحاً نقدية لمفهوم الدولة والسلطة كما تنشقتها الأجيال العربية الرسمية.

إن فكرة مدنية الدولة وحياديتها تجاه المجتمع في ظل رفض واضح للاستبداد السياسي والاستبداد الديني والطائفي، تمثل أحد أهم روافد الثورات العربية بقيادة التجربة المصرية.

هناك تغير كبير في مصر تجاه الاسلام السياسي -على رغم تنوع مواقفه- وتجاه مظاهر التدين المبالغ فيها، وسيزداد هذا الأمر حدة إن وقعت مواجهات وخسائر، لكن تيار «الإخوان» سيبقى تياراً فاعلاً في الحياة السياسية المصرية، وسيكون لزاماً عليه القيام بمراجعات شاملة للوضع السياسي والفكري الذي جعله يفقد نسبة كبيرة من الحضن الشعبي الذي قدم له الحماية والدعم والقوة على مدى سنوات وعقود، فالتجربة خير معلم للشعوب وللتيارات وللقوى السياسية كما وللأنظمة والسلطات الحاكمة.

إن تحقيق أماني المصريين سيتطلب العودة ثانية إلى ألف باء المرحلة الانتقالية التي تتضمن انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة وتآلفاً وطنياً ودستوراً ينسج بإجماع القوى السياسية وتساهم في كتابته كل الأطراف الرئيسة.

ثورة مصر كانت ولا تزال ثورة شباب، لهذا يجب أن تترجم هذه الثورة عند مأسستها أماني الشباب، ويجب أن تسمو إلى الروح التي أنتجت شجاعتهم وحركت تضحياتهم.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 3954 - الخميس 04 يوليو 2013م الموافق 25 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:50 ص

      لن تعود الثقة بالاخوان مرة اخرى

      اعطو انفسهم كثير من الثقة ونسو اراء الاخرين ومثل قطع العلاقة مع سورية مع وجود علاقة مع إسرائيل والتفرج بحضور مرسي على محاربة الشيعة في مصر وردت فعل باردة على قتل مصرين مثل شحاتة.

    • زائر 1 | 11:43 م

      لو

      من السهل أن نجد عيوب الآخرين. لو نظر الناس الى عيبهم ما عاب إنسان على الناس !!!!!!

اقرأ ايضاً